غواية القراءة العقل الذي يتمتع به الجميع.. هو منبع المعرفة الحقيقي

ما يقرب من ٦ سنوات فى المدى

|       22         |
 علي حسين
إن في السماء والأرض ياهوراشيو لأكثـر مما تحلم به فلسفتك.هاملت كنت قد بدأت بقراءة بعض الكتب العلمية في سن مبكرة ، ولا أستطيع الأدعاء بأنني استطعت حل ألغازها ، والبعض منها لم أستطع إنهاءها ، وإذا سألتني إن كنت أحب مثل هذه الكتب ، فسأرد بالإيجاب ، واكثر من هذا ، لطالما اعتبرت هذه الكتب بوابتي لأن أكون قارئاً جيداً ، هل يمكن لأحد أن يقول عن نفسه قارئ جيد ، يكتب موريس بلانشو :" إن القارئ الجيد هو الذي يتجنّب التواضع ويملك العناد على البقاء كما هو أمام ما يقرأ " . كان في السابعة عشرة، خجولاً وحساساً، يدرس الأنكليزية والفارسية والتركية ، ينزوي في غرفته ليقرأ ، مما جعل الأب والذي كان مفتياً لبغداد ومن كبار الشخصيات فيها يشعر أن ابنه الذي يعده ليكون خليفة له قد أصيب بلوثة ، هو يخفي عدداً من الكتب في صندوق خشبي خوفاً من أن يطلع عليها أحد ، كان أحد هذه الكتب التي غيّرت حياة الشاب جميل صدقي الزهاوي مطبوعاً بالانكليزية بعنوان " البحث عن الحقيقة في العلوم " للفيلسوف الفرنسي ديكارت الذي أراد في كتابه أن يؤكد على أن الأولوية هي للعقل ، وإنه يجب الإرتكاز على العقل ، وعليه وحده : " إن العقل الذي يتمتع به الجميع هو منبع المعرفة الحقيقي " .الكتاب الثاني كان مطبوعاً بحروف عربية بعنوان " شرح بخنر على مذهب دارون " الذي كتبه الطبيب شبلي شميل المولود في بيروت عام ١٨٥٠ ، والذي نشأ مثل الزهاوي في أسرة دينية سرعان ما تمرد عليها لتعارض أفكارها مع صريح العقول الحرة ، وقد تعمَّق في دراسة الفلسفة والعلوم ، وكان الزهاوي يلقبه "الأستاذ الفيلسوف" ، في تلك الأيام قرر الزهاوي المولود عام 1863 أن يؤلف كتابا في العلوم ، تعرف على يعقوب صروف ، وفرح بفرصة النشر في مجلته المقتطف ، وكان سعيداً بفرصة السفر الى إسطنبول ، والجلوس على مقعد في حديقة عامة وهو يحمل كتاب أصل الانواع لداروين ، في انتظار مرور غريب يسأله ما إذا كان يؤمن بما كتبه صاحب هذا الكتاب ؟ بعد أكثر من عشرين عاماً ، وفي بغداد نراه يرسل الى سلامة موسى مخطوطة كتابه " تعليل الجاذبية "، كان قد بلغ السبعين من عمره ، شعره أبيض ، نظره ضعيف ، إلا أن تلك اللمعة الطفولية ، المشاغبة ، الضاحكة في عينيه التي رأها صاحب مجلة الرسالة أحمد حسن الزيات :" كنت أزوره في بيته فأراه قاعداً يشكو التعب، لأنه قضى الليل ساهداً يقرأ ، فالكتب والمجلات متنثرة على سريره وعلى مقعده ، والمسودات مدسوسة تحت مخدته ، فأفكر في الذهن الذي لايكل ، واللسان الذي لايفتر ، والزهو الذي لايسكن ، والتمرد الذي لايهن ، والشباب الذي يلبس رداء الشيخوخة ، والحياة التي تتخذ هيئة الموت " . في تعليل الجاذبية يعترض الزهاوي على نظرية نيوتن ويهاجمها بمنطق العلم أيضاً ، حيث كان يعتقد إن القاعدة التي انصرف اليها نيوتن وأسماها " الجذب " هي في الواقع دفع ، يعني دفع المادة للمادة ، ويشرح الزهاوي في كتابه من خلال نظرية الدفع التي ابتكرها كيف تتولد الحرارة والضوء والشموس والنجوم ، كان الزهاوي يرى إن حياته سباق دائم مع الأدب والعلم . نشر أحياناً أكثر من كتاب في العلوم ، لكنه لم يتخلَ عن الشعر اعتبر نفسه مبشراً بنظرية التطور ، ساهم في أواخر القرن التاسع عشر في التمهيد لانفجار النهضة العربية الحديثة ، وبات من رواد حركة التنوير الواسعة الاطّلاع. كان سقراط يشبّه نفسه بالسمكة الرعاشة ، فاسئلته تُجمد الذي يحاوره وتَخلع عن الأشياء قناعها العادي ، يهتف التلميذ " ثبايتيتوس " بمعلمه سقراط بعد أن جعله يقر بجهله :" بحق الألهة ياسقراط ، إنني لا أفيق من الإندهاش من معنى هذه الأشياء ، وأحياناً يصيبني الدوار " ، يرد سقراط بشكل مرح وبسيط :" أجل إن هذه الحال بعينها هي التي تميز الفيلسوف ، هذا هو وحده الاندهاش ، هو أصل الفلسفة " . يكتب أحمد حسن الزيات في مقال نشره عام 1936 بعد وفاة الزهاوي بأيام :" كانت عيناه البراقة تترآى من خلف المنظار ، تنبئ بحيوية ، والدهشة التي تضطرم في نظراته ، تجعلني وجهاً لوجه أمام كتلة من الأعصاب القوية المشدودة تتكلم وتسأل عن موضوع دهشتها لايخرج أبداً عن سؤال العلم " .************كانت تنظر إليه وهو يسير في طريقه لايلتفت الى أحد ، لم يكن يسير كما يفعل معظم الناس ممن يعرفون هدفهم ويتأكدون من مواضع أقدامهم . فقد كان رافعاً رأسه الى السماء ومشغولاً بتأمل النجوم . وما هي لحظات إلا ويجد نفسه قد وقع في حفرة لم ينتبه إليها ، هذا المشهد الغريب استهوى المرأة التي تتابع طاليس المالطي الذي اشتهر في بلاد الإغريق قبل أكثر من ألفين وخمسمائة عام بتنبوئه بحدوث كسوف للشمس ، وقد صحّت توقعاته ففي عام 585 ق.م حدث كسوف للشمس مما أعطى لطاليس مكانة وشهرة في مجتمعه . ولهذا عندما رأت المرأة الشيخ المهيب يقع في الحفرة أطلقت ضحكة عالية وهي تقول له :" أنَّى لك أن تعلم كل شيء عن السماء يا طاليس وأنت لا تستطيع أن ترى ما تحت قدميك؟".ماذا تعني ضحكة المرأة التي يقال إن بها بدأت قصة العلوم ؟ أكان بمحض الصدفة أن يجد طاليس نفسه موضع سخرية ؟ هل نفهم إن العلوم تخالف المألوف في الحياة ، وإنها في بعض الأحيان تصبح موضع استنكار ومقاومة .في العام 1687 أصدر إسحاق نيوتن كتابه " النظريات الرياضية للفلسفة الطبيعية " ، كان في الخامسة والاربعين من عمره ، ويخبرنا أحد كتاب سيرته إنه عندما نشر الكتاب لم يفهمه أحد آنذاك باستثناء أشخاص لايتجاوزن أصابع اليد الواحدة ، وقد اعترف نيوتن انه كتاب صعب ، آنذاك كانت الجمعية الملكية البريطانية قد وعدت نيوتن بتمويل نشر الكتاب ، إلا أنها نكثت بوعدها فقام أحد أصدقائه ويدعى ادموند هالي بتسديد ثمن الطباعة من جيبه الخاص ، ليخرج الكتاب من المطبعة بحجم صغير وبسعر عشرة شلنات ، ولم يبع من الكتاب سوى إثني عشرة نسخة . وظل صاحب المطبعة يترجى نيوتن أن يخلصه من النسخ المتبيقة التي لا يريد أحد شرائها .اسحاق نيوتن المولود في الخامس والعشرين من كانون الاول عام 1642 ، لإمرأة ترمّلت بعد زواجها بستة أشهر ، لتتزوج من جار غني لها ، شرطه الوحيد أن لايشاهد هذا الطفل الضعيف البنية ، والذي كان يصفه بالغبي ، فقررت والدته أن تترك ابنها البالغ من العمر ثلاث سنوات في عهدت والدتها ، بعد أن بلغ العاشرة من عمره قرر خاله القس أن يعلمه المباديء الدينية أملاً في أن يصبح في المستقبل رجل دين .فألحقه في مدرسة بمدينة بغرانثام ، وأضطر الصبي أن يسكن في غرفة مؤجرة تعود لرجل يعمل صيدلياً ، وسيندهش الصبي وهو يشاهد في واجهة الصيدلية ألانابيب والقوارير ، وسيلعب لقاءه بصاحب الصيدلية دوراً حاسماً في حياته ، إذ يجعله يعشق الكيمياء ، وكان يأخذ من الصيدلي كتباً قديمة تنبعث منها رائحة الغبار ، ليتأمل في صورها والرسوم التي تزين صفحاتها . لم يكن آنذاك قد تجاوز الثانية عشرة من عمره ، لذلك لم يفهم كل ما يقرأ ، ومع ذلك كانت هذه الكتب تسحره ، لأنها كانت تتحدث عن كل شيء ، الفيزياء ، علم النبات ، التشريح والفلسفة والرياضيات وعلم الفلك .ومن بين الكتب التي أثارت اهتمام الصبي اسحاق نيوتن كتاب بعنوان " أسرار الطبيعة " وجد فيه سر عملية بناء الطواحين الهوائية والآلات الصغيرة ، وقد تمكن من خلال الكتاب من صنع ساعة شمسية ، وفي أوقات الفراغ كان يتسلل الى الصيدلية ليراقب تجارب الصيدلي وتحضيره للدواء ، وأصبح صاحب الصيدلية بمثابة أب له يعوضه عن غياب الأب الذي لم يعرفه . بعد سنتين سيحدث طارئ في حياته ، حيث يتوفى زوج أمه تاركاً لهم مزرعة كبيرة ، مع أربعة أبناء ، ولهذا قررت الأم أن تستدعي ابنها اسحاق البالغ من العمر 14 عاماً ليكون مسؤولا عن العائلة ، .هكذا سيصبح مطالباً بالذهاب صباح كل يوم الى السوق الكبير لبيع محاصيل المزرعة ولشراء بعض الأغنام .ولم يتسن له اكمال دراسته إلا بعد أربع سنوات من العمل ، حيث عاد الى مدرسته ليكمل الدراسة الثانوية وهو في العشرين من عمره ، ليلتحق بعدها بجامعة كمبردج لدراسة الرياضيات ، إلا أن وباء الطاعون الذي اجتاح لندن عام 1665 قضى على آماله في إكمال دراسته ، فقد أغلِقت أبواب الجامعة ، ليعود نيوتن الى قريته يمضي أيامه في التأمل والصمت ، وكانت هذه التأملات هي الأساس الذي قام عليه انتاجه العلمي . فخلال الثمانية عشر شهراً التي قضاها في القرية اكتشف قوانين الحركة والجاذبية ، وأجرى تجارب على الضوء ليثبت أن الضوء الابيض يتألف من جميع ألوان الطيف الشمسي ، ولم يكلفه هذا الاكتشاف العظيم ، أكثر من " باوند " استرليني جمعه من أمه وعمه وبعض أخواله ليشتري به من سوق القرية قطعاً من الزجاج ، يجري عليها تجاربه ، وليبتكر بعد ذلك نوعا من التلسكوب صنعه من العدسات الزجاجية وبقايا المرايا التي اشتراها .ومثلما كانت حياة نيوتن غريبة ، فقد انتشر حول أبحاثه الكثير من الحكايات الغريبة ، كان من أبرزها إنه حين كان جالساً في قريته يتأمل ، تحت شجرة من أشجار التفاح، فإذا بتفاحة تسقط على الأرض ، ولمع ذهن الطالب الجامعي مع سقوطها. قال في نفسه متسائلاً: " لماذا سقطت التفاحة الى أسفل، وليس إلى أعلى أو إلى أية جهة أخرى. وهل يمكن أن تكون قوة الجاذبية المؤثرة على التفاحة في الأرض هي ذاتها التي تتحكم في حركة الاجرام السماوية ؟ " كان هذا الكلام يعتبر ضربا من الهرطقة ، لأنه وفقاً للفكر السائد وقتها ، كان يفترض بالكواكب أن تتمركز في أماكن ثابتة تخضع للقوانين السماوية خضوعاً تاماً .إن من السهل معرفة أنه قبل نيوتن ، لم يكن هناك تفسير لحركة الأجسام على الأرض أو للأجرام في السماء ، وان الناس كانت تعتقد أن مصائرها معلقة بأيدي الارواح الخيرة والشياطين ، في تلك السنوات أنتشرت الشعوذة والسحر والخرافات ، وقد جاء في كتابات الفلاسفة الإغريق وكتب اللاهوت أن الاجسام تتحرك بدافع من مشاعر ورغبات البشر ، وكان أتباع أرسطو يرون إن الاجسام المتحركة لابد لها في النهاية أن تبطىء سرعتها ثم تتوقف لأن الارهاق يتملكها ، وإن الاجسام تهوي الى الأسفل لأنها تشتاق للتوحد مع الأرض.غير أن الرجل الذي نظم هذه الفوضى الكونية كان الى حد ما مشهوراً بانعزاله، وبه مس من جنون العظمة ، كان شديداً مع الآخرين وخاض صراعات كثيرة وطويلة حول أفضليته العلمية ، واشتهر أيضاً بميله الشديد للصمت حتى إنه حين كان عضواً في البرلمان البريطاني لم يسجل إنه تكلم في المجلس إلا مرة واحدة ، حين أحسَّ بتيار هواء بارد فطلب من الحاجب أن يغلق النافذة . خاض نيوتن معركته العلمية والفلسفية من خلال كتابه الشهير " المبادئ الرياضية للفلسفة الطبيعية " وفيه عارض نظريات ديكارت في الحركة والكون . وقد تمكن في هذا الكتاب الضخم أن يلخص أفكاره وتجاربه الكثيرة، ويثبت الكثير من القوانين والقواعد. وكان هدفه الأساس من الكتاب وفق برتراند رسل هو : " إثبات أو شرح كيف أن الجاذبية الأرضية تستطيع المحافظة على نظام الكون " ، ويضيف رسل إن نيوتن : " أراد أن يوضح ذلك ليس عن طريق الفلسفة القديمة ، ولكن بطريقته الكمية الفيزيائية الجديدة " . فيما يرى الفيلسوف الالماني هانز ريشبناخ في كتابه الشهير " نشأة الفلسفة العلمية " الذي ترجمه الى العربية فؤاد زكريا ، من أن نيوتن استطاع من خلال هذا الكتاب : " هدم جميع الأفكار الفلسفية القديمة والحديثة".ومن الطرائف التي تروى عن الكتاب أن نيوتن التقى صدفة بأحد الطلاب وسمعه يقول لزملائه :" انظروا هذا هو الرجل الذي ألّف كتاباً لايفهمه هو نفسه ولا يفهمه غيره " .************في كل هذه الكتب .. يبدو لي أن أول الأفعال التي لايمكن فصلها عن الانتظار هو القراءة .. تمضي العينان على امتداد السطر ، وينتظر الفكر أن تتقدما ، وهو متشوق لمعرفة ما سيحصل بعد ذلك .روجيه غرينييه عندما كتب غاليلو غاليلي كتابه الشهير " حوار بين النظامين الرئيسيين في العالم " عام 1932 بموافقة البابا ، لم يكن يعرف إنه سوف يفتح على نفسه أبواب الجحيم . لقد تم توجيه تهمتين الى غاليلو من قبل الكنيسة ، الأولى هي إصراره على تأكيد نظرية كوبرنيكوس عن دوران الأرض حول الشمس ، والثانية وكانت الأخطر وهي إنه ألف كتاباً باللغة الايطالية وليست اللاتينية ، حيث لم يكن مسموحاً نشر كتب باللغات المحلية لمنع انتشار العلوم والأفكار الحديثة ، والتي كانت تعتبر بنظر الكنيسة أفكاراً هدامة ، ولهذا كان كتاب غاليلو إذن هو أول كتاب علمي يكتب من أجل الناس ، واصبح يشكل ظاهرة استمرت الى الآن وهي الكتابة العلمية لعامة الناس .ذات صباح من آذار عام 1974 ، تعاون عدد من الاشخاص على حمل شاب يرتدي بدلة رسمية لأعلى درجات سلم بناية تضم أشهر الهيئات العلمية ، وهي الجمعية الملكية البريطانية .كان هذا الشاب يجلس فوق كرسي ذي عجلات ، وقد دفع بكرسيه الى داخل قاعة كبيرة ، حيث تم اختياره عضوا في الجمعية الملكية ، وليجلس على كرسي ن كان قبل اكثر من ثلثمائة يجلس عليه رجل اسمه اسحاق نيوتن .ستيفن هوكينغ المولود في الثامن من كانون الاول عام 1942 ، هو أكبر أطفال عائلة والدها يعمل باحثاً في أمراض المناطق الحارة ، يأمل ان يصبح ابنه طبيباً ، لكن الطفل الذي بلغ التاسعة من عمره كان يهوى فك الساعات والراديوهات ليعرف كيف تعمل ، وعندما بلغ الرابعة عشرة من عمره قرر أن يدرس الرياضيات ، وحصل من والده على هدية ثمينة وهي نسخة نادرة بيعت في المزاد من كتاب نيوتن " النظريات الرياضية للفلسفة الطبيعية " ، كان الأب قد حضر مزادا لبيع الكتب القديمة وعندما سمع باسم نيوتن أصر على شراء الكتاب لابنه ، ولم يبالي لما قاله بعض المعارف من أن هذا الكتاب صعب على صبي لم يتجاوز الرابعة عشرة ، وَذكره صديق له بما كان يروى عن كتاب نيوتن هذا من أن عشرة فقط في العالم قرأوه ولم يفهموا منه شيئاً ، فكان جواب الأب إنه يثق بقدرات ابنه وسيتمكن من حل ألغاز نيوتن.. في الجامعة التي دخلها عام 1959 ، اتخذ هوكينغ قراراً بأن يتخصص في علم الكونيات ، ففي ذلك الوقت سيطر عليه سؤال محير ، وهو من أين يأتي الكون ؟ ، ويتذكر أحد أساتذته أن هوكينغ كان معتاداً على أن يسأل الاسئلة الأكثر إحراجاً ، اسئلة يصعب جداً الإجابة عنها .في تلك الفترة بدأت آثار المرض الخطير تظهر عليه ، في أول سنة كان هناك نقص في القدرة على استخدام اليد وشلل بسيط جعل من الصعب عليه أن يربط حذاءه وقد شخّص الأطباء مرضه ، وهو ضمور عضلي سمي بمرض العصبة الحركية ، وظلت حالته تتدهور ، وقيل له إنه سيعيش لمدة عامين فقط ، ويقول هوكينغ لكاتب سيرته :" لقد أصابني الإحباط تماماً من هذا التوقع لسير المرض ، ودفعني ترقب الموت الى الإصابة بالأكتئاب ، وخلال انتظار الموت انفقت معظم وقتي في حجرتي ، لا أخرج منها أستمع لموسيقى فاغنر ، وأعيد قراءة روايات ه.ج ويلز ، وشغفت بروايته آلة الزمن ، وحفظت مقاطع كاملة من رواية حرب العوالم " وبعد مرور سنتين وجد هوكينغ نفسه حياً ، فأدرك أن الموت لم يعد وشيكاً ، وارتفعت معنوياته ، واكتشف الأطباء أن المرض لم يؤثر على ذهنه ، واختفى الاكتئاب ، في تلك الفترة حدث تحول مهم في حياته حيث تعرف على جين وايلد التي سيرتبط معها عام 1965 حيث شكل الزواج نقطة تحول في حياته :" لقد جعلتني جين مصمماً على أن أعيش وأواصل طريقي ، فقد أعطتني الإرادة لأن أعيش " .في كلمته بالجمعية الملكية البريطانية قال هوكينغ :" إن غاليلو أول عالم بدأ بالفعل في استخدام عينيه ، وهو بهذا مسؤول عن عصر العلم هذا الذي نستمتع فيه " .في العام 1988 يصدر ستيفن هوكينغ كتابه الشهير " تاريح موجز الزمن " ويعد الكتاب من أكثر الكتب تبسيطا لعلوم الكون،حيث تجاوزت مبيعاته العشرة ملايين نسخة،وأحتفظ لسنوات بتصدره لائحة الكتب الأكثر مبيعاً،وترجم إلى 40 لغة منذ إصدار أول نسخة له.يقدم الكتاب إجابة لأسئلة تدور في بال الكثيرين منا، منها على سبيل المثال السؤال التقليدي من أين جاء الكون وهل كان موجود دائماً هنا؟، وسؤال آخر حيّر العلماء حول نسبية الزمن، كيف يبدو ‏الثقب الأسود؟، وما هو أصغر جزء من المادة؟ ولماذا نتذكر دائماً الماضي وليس المستقبل؟ ، هل ينكمش الكون بدلاً من أن يتمدد؟ وهل يرتد الزمن وقتها الى الوراء فيرى البشر موتهم قبل ميلادهم ، وهل للكون بداية او نهاية وكيف تكونان وهل للكون حدود ؟ إن أينشتاين قد جعل للمكان_الزمان أربعة ابعاد ، فماذا لو كان للكون أبعاد أكثر .يعد هذا الكتاب هو أول الكتب التي قدمت النظريات العلمية باسلوب مشوق، وشرح فيه مؤلفه أصعب نظريات الفيزياء والفلك والكونيات بطريقة تمكن القارئ العادي من متابعتها وقد روى هوكينغ في مقال له عام 2013 نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال"، أنه اضطر لإعادة كتابة "تاريخ موجز للزمن " عدة مرات بناءً على طلب محرر دار النشر، من أجل تسهيل فهمه على جمهور القراء من العامة. لكنه يخبرنا في المقال أنه ندم بعد ذلك عندما قرأ الكتاب، فقد اكتشف أن هناك مفاهيم صعبة كان يمكن توضيحها بشكل أكبر.يكتب ريتشارد دوكنز :" لايمكن أن يكتمل كتاب عن الكتابة العلمية دون قبس من ستيفن هوكينغ ، ومن كتابه تاريخ موجز للزمن. إن ما يحكيه لنا هوكينغ هي واحدة من أعظم الحكايات على الاطلاق . نحن محظوظون أيضاً أن نعيش في قرن يمكن فيه لتلك الملحمة أن تُحكى لنا . ومحظوظون أيضاً أن نسمعها من واحد من أكبر المكتشفين " .يكتب هوكينغ في تاريخ موجز للزمان :" حتى الآن فان معظم العلماء مشغولون بتطوير نظريات جديدة للاجابة عن سؤال ( ما ) هو الكون ؟ ولم ينشغلوا بسؤال ( لماذا ) الكون موجود ؟ أما هؤلاء الذين من صميم علمهم أن يسألوا ( لماذا ) فهم الفلاسفة لم يستطيعوا مجاراة تطور النظريات العلمية في القرن الثامن عشر اعتبر الفلاسفة إن كل المعارف الانسانية بما فيها العلم من اختصاصهم وناقشوا اسئلة مثل : هل للكون بداية ؟ ولكن في القرنين التاسع عشر والعشرين أصبح العلم تقنياً جداً ورياضياً جداً ، وأعقد من أن يفهمه الفلاسفة أو أي انسان عدا حفنة قليلة من العلماء.لقد تقلص نطاق بحث الفلسفة الى الدرجة التي قال عنه ويتشغنشتين أشهر فلاسفة القرن :" إن المهمة الوحيدة الباقية للفلسفة هي التحليل اللغوي " ياله من انحدار ياله من انحدار سيء للتقاليد الفلسفية العظيمة من أرسطو الى كانط !ومع ذلك فلو قُدر لنا أن نكتشف نظرية شاملة ، فإنها يجب أن تكون مفهومة في خطوطها العريضة لكل الناس وليس لحفنة من العلماء .عندها سنكون جميعاً فلاسفة وعلماء وأناس عاديون قادرون على المشاركة في النقاش والتساؤل عن : لماذا نحن والكون موجودون ؟ لو إننا وجدنا الإجابة عن هذا السؤال فسيكون ذلك أكبر انتصار للعقل البشري ، لأننا ساعتها قد نعرف فكر الله " .في أيارعام 1990 نشرت مجلة تايم صورة لستيفن هوكينغ وتم ذكره باعتباره نظيراً لأينشتاين ، وحين سئل عن هذه المقارنة ضحك وقال :" لايصح أبداً المقارنة بين شخصين مختلفين ، أنا أقرب الى نيوتن ، وكنت أتمنى أن أصبح مثل ويلز كاتب روايات خيال علمي " .

شارك الخبر على