موسوعة عُمان في التراث العربي.. عُمان .. جذور تمتد عميقا في ذاكرة الثقافة العربية

ما يقرب من ٦ سنوات فى الشبيبة

مسقط - العمانيةصدر للباحث د.هلال بن سعيد الحجري كتاب جديد يتكوّن من ثلاثة أجزاء عنوانه «موسوعة عُمان في التراث العربي» عن دار بيت الغشام للصحافة والنشر والترجمة والإعلان.وقد حمل كل جزء من الأجزاء عنوانا ثانويا وفقا للموضوع الذي يتحدّث عنه فقد جاء الجزء الأول تحت عنوان «موسوعة عُمان في التراث العربي عيون الأدباء» وجاء الثاني تحت عنوان «موسوعة عُمان في التراث العربي في عيون المفسرين والمحدثين والفقهاء واللغويين والأطباء» فيما حمل الجزء الثالث عنوان «موسوعة عُمان في التراث العربي في عيون المؤرخين والنسابة والجغرافيين والرحالة».ويذكر المؤلف في مستهل كتابه أن عُمان لم تكن مجهولة في التراث العربي فحين نتصفح مصادرَ هذا التراث تظهر لنا عُمان جُغرافيا ومَعرفيا أولَ أرض تُشرقُ فيها الشمس في خريطة العالم العربي، ذلك أن حضورها يمتد عميقا في مختلف مَضَانِّ الثقافة العربية القديمة، الشعر الجاهلي، وتفاسير القرآن الكريم، ومسانيد الأحاديث الصحيحة، وأمهات تاريخ الأدب العربي، والتاريخ، والجغرافيا، وأدَب الرحلة.ويضيف الحجري قائلا: حاولتُ في هذا المشروع استقصاءَ حضور عُمان، أرضا، وثقافة، ولغة، وعلماء، وشعراء، فكانت أهمُّ مصادر التراث العربي كريمةً في احتضان هذا الحضور. وكان الحضورُ ثَريّا ومضيئا يليق بهذا البلد الذي لم يكتف بشُغْلِ الخلفاءِ والأمراءِ فَحَسْب، وإنما شَغَل رموزَ التراث العربي بمختلف مشاربهم.وقال إنها لَمَفْخَرَةٌ عظيمةٌ لعُمانَ أن يأتي ذِكْرُها على لسانِ الرسول صلى الله عليه وسلم في أكثر من حديث، وإنه لَشَرَفٌ لها أن يتردّدَ ذِكْرُها في أفواه صحابتِه الكرام، وإنه لتَخْليدٌ لاسمِها أن يَلْهَجَ به فطاحلُ الشعراء منذ الجاهلية إلى العصر الحديث، وإنه لكَنْزٌ عظيمٌ ما خلّفه علماءُ اللغةِ، والأدبِ، والتاريخِ، والجغرافيا، والطّبِّ، وهم يتحدثون عن لُغَةِ أهلِ عُمان، وشعرائِها، وخطبائِها، وملوكِها، وأسواقِها، ونِضالِها في مُواجهة الطامعين والغُزاة، واستقلالِها، واتِّساعِها الجُغرافي، وجِبالِها، ومُدُنِها، وبِحارِها، وجَوَاهِرِها، ونَخيلِها، ونَباتاتِها الطبية. ويذكر الحجري أن كل هذا الحضور سيجده القارئ في هذا العمل بأجزائه الثلاثة، الأول الذي يتناول حضور عُمان في دواوين الشعراء، ومصادر الأدب العربي الشهيرة.والثاني الذي يتتبع حضورَها في تفاسيرِ القرآن الكريم، ومسانيدِ الأحاديثِ الشريفة والكتبِ التي تم شرحها، ومعاجمِ اللغة العربية، وكتبِ الفِقْهِ الإسلامي، وبعضِ المصادر الطبّيّة.والثالث الذي يستقصي ذِكْرَ عُمان في مصادر التاريخ، والأنساب، والجغرافيا، والرحلات.ويعقب الحجري بالقول: لا أزعم بهذا العمل أني أحَطّتُ بكُلِّ ذِكْرٍ لعُمانَ في مصادر التراث العربي، ولكني بذلتُ قُصارى جُهْدي في استقصاء ذلك، ولا شكَّ عندي أن ثَمّةَ مصادرَ أخرى تحدثتْ عن عُمانَ ولم أطَّلِعْ عليها، ولَعَلّ الطّبعات اللاحقة لهذا العمل ستستدرك هذا النقص.لم يكنْ الاشتغالُ على هذا المشروع سهلا، فقد استغرق سنوات من الجهد في تتبع عُمان في مصادر التراث، ورغم أن كثيرا من هذه المصادر أصبح متوفرا إلكترونيا مما سهّل عليّ عملية التحقق والنقل، فإن بعضها غير متوفر وقد استلزم ذلك وقتا كثير في الكتابة والتوثيق.وكطبيعة أي عمل موسوعي، لم أشتغل في هذا العمل بتحليل النصوص الواردة فيه، وإنما كان وَكْدي استقصاء ذكر عُمان في هذه النصوص، وحسبي منه أنه يحقق هدفين مهمين: أحدهما أنّ عُمَانَ ليستْ بلدا طارئا في خريطة العالَم العربي، بل هي ضاربة بجذورها في أعماق التاريخ، وثانيهما أنّ العُزْلة التي فرضتها الجُغرافيا على عُمان لم تكن عائقا لاتصالها بحواضر العالم الإسلامي، بل كانت نفسها حاضرة من هذه الحواضر التي اشتعلتْ بنور الله وجهودِ علمائها ومثقّفيها.ومن الصور التي تشكلت عن عُمان في التراث العربي ما يسميه الحجري بـ«صورة الملاذ الآمن»، وهو يتحدث عن ذلك قائلا: ربما لبعدها ونأيها عن نفوذ السلطات المستبدة خاصة في العصرين الأموي والعباسي، كانت عُمان ملاذا آمنا لبعض الشعراء العرب الذين فرّوا إليها خوفا من البطش والظلم.ولعل أول شاعر هاجر إلى عُمان حقنا للدماء وطلبا للأمن هو قيس بن زهير العبسي الذي هاجر إلى عُمان بعد حرب داحس والغبراء في الجاهلية.ذكر هجرته هذه ابن منظور في لسان العرب، حيث يقول: «وشاعَكم السلامُ كما تقول عليكم السلامُ، وهذا إِنما يقوله الرجـــل لأَصحابـــه إذا أَراد أَن يفارقهم كمـــا قال قيس بـــن زهير لما اصطلح القوم: يا بني عبس شاعكم السلامُ فلا نظرْتُ في وجهِ ذُبْيانية قَتَلْتُ أَباها وأَخاها، وسار إِلى ناحية عُمان وهناك اليوم عقِبُه وولده». ويؤكد هجــرة قيس أيضا ابن الأثير فـــي كتابه «الكامـــل في التاريخ» ولكن بتفصيل آخر.يقول: «وقيل: إن قيس بن زهير لم يسر مع عبس إلى ذبيان وقال: لا تراني غطفانيةٌ أبداً وقد قتلت أخاها أو زوجها أو ولدها أو ابن عمها، ولكني سأتوب إلى ربي، فتنصر وساح في الأرض حتى انتهى إلى عُمان فترهب بها زماناً، فلقيه حوج بن مالك العبدي فعرفه فقتله وقال: لا رحمني الله إن رحمتك».وفي العصر الأموي كثر الشعراء الذين فروا من بطش الحجاج بن يوسف وغيره من ولاة بني أمية، فكان الملاذَ الآمنَ لهم في الغالب عُمَانُ وإن طالتهم أيدي الحجاج أحيانا.من هؤلاء الشعراء سَوّار بن المِضَرَّب السعدي من بني سعد بن زيد مناه بن تميم.عارض الحكم الأموي أيام الحجاج بن يوسف الثقفي في الكوفة، فطلبه الحجاج ليقتله، فاستطاع أن يهرب وينجو منه إلى عُمَان كما يؤكد ذلك المبرد في كتابه الكامل.وقد أورد الأخفش الأصغر في «كتاب الاختيارين» لسوّار بن المضرب هذه القصيدة التي يحن فيها إلى المواطن التي وجد فيها السكن والأمن في عُمان:ألم تَرَني وَإِن أَنبَأتُ أَنّيطَوَيتُ الكَشحَ عَن طَلَبِ الغَوانيأُحِبُّ عُمانَ مِن حُبّي سُلَيمىوَما طِبي بِحُبِّ قُرى عُمانِعَلاقَةَ عاشِقٍ وَهَوىً مُتاحاًفَما أَنا وَالهَوى مُتَدانِيانِتَذَكَرُّ ما تَذَكَّر مِن سُلَيمىوَلَكِنَّ المَزارَ بِها نَآنيفَلا أَنسى لَيالِيَ بِالكَلَندىفَنينَ وَكُلُّ هَذا العَيشِ فانِويذكر د.هلال الحجري صورة أخرى تشكلت عن عُمان في التراث العربي هي «صورة الرزق وطيب العيش»، حيث يقول: «ثَمّة حديث مُتَدَاوَل في مصادر التراث العربي وهو «مَنْ تَعذّر عليه الرزقُ فعليه بعُمان». ونجد في ديوان الشعر العربي أمثلة عديدة تؤكد أن بعض الشعراء العرب جاء إلى عُمان طلبا للرزق ونشدانا للحياة الكريمة.ولعل الشاعر الجاهلي أعشى قيس كان أول الشعراء العرب الذين فاءوا إلى عُمان طلبا للرزق والحياة الكريمة، فقصائده تثبت أنه زار الجلندى بن كركر ملك عُمان أواخر الجاهلية ومدحه طلبا في كرمه وعطاياه.وهذا ليس بمستبعد لأن الجلندى كان أيضا شاعرا وملكا مشهورا شأنه شأن المناذرة في العراق والمنذر بن ساوى في البحرين، وكانت سيطرته على سوقي دَبَا وصُحار، وهما من أسواق العرب الشهيرة آنذاك، فكان يعشر التجّارَ فيهما، ولا يَبيع الناس في هاتين السوقين حتىّ يبيع الجلندى ما لديه من بضاعة.يقول الأعشى:وَصَحِبنا مِن آلِ جَفنَةَ أَملاكاً كِراماً بِالشامِ ذاتِ الرَفيفِوَبَني المُنذِرِ الأَشاهِبِ بِالحيرَةِ يَمشونَ غُدوَةً كَالسُيوفِوَجُلُنداءَ في عُمانَ مُقيماً ثُمَّ قَيساً في حَضرَمَوتَ المُنيفِالجدير بالذكر أن هذه الموسوعة دشنتها وزارة الإعلام، التي دعمت طباعتها وصدرت عن دار بيت الغشام في معرض مسقط الدولي للكتاب الذي شهد هذا العام إصدارات عُمانية عديدة في مختلف ضروب المعرفة والأدب والفن.

شارك الخبر على