بين الثقافة النخبوية والشعبية..المحاولة في فهم أهمية الثقافة الشعبية يجسّر الفجوة

حوالي ٦ سنوات فى المدى

زينب المشاط
ثقافاتنا وأدبياتنا كبلاد بحاجة للتوثيق والتداول، وشيء كبير من الاهتمام ذلك لأنها في النهاية ستعكس جانباً من واقعنا، ومن الممكن نقلها الى أدبيات بلدان وشعوب أخرى، نعني هنا الأدب والثقافة الشعبية لبلادنا، والتي غالباً ما نراها مركونة، مهملة، ومُعرضة لانتقاص كبير، فنجد تلك الفجوة الكبيرة بين الأدباء والكتاب، وبين أؤلئك الحاملين للإرث الشعبي من نظرائهم، كالشعراء الشعبيين، أو الموثقين للحكايات الشعبية، والمتناقلين للأدب والموروث الشعبي، وتعود أسباب هذه الفجوة بحسب إدعاء أدباء الثقافة النخبوية الى أن الثقافة الشعبية مادة "سوقية" غير ثقافية إلا أنها تُتَداول للتسلية لا أكثر وهي متجهة نحو الانهيار، ويبدو أن الادباء النخبويين تناسوا أهمية الثقافة الشعبية في كونها تمثل الهوية الخاصة للبلاد ولشعوبها...
المدى وضمن ملفاتها الثقافية الاسبوعية، حاولت فتح ملف الثقافة الشعبية، لتطلق تساؤلها الأهم وهو "من قبل مَنْ أهملت هذه الثقافة" سنجد أن المثقفين هم السبب الاول لإهمالها بعد الدولة، فهم غالباً ما ينتقصون منها يذكر الباحث في مجال التراث الشعبي باسم عبد الحميد حمودي "أن هنالك فئات من المثقفين يعتقدون بأنهم كمبدعين لا يحاورون المادة الشعبية، ولا يحاولون الاقتراب منها، وهم يعتبرونها مادة دون مستواهم الثقافي والفكري، وهم بذلك للأسف جهلاء، بما ينطوي عليه الأدب الشعبي من كنوز معرفية."الأدب الشعبي في العديد من البلاد العربية والاجنبية مادة تُدرّس وتمنح قيمة كبيرة في الجامعات، وتنطلق من التعليم أولاً لتغرس في نفوس الافراد وتطور يذكر حمودي" إن على الجامعة مراجعة ما يقرأون لكتاب الادب الشعبي وفيما يتعلق بفلسفة الأدب الشعبي، فمنذ زمن الجامعات العراقية متخلية عن موقفها تجاه هذا الأدب، وهذا يتنافى تماماً مع ما نلاحظه بالجامعات العربية والأجنبية، خاصة وأن كبار الأدباء والمختصين في مجال الأدب الشعبي العراقي هم بالأساس خريجو جامعات عربية وأوروبية وتخصصوا على يدّ اساتذة معروفين." سابقاً كانت بعض الجامعات قدّ أُسست كمراكز للأدب الشعبي ففي البصرة والموصل تأسست مراكز التراث الشعبي ولكنها كما أشار حمودي "لم تحقق الكثير، ذلك أن الفرد يعتقد ان الفولكلور شيء متدنٍ وأقل مستوى من الاداء العام الثقافي هذه المشاكل جعلت الأدب الشعبي ينزوي ويقام الاتجاهات ويتحداها لذلك كتاب الأدب الشعبي ودارسيه لا يعانون من مشاكل مع بعضهم ولكنهم للأسف يعانون من مشاكل مع محيطهم وهم مبدعون منذ زمن الراحل مصطفى جواد والكرملي والتكريتي وغيرهم." في منتصف السبعينيات كان هنالك مركز فولكلوري، هذا المركز انتهى وأفقدته الدولة هويته، وكان هنالك متحفاً شعبياً و مكانه الآن غير معروف أيضاً، يذكر حمودي أنه " لا يوجد اهتمام كبير في الادب الشعبي او المادة الشعبية الحرفية سواء قولية أومادية وهنالك اهتمام احتفالي خارجي لا غير، اكثر مما هو تنقيب وبحث وكتابة وعمل موسوعات وبحوث، نحن متخلفون بهذا الجانب وهو تخلف ثقافي لا يهتم بالأثر الشعبي."فائدة جمع الحكاية الشعبية هي نفس فائدتها للشعوب الأخرى حيث لاتنهض الشعوب إلا باحتواء الضمير الشعبي والفكر الشعبي وهذا الضمير دليل على الحضارة والقوة لصياغة أسس جديدة للعمل والبناء، وهنا نأتي بمثال على ذلك وهو المثل الشعبي الذي هو عبارة عن حكاية ، للمثل الشعبي تاريخ ومادة منهجية، عشرات الكتب في العالم مؤلفة عن المثل الشعبي ، إلا اننا في العراق نجد تجارب العراق فردية بخصوص الأدب الشعبي ، وهنالك نوع من التخلف من الحكومة ولدى بعض الافراد والمؤسسات الثقافية فيما يخص الأدب الشعبي كما ذكر باسم عبد الحميد حمودي. التساؤل عن محاولات تغييب الادب الشعبي ، يثير هذا السؤال في نفوس المشتغلين في حقول الثقافة الشعبية ودراساتها شجناً لاتنطفئ جمرته كما ذكر الناقد والمشتغل في مجال الأدب والثقافة الشعبية د. علي حداد معلقاً إن هذا الشجن يعود "بسبب ما تعانيه الثقافة الشعبية من إهمال الجهات الرسمية والمؤسسات النخبوية ، والأكاديمية (الجامعية) على نحو خاص ، فعلى الرغم من أن بلدنا يمتلك تراثاً شعبياً هائل المقادير وخصب التنوع ، وله تأصيله الذي يوصله بمنجز أسلافنا منذ السومرين والأكديين ، وما أنتجته الحضارات التي أزدهت على أرض العراق من عطاء ثقافي باهر فإننا لانكاد نجد عندنا أية مؤسسة حكومية تهتم بالثقافة الشعبية وترعاها. " معظم بلدان العالم تعنى بثقافتها الشعبية ، فتنشئ لها الكليات والمعاهد ومراكز البحث التي تمنح أعلى الشهادات ، يؤكد حداد "نظل نحن في العراق بعيدين عن ذلك كله ، إذ ليس لدينا أي معهد مختص أو مركز أبحاث أو قسم أكاديمي أو حتى مقرر دراسي . ويعود ذلك إلى نظر قاصر في فهم طبيعة الثقافة الشعبية وأهميتها وأدوارها الفاعلة في تأسيس الهوية الوطنية والإخبار عنها. فضلاً عن الوهم الساذج من أنها تنال من اللغة العربية الفصيحة وثقافتها النخبوية ، مع أن اللغة العربية الفصيحة وآدابها تعايشت مع اللهجات المستمدة منها عبر كل مراحلها وعصور تداولها ، حتى لايكاد ليوجد زمن أوعصر ليس فيه من لهجة أو لهجات تنتج أدباً وثقافة إلى جانب ماتنتجه اللغة الفصيحة."وحين نتساءل على سبيل المثال عن الشعر الشعبي كأدب شعبي يذكر لنا د.علي حداد "أن علينا أن نفرق أساساً بين الشعر الشعبي الأصيل الموروث والشعر العامي الذي يكتب باللهجة المحلية، فمع الأخير نحن إزاء نص عصري له أساليبه في التمثل وجمالياته في التعبير، ولعل موقف بعض المثقفين منه ناتج عن قصور في الرؤية الموضوعية التي عليها أن تدرك حقيقة تنوع الأشكال الشعرية ووجود الجمهور الذي يتلقى كل منها من منطلق الثقافة والذائقة والانتماء البيئي واللهجي الخاص." علينا أن ندرك أولاً أن هناك ثقافتين ، واحدة (نخبوية) ساد التصور الخاطئ أنها وحدها المقصودة بمفهوم (الثقافة) ، والأخرى الثقافة الشعبية التي هي أكثر اتساعاً وتنوعاً من الأولى. وهنا يشير حداد الى أن "ليست هناك من فجوة بين الثقافتين ، فكلاهما تحتاج الأخرى وتتفاعل معها." أما عن أهمية (الأدب الشعبي) بل الثقافة الشعبية بعامة ، التي لايمكن النظر إليها بوصفها وجوداً خارجياً يتلقاه أهلها بممارسات (فوقية) منتقاة ، بل هي هويتهم المعلنة عن أخص خصائصهم والمؤداة في تفصيلات حياتهم اليومية المعيشة ، فالعادات والتقاليد والمعتقدات المتوارثة ، تساوقها الأمثال وحكاياتها والأقوال المأثورة ، والطرائف بصيغها السردية المختلفة ، وأبيات الشعر الشعبي التي يجري تداولها، وأنماط الغناء الشعبي بأنواعه المختلفة التي تبثها وسائل الإعلام،" كلها تجليات متواترة الحضور لهذه الثقافة." كما أكد حداد مضيفاً " إن الحس الشعبي يواصل إنتاج ثقافته في النكات الجديدة والطرائف وأشكال التأليف القولي والغنائي المؤسس على اللهجة المحلية للبيئات الشعبية المختلفة. وعلى هذا فالاهتمام المجتمعي بثقافته الشعبية لاينتهي ولايتوقف."الأدباء الشعبيين اناس متصالحين تماماً مع ذواتهم فهم يعكسون ذواتهم النقية التي تذكرنا بثقافتنا ورحبتها البسيطة حيث يذكر الشاعر الشعبي حمزة الحلفي أنه "لا توجد فجوة بين الثقافتين ولكن هنالك شيء من الاختلاف بين الأطراف المحسوبة على المتنين الشعبي والفصيح ." الحلفي يجد أن "اساس اللهجة الشعبية في كل بلدان العالم مرتبطة بالتراث والموروث فمن التراث والموروث تخلق الآداب والاجناس الادبية الاخرى، ولكن ولادتها تكون بالاساس من الموروث، ويذكر أن القصيدة الفصحى موضوعاتها تصب فيما يعنيه الادب الشعبي، كذلك في أدبيات مثل "ألف ليلة وليلة" سنجد أنها حكايات شعبية والآن اصبحت حكايات عالمية متداولة وكذلك "كليلة ودمنة" ، الموروث الشعبي هو مادة عالمية ولذلك يكون هنالك شيء من الجفاء بين كتاب الفصحى والشعبي كون أن كُتّاب الشعبي يستمتعون بمساحة جماهرية كبيرة ولهم شهرة جيدة لأنهم يخاطبون الجميع المثقف والبسيط وهذه قضية عامة." مؤكداً أن " الثقافة والادب الشعبي عملت على أرشفة الحدث الكوني ."

شارك الخبر على