مسقط تونس مسقط

ما يقرب من ٦ سنوات فى الشبيبة

عزيزة راشدلطالما حفظت الذاكرة مسمى تونس الخضراء، وأصبح الحنين لزيارتها يمر على الذاكرة بين فينه وأخرى، إلى أن تحقق ما كان يريده القلب وحطت الطائرة في تونس الخضراء ذاتها، تتزاحم الذاكرة بتونس في صور الجمال والأولياء الصالحين والخضرة والشعراء وأبو القاسم الشابي وهو ينشد: إذا الشعب يوما أراد الحياة، فلابد أن يستجيب القدر، ولابد لليل أن ينجلي، ولابد للقيد أن ينكسر.تصطف المقاهي على طول شارع الحبيب بورقيبة في منظر يعود بالذاكرة إلى الشانزليزيه بباريس والسولدير بلبنان، مقاهٍ تتوسط شارعاً جميلاً تصطف على جانبيه أشجار وارفة الظلال، وقد سمي بشارع الحبيب بورقيبة الأب المؤسس لتونس وأول رئيس للجمهورية التونسية الحديثة، وهو بمثابة رمز وطني تونسي عريق.لا تزال البنايات التي بنيت إبان الاحتلال الفرنسي لتونس تطل بخجل على الشوارع والأزقة في تونس، فالمعمار الفرنسي أعطى فخامة للمكان، هناك احتلال يأتي ليدمر واحتلال يأتي ليعمّر، ووجه الشبه بين الاحتلالين أن كلاهما يأتيان لنهب خيرات الشعوب والاستقرار على الأرض وتعميرها بغية الاستحواذ عليها، وبقيت فرنسا جاثمة على صدر تونس من عام 1881م وإلى غاية 1956م.تونس بمدنها وولاياتها التي تتميز كل وحدة منها بجمال متفرد ومختلف، إلا أن أشهر تلك المدن هي صفاقس وسوسة وبنزرت وأريانة والقيروان، وفي القيروان حكايات لا تحكى ونسيم عليل لا يرى وكلمات لا تكتب ومناجاة بدون صمت، تطل القيروان ببركاتها الباذخة في صمت الأولياء وقبور الصالحين، تدخل المدينة وتشعر بارتياح غريب يسري فيك مع الدم، تهيم بك الأرواح الصالحة، تقف تبتهل وتدعو في صمت ويقين أن الله يسمعك وسيستجيب دعاءك فالثقة في الله هي مفتاح الفرج.يطل جامع عقبة بن نافع أحد أبرز القادة الفاتحين في عهد عمر بن الخطاب بمنارته الذهبية الرائعة الصامدة منذ مئات السنين، صحن المسجد تتوسطه نافورة من الرخام للوضوء في إبداع غريب تدفق فيها المياه، عجز عن تفسير هندسته أمهر الخبراء في العصر الحديث، وبجانب النافورة تأتي لوحة تحديد مواعيد الصلاة بالساعة الشمسية في اختراع عربي بهر كل علماء ومخترعي أوروبا في عصر الزهو الإسلامي، تصدح كلمة الله أكبر في جامع عقبة بن نافع ويسمعها أولياء الله الصالحين النائمون بهدوء ووقار في القبور والمقامات من حوله.بنى عقبة بن نافع مدينة القيروان والتي كانت تعني محط الجند وذلك لتكون قاعدة انطلاق جيوش الفتح الإسلامي إلى المغرب التي فتحت العديد من المدن، إلا أن النهاية المأساوية للقائد عقبة بن نافع كانت مقتله على يد الملكة ديهيا ملكة الأمازيغ، ليبقى التاريخ مسجلاً بطولات هذا القائد العسكري المسلم صاحب الدعوة المستجابة كما يشاع عنه.تحظى مدينة القيروان بالعديد من الأساطير والقصص، أشهرها بئر بروطة الذي حفر عام 796م، هذه البئر فيه من الغرابة والعجب ما يعجز العقل عن تفسيره فمياهه عذبة زلال وكأنها ليست من مياه الدنيا، يقال إن من يشرب من مائها شفي من كل مرض، لأنها متصلة ببئر زمزم في مكه المكرمة، تلك المياه العذبة الزلال تخرج عن طريق ناعورة يجرها جمل يدخل إلى الصومعة وعمره 7 سنوات ويظل يجر الناعورة ويسقي الناس إلى أن يكبر ويهرم دون أن ينزل من تلك الصومعة ويتم ذبحه بعد ذلك وتوزيع لحمه على الفقراء.البحر في تونس له حكايات كثيرة، عبرت فيه مراكب قادة الفتح الإسلامي والعثمانيون والرومان والإسبان والفرنسيون، وظل بحراً جميلاً يشع بالزرقة ليعكسها على سيدي بوسعيد وهي منطقة بنيت في القرون الوسطى، نوافذها وأبوابها وشحت باللون الأزرق بينما ظلت جدرانها بيضاء جميلة، تضحك للسياح الذين يستمتعون بالبمبالوني وهي أكلة تونسية شهيرة في سيدي بوسعيد.تونس الخضراء بجمالها حتى اكتسحت الخضرة قلوب سكانها فأصبح التوانسة من ألطف الشعوب وبلدهم بلداً مضيافاً كريماً حليماً يبتسم لك لتكمل الابتسامة بعد ذلك تونس الخضراء.

شارك الخبر على