من ميان خاتون إلى نادية مراد (١ ٢)

حوالي ٥ سنوات فى المدى

مركز المرأة في التقاليد الدينية الإيزيدية وحضورها في المجال العام
سعد سلوم
تحتل المرأة الآيزيدية واجهة الأخبار منذ غزو داعش لسنجار منذ ما يقرب من خمس سنوات، ومن سبي النساء الأيزيديات الى خبر نحر خمسين منهن في الباغور في الأراضي السورية يستمر تنظيم داعش في استخدام النساء كسلاح في حرب التطهير الإثني التي بدأها صيف عام 2014. يواصل هذا المقال المتسلسل التفكير في تعزيز مركز المرأة الآيزيدية وحضورها في المجال العام، إنطلاقا من مقالي الأول الذي نشرته صحيفة المدى تحت عنوان (سبايا القرن الحادي والعشرين: استخدام الآيزيديات كسلاح في حرب التطهير الاثنية)، مروراً بمقالي الأخير المنشور في الصحيفة نفسها عن (إختيار اميرة لزعامة الآيزيديين في المرحلة المقبلة).
ليس للإيزيديين شريعة محتّمة تتضمن أحكام شرعية كالمسلمين أو اليهود، ولذا من الصعب جداً أن يسند موقف رسمي للديانة الإيزيدية بخصوص مكانة المرأة، إذ لا يوجد نص ديني بسبب اعتماد الأيزيدين على التراث الشفاهي غير المدون وعلى ما يسمى عندهم بعلم الصدر. أول صعوبة تواجه المرأة الأيزيدية تتعلق بتحريم الزواج بين الطبقات، والتي تجعل من خيارات المرأة محدودة، وما دام هذا التحريم يجد له أساساً دينياً، فإنه من غير المتصور تحديه من قبل النساء دون الخروج عن الجماعة الدينية التي تعتنق ديناً غير تبشيري يحرم الزواج الخارجي من أفراد بقية الأديان من جهة، ويحدد الزواج الداخلي بتحريم الزواج بين الطبقات من جهة ثانية.ويوجه العديد من الباحثين والمثقفين الآيزيديين نقدا لموضوع حرمان المرأة من الإرث في الديانة الآيزيدية في الوقت الذي يغالي فيه الآيزيديون من "مهور" النساء الى حد حرم العديد من النساء من فرص الزواج، ورفع من مستوى العنوسة في المجتمع الآيزيدي.ويرجع حرمان المرأة من الإرث الى طبيعة المجتمع الآيزيدي الأبوية، أكثر من كونها متعلقة بالتقاليد الدينية، وفي هذا السياق أورد المؤرخ عبد الرزاق الحسني في كتابه (اليزيديون في حاضرهم وماضيهم)، ما يلي "أن البنات ليس لهنّ وراثة في بيت أبيهن، وإن البنت تنقطع عن ابيها عندما تتزوج فلا ترثه، فإن رفضت الفتاة الايزيدية الزواج أو أحبت أن تبقى عانساً، وجب عليها أن تخدم اباها، واذا مات زوجها ترجع الى ابيها ويزوجها ثانية، وهكذا .. دون أن ترث زوجها المتوفي". ويرى "بابا شيخ" الزعيم الروحي للأيزيديين، في مقابلة أجريتها معه منذ أعوام : إن الديانة الايزيدية يستشف منها الدعوة للمساواة بين المرأة والرجل، ففي الأدعية والقصائد الدينية الإيزيدية، غالباً ما يخاطب الفرد الايزيدي - رجلاً كان أم إمرأة - بـ(أيها الانسان)، أو (انتم بنو البشر) في طلبها تأدية الواجبات أو الادعية والقيام بالمهمات الدينية دون تفريق بين الإثنين. ويؤشر "بابا شيخ" أيضاً على هامش المرونة الذي تمتاز به الديانة بسبب عدم تدوينها في نصوص وإمكانية تعديل بعض الطقوس أو المراسيم حسب تطور الزمن، إذ يقول "ليست التقاليد والمراسيم ديناً، بل تتبدل وتتعدل حسب الظروف لصالح الامة، وعلى كل آيزيدي أن يتخذ الرشد والإنصاف والحق والعدل والرحمة والشهامة ديناً ومذهبا له". ومن خلال حديث مع مستشارين للمجلس الروحاني للآيزيدية أكدوا لي بإن تعديلاً قد أعدّ لضمان التساوي بين المرأة مع الرجل في الأرث على أن لا ينفذ ذلك القانون بأثر رجعي، لكن الباحث "خليل جندي" يورد تحفظاً على هذا الموقف بالقول "لا نص ولا موقف واضح الى الآن من المجلس الروحاني في ما يخص المساواة بين الرجل والمرأة"، وإن الأمر يتوقف-حسب رأي جندي- بالنسبة للمجتمع الآيزيدي على مستوى ثقافة العائلة والأب وتمدنهم، ويضرب مثلا بنفسه، إذ انه قام بتزويج بناته دون طلب مهر، وأنه سيوصي بماله بالتساوي بينهن، ومثله فعل كثيرون على الرغم من عدم وجود نص ديني يحض بالمساواة أو يقدم حكما شرعياً حول توزيع الإرث. وترى المحامية "عالية بايزيد" إن الآيزيديين بسبب عدم وجود حكم شرعي آيزيدي يخص هذه المسألة يميلون الى تطبيق الشريعة الإسلامية في قضايا الاحوال الشخصية الخاصة بالإرث، بما إنها ستضمن لهم مضاعفة حصصهم في الأرث في مقابل النساء، وتروي عالية قصصاً تتناول هذا الجانب من خبرتها كمحامية مدافعة عن قضايا الآيزيديين والأقليات في محافظة نينوى.وإذا كان الأمر على هذا النحو في قضايا الأحوال الشخصية فقد لا نتوقع الكثير في مجالات أخرى مقتصرة على الرجال، فمن حيث مكانة المرأة في الاكليروس الآيزيدي (مصطلح يشير الى النظام الكهنوتي الخاص بالكنائس المسيحية)، وأستخدمه للإشارة الى التراتبية الدينية في طبقات رجال الدين الإيزيدية (الزعامات الدينية) والمؤسسة الأميرية (بوصفها تمثل الزعامة الدينية والدنيوية للآيزيديين)، فإن قد يكون من الأنسب الحديث عن مكانة للمرأة الآيزيدية في مقارنة مع السياق المسيحي واليهودي والإسلامي. بما أن الموقف واحد تقريباً بالنسبة لهذه الأديان الثلاثة. وكما يبين "ألبرت صموئيل" في كتابه (النساء والأديان) الصادر عام 2005 بالفرنسية، إن العديد من الأديان وفي الأساطير المؤسِّسة كذلك، بما في ذلك في المعتقدات التقليديةلإعراق عديدة في أفريقيا وأوقيانوسيا وآسيا وأمريكا، تُخصص الوظائف الدينية أو الكهنوتية للرجال. ولذلك فإن تقاسم العمل الديني بين الجنسين يُحترم بصرامة عموماً، حيث يتمتع الرجال بمزية الشعائر العامة الاحتفالية الرسمية بينما تقنع النساء بممارسة دين خاص في أماكن مغلقة داخل البيوت والمعابد . ولا يُستثنى من ذلك دين، بما في ذلك الأديان التوحيدية.وإذا كانت هناك مصادر متنوعة عن حساسيات وممارسات الإديان المختلفة تجاه مركز المرأة، لكن على ما يبدو لا يوجد تصور واضح عن حساسيات ومركز المرأة في الإديان غير التوحيدية أو الأديان التي تقع خارج دائرة الأديان الإبراهيمية (الاسلام والمسيحية واليهودية)، والأخيرة لديها حساسيات تجاه شغل المرأة للوظائف المنطوية على مسؤولية، وكما تبين دراسة للأمم المتحدة عن مركز المرأة من منظور الدين والتقاليد صادرة عام 2002، فإن الممارسات الدينية متشابهة على نحو كبير، فالكنيسة الكاثوليكية على سبيل المثال تقصر السيامة على الرجال، ويقوم هذا التمييز، الذي ترجع أصوله إلى التقاليد الرومانية والمتوسطية، على أنثروبولوجيا تُسند إلى كل جنس وظيفة محددة بصرامة : فالرجل هو صورة السلطة المقدسة والمرأة صورة العذراء، الزوجة وأم المسيح. ويحول استبعاد المرأة من الكهنوت أيضاً دون وصولها إلى سلطة الحكم في الكنيسة، يحترم قانون الدولة أو القانون الدولي (القانون الداخلي للجماعات الدينية)، أما الكنائس البروتستنتية هي بلا شك أكثر مرونة، بيد أن المرأة لم تُقبل في الر عوية إلا مؤخراً جدا بعد تطور طويل نجم على وجه الخصوص عن قبول المرأة لإجراء دراسات لاهوتية. وفي اليهودية التقليدية، تُحصر المرأة في الأدوار الأسرية المتعلقة بالرعاية والتعليم؛ واليهودية المتحررة فقط هي التي تقبل فكرة تقلد المرأة لمنصب الحاخام (تقلدت المرأة، لأول مرة، منصب الحاخام في فرنسا). وفي الدين الإسلامي لا يوجد كهنة، وإنما فقط وظائف تُستبعد المرأة منها، فوظائف العلماء والقضاة والخليفة والأئمة مخصصة للرجال، وتنحصر وظائف المرأة عادة في المحيط الخاص والمنزلي، والتعيين في وظائف عامة معينة، مثل المفتي وقاضي المحكمة الشرعية والإمام، ينبغي أن يجري طبقا لأحكام الشريعة الإسلامية. لكن في تونس –وعلى سبيل الاستثناء-رفضت المحاكم، جريا Wعلى تقليد حديث للدولة واﻟﻤﺠتمع، الحجة المستمدة من الشريعة التي استشهد ﺑﻬا مدّعِون لإستبعاد امرأة من وظيفة كاتب عدل، وقد استند الحكم الإداري على مبدأ المساواة بين الجنسين في الحقوق والواجبات المكرس في الدستور التونسي. في ثقافات معينة، لا تشارك المرأة في شعائر معينة، مثل الصلاة العامة في الجوامع، والنساء اللائي يحضرﻧﻬا يبقين في مكان مجاور للصالة الرئيسة لا يرين منه الخطيب ولا يراهم أحد . بل في بلدان معينة كما في بنغلاديش لا توجد أماكن مخصصة للنساء، وبالتالي يُحظر عليهن ارتياد الجوامع، ولا يقصر هذا الفصل بين الجنسين على البلدان الاسلامية فحسب، ففي فرنسا، وحتى الستينيات، كان يُفصل بين الرجال والنساء أثناء القداس الديني في الكنائس.أما في الدين الآيزيدي، فإنه مع تعرض المجتمع الإيزيدي لعادات وممارسات دينية مجاورة أو مؤثرة، فإن مكانة المرأة قد تتراجع أو تتقدم، مع ذلك فإنه من حيث مكانة المرأة في التراتبية الدينية، وحظها في الارتقاء في طبقة الاكليروس الآيزيدية، لا توجد منافسة للرجال داخل المؤسسة الدينية أو الأميرية، لكن يسمح على ما يبدو للنساء من طبقة الفقراء أن يكرسن أنفسهن لخدمة المعبد ولا يتزوجن. من جهة ثانية، وفي سياق مقارن، فإن عدم وجود نص ديني آيزيدي حول مكانة المرأة، أمر لا يخلو من الأيجابيات، فورود نص يضع المرأة في منزلة ثانوية، أو على الاقل إنحراف تفسيره ذكورياً بإتجاه يحط من مكانتها، سوف يضعنا في مثل هذا الحالة إزاء قيد وعائق تجاه المساواة وتعزيز مركز المرأة، كما هو الحال في الشريعة الاسلامية على سبيل المثال. الأمر الذي يفتح من وجهة نظرنا أمام المجلس الروحاني للآيزيدية مرونة لتعزيز مكانة المرأة الآيزيدية ودورها في المجتمع وحضورها في المجال العام.يضاف الى ذلك، ولأن النساء الآيزيديات يعشن في مجتمعات زراعية ورعوية يعتمد اقتصادها على المرأة، فإن ذلك فتح المجال أمام النساء للنضال في سبيل تحسين مكانتهن أذا ما اتيحت الفرصة، وأبرز مثال ذلك ما فعلته الأميرة "ميان خاتون" التي قادت عملياً الآيزيديين في فترة حرجة من تاريخهم خلال العقود الأولى من القرن العشرين.

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على