غواية القراءة ثلاثة مؤلفين وكاتب مجهول يبحثون عن فتاة

حوالي ٦ سنوات فى المدى

|       20         |
 علي حسين
كل الكتب تتحدث، لكن الكتاب الجيد هو الذي يصغي أيضاًمارك هادونفي رسالة الى إحدى معارفه يكتب هيرمان ميلفل إليها قائلاً : " لاتشتري هذا الكتاب – يقصد روايته موبي ديك – لاتقرأيه ، رياح قطبية تنفخ فيه ، وطيور مفترسة تحوم حوله " . ويخبرنا ميلفل إنه أياً كانت هوياتنا ، وأياً كانت التزاماتنا فنحن نبحث عن الكتب التي لايريدنا أحد أن نقرأها .شاهدت وأنا صبي أول نسخة قديمة من ألف ليلة وليلة ، كانت عبارة عن كتيبات صغيرة مرسوم على غلافها الخارجي صورة لرجل يرسل نظراته الى الأفق وهو يستند على وسادة كبيرة وأمامه تجلس امرأة ، ويبدو إنها تتحدث وهو ينصت .. ما الذي كانت تقوله هذا ما أثار اهتمامي .حاولت أن أخذ الكتيبات معي الى البيت إلا أن صاحب المكتبة أخبرني إن هذه الطبعة غير منقحة ، وهناك طبعة خاصة للصبيان أمثالي . ماذا كانت أول حكاية قرأتها ، لا أتذكر سوى إنني وأنا أقضي الليل مع هذا الكتاب الغريب أصبحت جزءاً من عالم مسحور ، ولم أكتشف إلا فيما بعد أن القصص الأولى التي قرأتها من هذا الكتاب العجيب لم تكن هي نفسها التي قدمها للقراء المستشرق الفرنسي انطوان جالان ، وكانت باثني عشر مجلداً ، ولا هي طبعة بولاق التي صدرت في نهاية القرن التاسع عشر ، وقد استطعت أن أرى الفرق بوضوح بعد أن عدت بعد سنوات لقراءة ألف ليلة وليلة وكانت الطبعة الجديدة صادرة عن مكتبة المثنى وبأربعة أجزاء كبيرة.وفي هذه المرة أثار الكتاب فضولي ، فرحت أتجول فيه بتأنٍ من صفحة الى أخرى ، وباستمتاع غريب لقصص كان فيها الرجال والنساء منشغلين بالدسائس والمؤامرات والجنس .. واكتشفت أن واضعي هذا الكتاب العجيب مصرون على أن يقدموا صورة للمرأة وهي تمارس سحرها الجنسي على الرجال ، يكتب الروائي التركي أورهان باموق ، إنه قرأ ألف ليلة وليلة أربع مرات وفي فترات زمنية مختلفة وفي كل مرة يشعر بالملل ، لكنه بعدما بلغ الأربعين من عمره ، أعاد قراءتها من جديد ليكتشف في النهاية منطقها السري وأنواع الجمال المدجن والغريب وفصولها القبيحة ، وصفاقاتها وابتذالاتها :" لقد كانت باختصار صندوق الكنز ، وقد توصلت ببطْء الى رؤية إنه دون أن نقبل ألف ليلة وليلة كما هي ، فسوف تستمر مثل الحياة عندما نرفض قبولها كما هي ".عندما كنت في الثالثة عشرة من عمري ، كان لابد من الحصول على إذن لقراءة عمل يفسد الأخلاق مثل ألف ليلة وليلة ، كانت بعض الكتب محرّمة ، مما جعلني أرضخ لقراءة طبعات مهذبة منها .دائما ما أسأل نفسي ما الذي جعل كتاباً مثل ألف ليلة وليلة حياً عبر العصور ، وكان هناك توصية محبة وإعجاب تنقل من قارئ الى قارئ آخر ، إن الكتب هي أحد الأشياء التي يدللها البشر هكذا يكتب هنري ميلر . نادرة هي الكتب الفريدة ولعل ألف ليلة وليلة واحدة منها ، لأنها تعلمنا إن الكتاب ليس صديقاً فقط ، بل يصنع لك أصدقاء ، وعندما نمتلك كتاباً يعلمنا أن الحياة تتكون من المغامرة والخيانة والعشق والسعادة والفرح والحلم والحزن والحكايات السرية للغرام ، فإنك بالتأكيد تمتلك كتاباً ذا روح وعقل حين قرر فلوبير كتابة رواية واقعية عن امرأة حطمت حياتها العائلية لتعطشها للحب ، أُتهم بأنه يشيع البذاءة . وبعد سنوات تعرض الكاتب المسرحي إبسن للموقف نفسه حين قدم بطلة مسرحيته " بيت الدمية " وهي تترك زوجها وبيتها لتبحث عن ملذات الحياة . وكاد ه.ج.ويلز أن يقدم للمحاكمة على إحدى رواياته التي تتحدث عن فتاة صغيرة تستمتع بفعل الحب بحرية .كتب فلوبير رداً على اتهامه بنشر المجون من أن : " جميع الظواهر الاجتماعية والعلاقات الانسانية ، نتيجة حتمية حاسمة لعامل واحد هو العامل الاقتصادي . فالطموح الفردي المشبوب الذي امتلأت به جوانح ( إيما ) ساقها الى أحضان أول عشيق أتاح لها التطلع الى أعلى " .من هو الإنسان ؟ يجيب أميل زولا إنه :" كائن بلا أمل ، يتحول في الظلام الى الحيوانية المحض " .كان " ه.د.لورنس " ش روائيا خصاً جريئاً في ثورة التحرر الجنسي الذي اعتبر مساوياً للتحرر من العادات التقليدية ومن صخب المدن وقبحها وتعقيداتها .يلقي لورنس الضوء على الظروف التي كتب فيها "عشيق الليدي تشاترلي " فيقول عن الزوج كليفورد الذي تهجره زوجته كونستانس لتضاجع حارسه :"إنه نتاج الحضارة الصناعية المادية الحديثة ، مشكلته تتلخص في أن دماءه تسري فيها برودة الموت ، وهو لايفتقر الى الدفء الإنساني فحسب ، بل إنه فقد كل صلة تربطه بالنساء وبزملائه من البشر ، في حين ان حارس الصيد يتميز بدفء المشاعر والحيوية " ، ويضيف لورنس أن هناك ما يبرر استخدامه للكلمات الجنسية المكشوفة في روايته ، فالهدف هو تحرير هذه الكلمات من أية دلالات بذيئة ، فليس في ممارسة الجنس ما يشين أو يدعو للخجل ، ويتابع دفاعه عن الرواية بالقول : " إن الإنسانية استغرقت في ممارسة الجنس دون فهمه أو إدراكه ، ولهذا تحولت الممارسة الجنسية عبر الزمن الى فعل آلي كالح تغيض عنه الحياة ويبعث على الملل وخيبة الآمال ومن ثم فقد حان الوقت لإدراكه إدراكا سليماً وذلك بتجديد الأفكار المتعلقة به."************عندما أرى كتباً لايهمني معرفة كيف أحب مؤلفوها ، أو كيف لعبوا الورق ، إنني لا أعرف سوى أعمالهمتشيخوف في أحد أيام شهر حزيران عام 1915 ، سأل التلميذ آرنست جونز أستاذه سيغموند فرويد عن أحب كتبه الى نفسه ، فذهب الاستاذ باتجاه المكتبة ليلوح للتلميذ بكتابه " ثلاث مقالات في نظرية الجنس " وهو يقول :" أتوقع لهذا الكتاب أن يصبح قريباً مألوف المادة بتقبل الناس لما يحتويه من معرفة " . نشر كتاب " ثلاث مقالات في نظرية الجنس " عام 1905، وفي حياة فرويد ظهرت منه ست طبعات ، أجرى عليها فرويد تعديلات طفيفة :" كان من الضروري إلحاق إضافات معينة بهذا الكتاب ، كيما يظل معقود الصلة بالمؤلفات التحليلية المستحدثة " . وفي كتابه حياتي والتحليل النفسي يكتب فرويد :" وما كنت أدرك، في ذلك الحين، أنني بردّي بعض الأمراض النفسية الى الجنس، قد رجعت أدراجي الى أقدم أزمنة الطب، وجدّدت الصلة بتراث أفلاطون".تكمن أهمية كتاب فرويد هذا في أنه كان مفاجأة للباحثين في عملية الامراض النفسية ومدخلاً جديداً على الفكر البشري لفهم الحياة النفسية فعلى خلاف ما يتوقع من عنوان الكتاب ، ليست المقالات الثلاث لدراسة الغريزة الجنسية بل دراسة في أسباب الأمراض النفسية وبحث في اسبابها ،وبالرغم من أن الكتاب زاخر بتفاصيل النشاط الجنسي ، فإنه لايمس طبيعة الجنس في ذاته ، والواقع إن الكتاب يعد مرحلة هامة في تفكير فرويد وفي نظرية التحليل النفسي عامة . هذه المرحلة التي تم الكشف فيها عن نظرية " اللبييدو " – الرغبة الجنسية – والتي يؤكد فيها أن مرض العصاب ينشأ من أمور جنسية طفولية ، ويضيف أيضاً إن الأمور الجنسية الطفولية المكبوتة ليست وقفاً على الذين اصيبوا بعصاب في وقت ما من أوقات حياتهم ولكنها موجودة عند كل انسان وتشكل عاملاً مهماً في حياته .. وفرويد يرفض أن يقال إنه يستعمل كلمة جنس مرادفاً لكلمة حب ، ويحتج على كل محاولة تنزع عن " الرغبات " صفة الجنس .يكتب إريك فروم في كتابه مهمة فرويد: "هناك سبب قوي الى الإعتقاد بأنه بعد مئة عام منذ الآن، سيعتبر فرويد في مصاف كوبرنيكوس ونيوتن، كأحد الرجال الذين فتحوا أفقاً جديداً من آفاق الفكر.. فمن المؤكد إنه في عصرنا هذا، لم يلقِ أحد ضوءاً على أعماق عقل الإنسان.. كما فعل فرويد". في منتصف سنة 1856 ، وفي مدينة صغيرة تسمى فرايبرج ، كانت تابعة للإمبراطورية النمساوية، ولد طفل لأب كان يعمل في تجارة الصوف ، صارم الطباع متسلط في البيت ، كانت أمه تريد أن تسميه جوزيف على اسم والدها ، لكن الأب أصر على أن يسميه سيجموند ، ليحمل الاسم الثلاثي سيجموند شلومو فرويد . ولد هذا الطفل الذي سيعنى بآلام النفس ومشاغلها وهمومها في أسرة تعج بالمتناقضات ، الأم فتاة صغيرة حسناء لم تتجاوز الثامنة عشرة من عمرها ، فيما تجاوز الأب ،الذي كان يعاني من العصاب، الخمسين من عمره ، وهو يثير مشاعر الكرّه عند الطفل الصغير ، الذي يشعر بالمنافسة بينه وبين أبيه على عطف أمه ورقّتها . في العام الثالث من عمره ولدت شقيقته الصغيرة ، فعرف لأول مرة معنى الغيرة ، ولهذا يخبرنا في كتابه "حياتي والتحليل النفسي" إن أسعد وأجمل سنيّ حياته هي تلك الثلاث سنوات الأولى من عمره .ونراه في كتابه المثير "مدخل الى التحليل النفسي" يؤكد على أن الأساس التكويني للحياة النفسية عند الإنسان يتم في السنوات الثلاث الأولى من العمر . وقد ظل فرويد يسترجع تلك السنوات وأحلامها فيما بعد لتكون من أهم العناصر التي بنى عليها نظريته في علم النفس ، وأيضا لتكون مدخلاً لكتابة الكبير "تفسير الاحلام" الذي يعد الى جانب "رأس المال" لكارل ماركس و"النظرية النسبية" لآينشتاين ، أهم ثلاثة كتب غيّرت مجرى التاريخ البشري .عندما بلغ الرابعة من عمره أصيبت تجارة والده بالكساد ، وانتهى الأمر بالعائلة المكونة من الأب وزوجتين وتسعة أولاد وعدد من الأحفاد أن تنتقل الى فيينا، وهناك يلتحق الطفل فرويد بالمدرسة الابتدائية التي يثبت بها تفوقاً ، حيث ظل الأول على مدرسته لمدة سبعة أعوام ، وظهر تفوقه الخارق في حفظ اللغات، فلم يتجاوز الثالثة عشرة من عمره إلا وكان يتقن الانكليزية واللاتينية والفرنسية بطلاقة . وبعد سنتيين نراه ينكب على دراسة الإيطالية والإسبانية ، لكن أكثر ما أثار اهتمامه وهو في سن الخامسة عشرة هو الفلسفة . كان يحلم بأن يصبح مثل الفيلسوف الألماني هيغل، عندما بلغ السابعة عشرة من عمره دخل جامعة فيينا لدراسة الطب، وبعد ثماني سنوات تجبره الأحوال المادية المتردّية لعائلته على ترك الأبحاث للعمل في أحد مستشفيات فيينا طبيباً مبتدئاً ، ونراه يكتب في كتابه "حياتي والتحليل النفسي" إن تلك السنوات التي قضاها في المستشفى مكنته من التفرغ لكتابة المقالات عن طبيعة المخ ، الأمر الذي دفع أستاذه أدينجر أن يطلب منه التفرغ نهائياً لدراسة المخ ويعده بأن يجد له مكاناً في معهد التشريح ، إلا أن أبحاثه التي نشرها آنذاك سهلت له الحصول على منحة دراسية في فرنسا ليدرس الأمراض العصبية .وفي سبيل تلك الدراسة نجد فرويد يؤجل زواجه خمسة أعوام ، ويؤكد لخطيبته وهو يعانقها إنه سيعود الى فيينا بعد أن يحقق حلمه ، كان قد حزم ملابسه وأخذ معه كرسيه الخشبي "بدون ظهر"، وابتاع أرخص تذكرة قطار الى باريس ليبدأ رحلة الألف ميل الى التحليل النفسي .************حياتي ليست منفصلة عن كتبي ، فكل المشاهد التي رويتها لكم عشت تفاصيلها الدقيقة نابوكوففي عام 1953 أرسل الروائي فلاديمير نابوكوف الى ناشره مخطوطة روايته " لوليتا " ، وطلب منه نشرها باسم مستعار لأنه لايريد أن يخسر وظيفته كاستاذ جامعي ، وقبلها كان قد عرض المخطوطة على صديقه الناقد الشهير إدموند ويلسون الذي أعادها إليه مع عبارة قصيرة "إنها أسوأ ما كتبت " ، لكن رغم هذا الرأي السيئ إلا أن ويلسون عرض على نابوكوف أن يساعده في نشرها ، لكن بسبب اباحيتها لم تجد الرواية قبولاً عند معظم الناشرين ، وكان السبب هو الخوف من رفع قضايا ضدهم ، وعندما فقد نابوكوف الأمل في نشر لوليتا في اميركا ، أرسل نسخة منها الى إحدى دور النشر الفرنسية التي واقفت على النشر بشرط أن يثبت اسم المؤلف الحقيقي على الغلاف لتصدر طبعتها الأولى في باريس عام 1955 ، لكن بحلول شهر آذار من عام 1958 أعلنت إحدى دور النشر الاميركية عن صدور طبعة جديدة من الرواية ، التي ما إن طُرحت في المكتبات حتى بيع منها في الأسبوع الاول 100 ألف نسخة ، ولتثير اهتمام هوليود فيتم الاتفاق مع نابوكوف على كتابة سيناريو للرواية لتقدّم في السينما بفيلم من إخراج ستانلي كوبريك .رواية لوليتا التي صُنفت طويلاً في خانة الأدب الإروتيكي هي ليست كذلك فعلاً،. فالمقاطع الحميمة فيها شحيحة، إلّا أن ثيمتها التي تفضح العلاقة المحرّمة بين رجل في أواخر الثلاثينيات وفتاة في الثانية عشرة من عمرها، جعلتها ضمن قائمة الروايات المحظورة الأكثر طلباً.وقد توصّل باحثون في أدب نابوكوف إلى أنّ لوليتا لم تكن مجرد رواية من الخيال، بل إن أحداثها وقعت بالفعل. وإن نابوكوف قام بأبحاث كثيرة تحضيراً لروايته هذه. كان يقرأ بدقة كل جرائم القتل والاعتداء الجنسي في الصحف آنذاك، إلى أن صادف حادثة الفتاة سالي هورنر التي اعتقلها رجل أربعيني، وهي تقوم بسرقة دفتر، وأوهمها أنه من مكتب التحقيقات الفيدرالي، ليجبرها على البقاء معه كعشيقة لعامين كاملين، والتنقل معه عبر الولايات الأميركية من فندق إلى آخر، خوفاً من أن ينفذ تهديده ويدخلها إلى سجن إصلاحي للفتيات ، يخبرنا نابوكوف أن :" الرواية ما هي إلا اعترافات هامبرت التي كتبها في سجنه حيث توفي بانتظار محاكمته عام 1952 " . بعد فشله في قصة حب قرر " هامبرت " الاستاذ الجامعي المغرم بسحر الفتيات الصغيرات أن يستأجر غرفة في منزل الأرملة شارلوت هايز، ليجد نفسه مهووساً بحب ابنتها دولوريس، فتاة جامحة سيئة الطباع لا تتعدى الثانية عشرة من عمرها. ببساطة، قرر أن يتزوج الأم ليبقى قريباً من فتاة أحلامه الصغيرة.لم يمر وقت طويل قبل أن تكتشف شارلوت نوايا زوجها عبر قراءة مذكراته، لكنّ القدر يتدخل لمصلحته حين تموت الزوجة في الليلة نفسها لتصبح دولوريس أو لوليتا ، كما يحلو له تسميتها، في عهدته. عندها يصطحب الصغيرة في رحلة أميركية طويلة في سيارته،. ينجح هامبرت في إغواء لوليتا، ويجبرها فيما بعد على البقاء معه ، مقابل هدايا ووعود وتهديدات بإرسالها إلى دور إصلاح ورعاية سيئة الصيت.بعد عامين من العبودية، تهرب لوليتا برفقة روائي مسرحي التقت به خلال فترة قصيرة قضتها في إحدى المدارس. في نهاية الرواية، يصبح همّ هامبرت الوحيد العثور على غريمه وقتله إلى أن يفعل ذلك. أما لوليتا فينتهي بها المطاف إلى الزواج بشاب فقير، ما يضطرها إلى طلب المساعدة المادية من هامبرت. تلتقيه للمرة الأخيرة وهي حامل، رافضة في شكل مطلق العودة للعيش منه على رغم إلحاحه المستميت. ثمّ تنتهي الأحداث بموت لوليتا أثناء الولادة، بينما يقضي هو في سجنه عقب كتابته مذكرات اعتبرها الرابطة الأزلية الوحيدة بينه وبين محبوبته الصغيرة.في العام 1956 يلقي ناباكوف محاضرة بعنوان حول كتاب لوليتا ، يؤكد فيها إن فكرة الرواية راودته أثناء إقامته في باريس عام 1939 ، حيث يكتب رواية باللغة الروسية لم تتجاوز عدد صفحاتها الثلاثين ، وفي هذه النسخة الأولى تدور الأحداث في باريس وكانت الصبية المعشوقة فرنسية وليست اميركية ، وفيها يتزوج بطل الرواية واسمه أرثر من امرأة مريضة سرعان ما تموت لتترك له فتاة صغيرة يعشقها بجنون فيقرر اغتصابها ، لكنه يفشل ، لينتحر في النهاية بالقاء نفسه تحت عجلات احدى الشاحنات ، ويبدو إن القصة لم تعجب بعض أصدقائه فقرر تمزيقها بعد هجرته الى أميركا عام 1940 .في العام 1949 يعود لحكاية لوليتا ، ويبدأ بالكتابة من جديد وفي هذه النسخة الجديدة نرى الصبية المعشوقة تنحدر من أصل آيرلندي حيث يعود ناباكوف الى نفس فكرة زواج العاشق العجوز من إحدى السيدات طمعاً في التقرب من ابنتها ، إلا أن هذه النسخة لم تلق الاستحسان أيضاً من العديد من أصدقائه فيقرر حرقها ..ليعود لها عام 1952 لينتهي من كتابة النسخة الجديدة عام 1953 .في روايتها " ابتسامة ما " تطرح فرانسوا ساغان فكرة غرام الفتاة الصغيرة بالرجال الكبار وتكتب في يومياتها :" لم أحب الشبان ، بل كنت أفضل عليهم كثيراً أصدقاء لي من الرجال ذوي الأربعين عاماً الذين كانوا يذيقونني رقة الأب وعذوبة العشيق " . يكتب جان بول سارتر في تعليقه على رواية نابوكوف إن :" هذه الخيالات الشاذة والأحاسيس المشوهة قد تثير الخجل والذعر عند المنافقين الاجتماعيين ، لكنها في الحقيقة ليست إلا رواية واقعية تبسط الواقع بصراحة وصدق " .يظل نابوكوف وقيا لتقاليد الادب الروسي ، فهو مولع بتشيخوف ونيقولاي غوغول ، وبطلات رواياته مثل الكثير من النساء اللائي يظهرن المشاعر المثيرة للحزن والشفقة على حياة لم يعشنها ، لكن صاحب لوليتا لايهتم بما يثير الحزن والشفقة ، ويفضل ان تكون شخصياته أشباحا ذات نزوات متقلبة.

شارك الخبر على