تحالف سائرون، محاولة لخلط الزيت بالماء

ما يقرب من ٦ سنوات فى المدى

 أحمد صحن
منذ فترة ليس بالقصيرة أراني عاجزاً عن ايجاد تفسير موضوعي للتحالف الحاصل ما بين الشيوعيين والصدريين، والذي جاء بعناوين الإصلاح والتغيير (شلع قلع) في شكل النظام السياسي وربما في جوهره أيضاً. وما يثير دهشتي أن كلا التوجهين يسعى لإعادة النظر في إمكان التعديل على طبيعة النظام السياسي "الثيوعلماني المهجن" الذي ولد عقب العام 2003، بمحاولتهما تحويله الى نظام سياسي مدني، والأكثر غرابة في ذلك أن الشيوعيين يسعون لتغيير مسار الدولة من خلال قيادة رجل دين ، أو إنهم تقبلوا حركتهم في ظله.. والسؤال هو ما هي رؤية رجل الدين هذا عن الدولة المدنية؟ وما هو موقفه منها؟ وما الحدود الفاصلة بين ما يرتكز إليه من رؤية إلهية يدير من خلالها شؤون الناس ورؤيته للدولة المدنية وللغاية ذاتها؟ما يؤخذ على التيار الصدري تقلباته الحادة في مواقفه السياسية وحري بقيادات الحزب الشيوعي وجمهوره أن تصاب بالذعر وهي ماضية للتحالف معه، فمن شأن مغامرة من هذا النوع أن تضعهم في مواقف مثيرة للشفقة.. الصدريون لم يقدموا كراس او "قصقوصة" في الأقل توضح لهم أسباب تحولهم المنهجي، وهنا نقصد بالتحول الفكري لإدارة الدولة بمنظور مدني/شيوعي. ثمة اشكاليات تتعدى المفاهيم الكلاسيكية للحزب الشيوعي وتاريخه أيضاً، فالدولة المدنية ترغب في أن تحكم نفسها بقوانين أرضية بشرية معاصرة وهذا ما لا نجده في أدبيات الاسلاميين، وإذا حاول الاسلاميون التخلي عن تطبيق مفاهيمهم الدينية التقليدية، والقبول بمنطق الشراكة، فالأمر إذن يفرض عليهم تقديم منهجٍ مكتوب أشبه بالبيان الشيوعي، وإلا فإنهم يقعون في التلفيق والمصالحية المبتعدة عن البراغماتيا السياسية.. هذا الأمر يدركه الحزب الشيوعي ولا يفترض به أن يغض الطرف عنه.. نحن نعيش براغماتيا فجة ومجنونة وتدعو للسخرية والتسخيف أحياناً.منذ العام ١٩٢١ حتى عام 2003 راح الخط البياني للتراتبية الاجتماعية بين الطبقات في العراق يـتأرجح بحركته صعوداً وهبوطاً، ففي العقود الأولى لتشكيل الدولة جرى ترسيم الخطوط الفاصلة داخل المجتمع على أساس طبقي وليس على أساس طائفي أو إثني، أي بين ما يمكن أن نطلق عليه الطبقات الاجتماعية داخل مجتمع محلي، والتي أخذت ملامحها بالتشكل، وبخاصة الطبقة المتوسطة التي تعافت وتصلب عودها وتأسست من خلالها النقابات ونشطت الصحافة وأخذت تلعب دوراً مادياً في المجتمع. ولقد تمكن الحزب الشيوعي من الحضور بقوة في المجتمع الأهلي، لكن مع مجيء حزب البعث وتسنمه السلطة أخذ الخط البياني بالتراجع، وحدث نوع من التخريب في تراتبية هذه الطبقات وما من شأنه أن يعيق مسار تشكلها ونموها على نحو ممكن. والحال أن المشهد الاجتماعي والسياسي عقب العام ٢٠٠٣ لم يقوَ على تأسيس نمط علاقاتي معين بين المكونات الاجتماعية. فالطبقات الاجتماعية استجابت للمتغير الطائفي الجديد لتعود القهقري الى وضعها السابق كونها كتلاً بشرية تتناحر فيما بينها، ما يدل ذلك على ضياع المكتسبات والجهود الماضية كلها. شعار القضاء على الفساد ليس كافياً لتبني تيار ديني إحداث التغيير او الانتقال من رؤية بالغت كثيراً في قمع المدنية في بداية الأمر الى رؤية مدنية بأدوات دينية، فضلاً عن أن هذا التيار كان جزءاً مهماً في العملية السياسية الطائفية.. لذلك يتبادر إلى الذهن السؤال الآتي: من وقع في فخ من؟ هل الحزب الشيوعي أم التيار الديني؟ كيف تمكن أحدهم من استمالة الآخر؟ وما مصير هذا التزاوج مستقبلاً، وما هي الأطر التي يتحرك من خلالها التيار المدني في إدارة الدولة؟ وإين ستقف سلطته في ظل وجود وعي سياسي ديني ملتبس؟ ثم ماذا عن الجوهر الديني الذي لولاه لما وجد التيار الصدري أصلاً؟ هل سيطلق العنان للمدنيين، أم إنه سيضع تابوهات أمامهم ويرسم خطوطاً حمراء وخضراء أمام حرياتهم الشخصية...؟صحيح ليس هناك ثبات في السياسة والثابت الوحيد هو المتغير، وصحيح أيضاً إن العمل في السياسة يسمح بتغيير مواقع الأعداء والأصدقاء على السواء، لكن مع الاتفاق على سيادة تلك القاعدة التي تحكم حركة النشاط السياسي، إلا إنها تقف عند حدود معينة، تقف عند قواعد ليست غير معقولة حسب، بل تضع الشيوعيين في وهم كبير شبيه بتحكم سمكة صغيرة بحوت كبير. القوى السياسية التي حكمت العراق كبيرة وباتت معروفة، تناوبت على لعب أدوار متناقضة، وإنها قطعت أشواطاً طويلة في طريق اللاعودة، وإن أي محاولة لهذا الجناح أو ذاك تهدف الى ترميم أو تعديل ملامح الصورة السياسية من جديد فأنها محاولة مكشوفة الغايات ومصيرها الفشل.. العملية السياسية جرى العمل على تخريبها، وتحتاج الى إعادة بناء جذرية. ومن يعتقد أن نزاهته وشفافيته وعفته وعدم انتهازيته شرط كافي لحمل لواء الحراك المدني من خلال التحالف مع جناح لا يؤمن بالدولة أساساً، سيضع نفسه مع الجهة الخاسرة، وإنه يراهن على خلط الزيت بالماء. إذا كان الهدف من التحالف هو أن يقوم الطرفان بجر الشارع الى الساحة السياسية ذات الحكم المدني وهو أمر لا يتم إلا من خلال تيار ثقيل الوزن كالتيار الصدري، وإن التحالف، مستقبلاً، سيكون وعاءً كبيراً يستوعب كل الاطراف التي ترغب في تغيير وجهة الدولة السياسية. وهنا أرى أن لا تغيير يتحقق بعيداً عن همز ولمز دولي وإقليمي، على اعتبار أن العملية السياسية في عراق ما بعد 2003 هي نتاج لصراع سياسي دولي وإقليمي، جرى على أرض العراق، بالتقاء مصالحها تارة وبالصدام والتقاطع تارة اخرى. وإن تلك الدول وتحديداً إيران وأميركا، لا تقف متفرجة وهي تشاهد تغييراً ، مفترضاً، حاداً في شكل الحكم وفلسفته دون أن تتدخل بطريقة أو بأخرى.

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على