يرى أن تجربته هي بحث عن تاريخ جديد في مدارات مشعة..صلاح القصب مشهدنا الثقافي معطل

أكثر من ٥ سنوات فى المدى

لا وجود للمؤسسات الفنية والثقافية ذات الوهج والتفعيل
حاوره:علاء المفرجي
الفنان الرائد المسرحي صلاح القصب تجاوز الخمسين عاماً من العمل على خشبة المسرح.. تاريخ طويل وتجارب غنية.. قال عنها: كانت سوناتات لشعراء، وكانت أناشيدهم مجداً لمساحات وحقول انعكس فيها الحب والخوف والقلق واللاعودة، وهي ألبومات الصور التقطت فضاء المسرح بمصابيحه الذهبية، كانت قصائد شعر نثرية مسقطة بنور الأضواء للآلة العارضة للأفلام على فيض المونتاج.حاورته المدى بهذه المناسبة:
 بعد خمسين عاماً من العمل في المسرح – هل تنظر إلى الماضي بغضب أم برضى؟- الليل بعباءته الظلماء الخشنة بدأ ينتشر الآن بعد مسافة الخمسين عاماً. الزمن يمر نُصغي له الآن بشكل مخيف يقترب منا تلك هي الخمسين عاماً من تلك التراجيديا الشاعرية التي سرّعت الزمن بطاقته وتردداته إلى (عالم المسرح) كانت مشهداً رمزياً وكانت تنقلب على آوامر وإيقاعات اللاوعي وكانت ترددات خمسينيات الزمن الماضية وفي كل حكاياتها نجد أن تصاعد الأمل ثم انبهاره في أن تحقق تجربة سحرية تحوّل الركود الفني إلى موجٍ ضرب من السحر أو الفرح وكنت خلال تلك السنين أتارجح بين التوق إلى مغامرات المدينة – عبد الأمير الحصيري مدن فاضل العزاوي قصائد سامي مهدي وخزائيل ولوحات محمد مهر الدين وآخرون وكنت أبحث عن البراعة الذهبية وأبحث عن عصر الباروك المعاصر عن المجد المعماري الباروكي. الخمسون عاماً كانت سوناتات لشعراء البياتي، السياب، بلند الحيدري، رامبو مظفر النواب، بودلير، ادكار ألن بو ، غائب طعمة فرمان، فؤاد التكرلي مونيه ، سيزان ، وجواهر آخرى مجدّت كل تاريخ العالم. كانت أناشيدهم مجداً لمساحات وحقول انعكس فيها الحب والخوف والقلق واللاعودة كانت رحلتي الخمسينية أشبه بألبومات الصور التقطت فضاء المسرح بمصابيحه الذهبية كانت قصائد شعر نثرية مسقطة بنور الأضواء للآلة العارضة للأفلام على فيض المونتاج أنظر لتلك السنوات كالشعر الميتافيزيقي المتصف بالتوتر دونما حل فالمسرح الذي كنت أبحث في حقوله الصورية المحررة من أكداس مستعمرة اللغة كان مناورة تمدين مناورة مدينية معاصرة وإكتساحاً للخرائط القديمة ومغادرتها (بدون أسف) تجربتي هي بحث عن تاريخ جديد عن مدارات مشعة.تجربتي خلال تلك السنوات الخمسين أستقطبت أجيالاً من الشباب المتمرد المعاكس وكنت أبحث عن المخرج الأسطورة عن نقطة تحوّل عن بناء معماري جديدة أشبه (بمعمارية قصر فرساي) كنت أريد أن يكون المسرح رمزاً لجمال أبدي إلى خلق أسطوري محاولاً بناء مسرح عراقي في حقول فضاءات جمالية في هذا العالم الحقيقي كما فعل برخت وراينهارت وأرتو وبروك وآخرون من قمم خضراء شاهقة تصافح الغيوم لترسم لوحة بصرية يسكنها الجمال أولاً لم أنظر لتجربتي لتأريخها الذي مضى بغضب بل أنظر إليها كمتمرد رومانسي على النزعات التقليدية تجربتي كانت وقفات ترددية موج فيزيائي بصري وقفات رومانسية، إيمان بالحس وحيوية العواطف وأثر الطبقة وثيماتها في الحياة، المدن، القلق ، كانت لغة بصرية حسيّة تحاول تحديد الوجود الفيزيائي العقلي للبشر .رحلتي كانت جميلة كشعراء العراق كتلك اللوحات التي رسمها، فائق حسن، جواد سليم، محمد عارف، محمد مهر الدين، حسام محسن، شداد ضياء الخزاعي وكقصائد بدر السياب، البياتي، مظفر النواب، بلند الحيدري ، سامي مهدي خزعل الماجدي تجربتي كانت احتفالاً كالريح القوية شعاع ذهبي فنارات مرتفعة توجست على الحقول. ما الذي جنيته من هذا العمر الطويل مع خشبة المسرح؟- لي جسر بين الحياة والموت كنت حراً، أركض إلى حيث لا يستطيع الوهن اللحاق بي كنت أبحث عن التطهير والعنف الرمزي في تحولات الأشياء، الأضواء ووهج المصابيح في فضاءات معمارية المكان – (المسرح) كانت نداءات كنت اسمها، قصائد شعر، لوحات تشكيلية، سمفونيات هايدن وباخ عروض أوبرالية، طقوس لتراث أممي، أناشيد سلام إلى الحب في الحياة وفي الكون كنت أقفز في تلك المدن وإيقاعاتها وكنت أسمعها كموسيقى الجاز وإيقاعات الرقص الوحشي تقابلها موجات نادرة من الفرح ، علاقة وعي متأمل في الذات في الماضي ، حس عميق بالانفجار الروحي، إنشطار وقلق وخوف بحثاً من ظلال آمنة أحتمي بها، ، عن طرقات ومدن ترن بكل ما عرفت الإنسانية منذ البدء من نغمات الضحك والألم، علاقتي بالمسرح بهذا الزمن الطويل الممتد والتي اسميها (المشهد الداخلي) و(الفترة الداخلية) محاولاً تحديد الوجود الفيزيائي الفعلي للشيء وكان بي تمرد لكل تلك الخرائط التي كنت آراها خارطة ممزقة لا معنى لها كنت أبحث من مسرح وهاج عن تجربة مغايرة عن مغامرة اكتشاف جديد رافضاً تلك الانساق باحثاً عن معنى جديد للمسرح عن تركيب تشكيلي صوري، عن مخلّص يفجر فينا معنى جديد لمسرح صوري، تجربتي ورحلتي الطويلة آثرت بأجيال جديدة مريدة ومتأثرة بصلاح القصب تجربتي في المسرح العراقي أحدثت زلزالاً وانقلاباً في بنية المسرح. استطاعت هذه التجربة انتاج جيل متوهج جيل إنقلابي تسكنه المغامرة والمغادرة فكان جيل كريم رشيد وباسم عبد القهار وعواطف نعيم وكريم عبود وحميد صابر وسنان العزاوي وأنس عبد الصمد وأحمد موسى وقاسم زيدان وتحرير الأسدي وثورة يوسف وشمال عمر وميديا رؤوف ونيكار وكريم جمعة وصادق مرزوك وجبار محيبس شباب هذا الجيل كان الحلقة المؤثرة والمشرقة في مسرحنا العراقي. هل ترى مستقبلاً للمسرح بوجود الشباب أم أنهم لا يستطيعون إكمال مسيرتكم؟- جيل الشباب استطاع أن يضيء تجربتي ويضيف هندسة جديدة لها كان جيلاً غاضباً لا ينظر إلى الوراء قدراتهم ذات الموجات المغيرة أنارت مصابيح المسرح العراقي بوهج لوني جديد أكثر سطوعاً أشبه بفوتونات ضوئية عالية الدرجة، جيل الشباب جواهر صافية بهاء مزدوج بالحلم الجمالي موسيقى تتدفق كنوتات موسيقية عزف أوبرالي جديد وكان هناك جيل من النقاد والمنظرين استطاعوا أن يؤسسوا حركة نقدية ودراسات حداثوية جديدة وأبرز هذا الموج شيخ النقاد حسب الله يحيى وعواد علي ويوسف رشيد وبشار عليوي وخضير ميري وحميد المختار وعبد الخالق كيطان ورياض موسى سكران ومحمد حسين حبيب محمد أبو خضير وجبار خماط، صميم حسب الله ومعاذ فياض وكان هناك منظرون كبار عقيل مهدي وجبار صبري وياسر البراك وحميد جابر محمد حسين حبيب ، سعد عزيز عبد الصاحب، كانوا اشراقات عصر مسرحي جديد وهناك تجارب هندسية بصرية في تشكيل فضاءات الكان – جبار جودي ، علي السوداني هذه الأجيال كانت أشبه بالموكب الذهبي صوتهم تعاظم وصار كورساً وكانت منجزاتهم شوقاً يدفعنا لإكتشاف الجوهر السري للمسرح. كيف ترى الواقع الثقافي والفني الآن؟ - السطوح التأريخية لمجمل تلك الامتدادات الثقافية والفنية لمكونات حضارات مختلفة في وحدتها التركيبية منبثقة من وحدة الكم الفيزيائية للعناصر المركبة للثقافة والفنون في جوهرها وهناك حركة تغيير وإرتقاء. فالمعادلة التي تؤسس وجود حركتها الثقافية والفنية هي موجات وطاقة وتردد لمستقبل له حضوره المستمر هي وجود مراكز ثقافية للدولة ومراكزها ومنتدياتها الثقافية والمسارح ودور السينما وقاعات التشكيل ودور أوبرا وقاعات مسرح هي مركبات مصممة بدقة متناهية ومؤسسة من قيمة جمالية لمعايير يمكن من خلالها الارتقاء بالمشهد الثقافي والفني. هذه الموجات وهذا الفيض من المركبات الجوهرية غائبة لا حضور لها في المؤسسات والأقسام والدوائر الثقافية مما غيبّ إسس ارتقاء حضوري لقلب المعايير الثقافية والفنية. مشهدنا الثقافي معطل لا وجود للمؤسسات الفنية والثقافية ذات الوهج والتفعيل في انتقالات الثقافة على مستويات متقدمة لم تمتلك قوة جذب وطاقة وتردد وأمواج كهرومغناطيسية تسري قوتها وموجها الترددي في مساحات الثقافة عالمياً وعربياً علماً أن هناك موجاً لقوة طاقة فيزيائية تمتلك فعل التغير والبناء من خلال جيل يمتلك تلك الطاقة. أين مهرجانات المسرح كما في القاهرة ، تونس – الأردن – بيروت، عمان المغرب وغيرها من المسارح والمؤسسات العربية الأخرى. أين الدور المتيز للمؤسسات الثقافية في تأسيس فضاءات وحقول فنية ترتقي للعالمية لا وجود لتلاحم عضوي ما بين المؤسسات الثقافية وتحديداً وزارة الثقافة ودوائرها وشُعبها الثقافية والفنية لسحب قوة تلك الموجات الإبداعية لذلك الحضور المتمثل بطاقات لها حضور بمستوى عالمي بحقول المسرح – الفني التشكيلي والسينمائي لا يتم الارتقاء للمشهد الثقافي والفني إلا من خلال تلاحم وحوارات مع ثقافات العالم. هناك مبدعون عراقيون كبار إلا أن هناك فراغات وفراغات ما بين المبدع وتلك المؤسسات المعطلة لذا فان المشهد الثقافي والفني (مقلق) نحن بحاجة لمؤسسات لها حضورها الفكري والجمالي المتميز عربياً وعالمياً تمتلك فعل التغير لتاسيس مدينة الجمال مدينة الحضارة وعندما تتأسس هذه الحقول ستكون هناك المدينة. المدينة يصفها المشهد الثقافي والفني الثقافة والفنون رمز الحضارة المدنية وحضارة المدينة ثقافتها وفنونها ورموزها المبدعة. لديك تجارب مهمة في المسرح العراقي، هل هناك عمل يكمل تلك التجارب؟- عالم فضاء أنا الآن ما زلت أنتظر إشارة أو نداءً أو صوتاً أو علامة تصلني من تلك الكواكب والمجرات البعيدة انتظر النداء الذي يمنحني تحقيق حلمي الذي يعيش معي أكثر من ربع قرن إخراج مسرحية ريتشارد الثالث لشكسبير متى سأرى بريق المفتاح الذهبي الذي سيفتح لي الباب السحرية لمشاهدة تجربتي الحلم ما زلت انتظر من سيفتح لي هذه الأبواب متى ستصلني الرسالة ليحقق هذا المنجز ما زلت انتظر ربما لا يتحقق هذا الحلم ولكن الأمل ما زال يعيش معي حلم انتظار إشارة الدخول للتجربة. هل ترك غياب الرواد أثراً على مسيرة المسرح العراقي؟ - التأريخ لا يغيب والجواهر لا تفقد بريقها والزمن يستحضر مرة أخرى كذكريات خالدة، حضورهم ما زال يملأ كل قاعات العرض غياب موجاتهم الصوفية وصفاء رحلتهم شكّلت بعض الفراغات في مسيرتنا المسرحية . كانوا ألقاً من الضوء والعطاء أنهم جوهرة العصر وخلاصة التاريخ.

شارك الخبر على