جون أبدايك.. الذي أفتقده هذه الأيام

حوالي ٦ سنوات فى المدى

 ترجمة/ أحمد فاضل
منذ أكثر من 20 عاماً وبالذات في خريف عام 1997 حصلت على أول وظيفة في مجلة " نيويوركر " ، كنت فتاة صغيرة من منطقة ماين الساحلية تخرجت من كلية براون قبل ستة أشهر ، كانت قد أوصت بي الكاتبة فرانسين دو بليسيكس غراي وهي أستاذ زائر هناك ، كنت قد استقلت الحافلة إلى مدينة نيويورك لغرض المقابلة تم التعاقد معي بعدها للعمل في مشروع خاص بالمصور ريتشارد أفيدون ، أوه التشويق بدأ في أول يوم لي عندما وصلت إلى المصعد مع تينا براون ثم المحررالذي كان يرتدي نظارة شمسية وبدلة جميلة شممت من فمه أنه قد تناول " دايت كوك " ، كنت أدرك جيداً أن بطلي الأدبي هو جون أبدايك المولود في 18 مارس / آذار 1932 قد بدأ حياته المهنية الخاصة مع المجلة قبل أن يتخرج من جامعة هارفارد ، في الواقع العديد من كُتابيَّ المفضلين الذين قرأتهم في سريري في الكلية مع الأغطية التي انتشرت فوق رأسي كي أكون وحدي مع كلماتهم ، جون تشيفر ، أليس مونرو ، آن بيتي ، جريس بالي ، لوري مور ، رايموند كارفر ، ريتشارد فورد ، أندريه دوبوس تم نشرها جميعا في الصفحات التي تم تحريرها والتحقق منها في المبنى الفوضوي في شارع 25 ويست 43 آر دي حيث كان مقر النيويوركر فإذا كنت تريد أن تأخذ طريقاً مختصراً ، يمكنك المشي عبر المبنى إلى متنزه براينت بارك ومشاهدة الجزء الخلفي من مكتبة نيويورك العامة أو بالعكس .كنت قد كتبت رسالتي الجامعية عن قصص جون أبدايك في مابلز وكانت تلك الرسالة محظوظة بما يكفي لتتوافق معه حيث تم كتابتها على بطاقات بريدية بيضاء صغيرة مزخرفة اخترتها بعناية من مكتبة شارع ثاير وكان الختم عليها صورة ملونة جميلة للتل الأخضر وبعض السماء الزرقاء وعندما أرتكب خطأ ، يقوم بكل بساطة بمكالمتي واستمر بالكتابة رغم أنه لم يُعقب إلا على بطاقة بريدية واحدة اعتبرته دليل نجاحي لأنني لفتُ انتباهه وهذا يكفي . في البداية أبدى أبدايك شعوراً قلقا بموضوع أطروحتي ، كنت أكتب عن الآباء وأطفال الطلاق في قصصه ورواياته ، كان الروائي الساحر ريتشارد فورد يحذرني من الافتراض بأن رواياته كانت أشبه بالمذكرات كما حذر كثيرين آخرين مثلي كانوا قد تناولوه بالكتابة . بعد انتهاء مهمتي مع أفيدون تم تعييني للبقاء في نيويوركر كمدققة وكان من المثير حقًا أن نبدأ بتعلم فن التدقيق الدقيق والمكثف الذي يشبه الجمل المتقاطعة أنا استوعبت بسرعة وبشكل مرضي كيفية القيام بهذا العمل فكنت أحسب أنني إذا قمت بعمل جيد فستكافأني المجلة في النهاية ، ولكن المكافاة والعواطف والهدايا والمذكرات الصغيرة جاءت هذه المرة من الموظف الأقدم الذي أحسست باهتمامه منذ وطأت عملية المقابلة ، ففي يوم من الأيام اتكأ فجأة وقبلني أمام متجر السجائر الشهير " نات شيرمان " في الجادة الخامسة ، لم أكن أعرف كيف سأتحدث عن هذا أو حتى لو كان غريباً كما شعرت ، وسأكون أول من يعترف بأن مواضيع الزنا والجنس العلني في قصص أبدايك بدأت تجعلني أشعر بقليل من القلق ، ولكن لم يكن هناك شيء في نفوس شخصيات رواياته من مشاهد مفترسة كما تفسر ، فعلى العكس من ذلك كانت صراحته واهتمامه بالبهجة في الحياة الجنسية هو الذي أحرجني وأنا بين ذراعي ذلك الموظف الكبير فقد تعلمت شكلا آخر أكثر ظهوراً من الجنس ، فعندما اندلعت أخبار فضيحة بيل كلينتون مع مونيكا لوينسكي ازداد تقرب ذلك الموظف مني ، لكني بدأت أشعر بالتحكم في الإصرار على موقف واضح منه وبعد أسابيع من الأرق أخبرني أنه لن يتم توظيفي في المجلة فكان علي أن أبدأ من جديد بحلم جديد ولم أكن متأكدة مما سيكون عليه الأمر بعد ذلك ، لكني وجدت ملجأ في الإذاعة العامة بمجرد إجراء مقابلة مع أبدايك لستوديو 360 عن معركته مدى الحياة مع الصدفية ، بعدها قمت بتحرير ونشر مجموعة من القصص الأميركية حول موضوع الطلاق مع مساعدة واضحة من أبدايك ولن أنسى أبدا العودة إلى المنزل يوماً ما والضغط على جهاز الرد على المكالمات للاستماع إلى صوت أليس مونرو ، وبعدها مباشرة كان غريس بيلي ثم إدموند وايت يهنئوني بصدور الكتاب ، أما أبدايك فقد أرسل بطاقة بريدية نابعة من القلب تشيد بي قال فيها :عزيزتي السيدة شتريلي :" جاء الناس متحمسين لسماع اسمي المذكور في الإذاعة العامة من قبل شابة " ذكية جداً " تبين أنها أنت ، ثم جاء كتابك ، شكرا جزيلا تحياتي الحارة وعيد ميلاد سعيد ".توفي أبدايك في 27 يناير / كانون الثاني 2009 ، وأبقيت رسالته مؤطرة على مكتبي ففي كثير من الأحيان عندما أحتاج إلى مساعدة ما أخرجها وأمسكها ، وما زلت أسمع صوته اللطيف والمثير للسخرية ينساب في مخيلتي ، بقى أبدايك في نيويوركر لمدة عام ونصف فقط في فترة ولايته هناك حيث قام بنقل عائلته الصغيرة إلى الشاطئ في إيبسويتش بولاية ماساتشوسيتس ومضى قدما ككاتب أثبت نفسه بالفعل ، لكنه كتب أنه يشعر بأنه " مزدحم ، جسديا وروحيا " ، وأن المدينة "ليست مناسبة تماما لي " كما يقول ، وقال لاحقا إن عملي هذا كان " الرحلة الحاسمة لحياتي "، ففي إيبسويتش استمر في كتابة رواياته الثمانية الأولى وبعض من أفضل القصص عن الحياة الأميركية مثل قصته القصيرة " A & P " كتبها أبدايك في عام 1961 كانت القاسم المشترك فيها الطبقة المتوسطة وهي الرمز المناسب للأخلاقيات الجماعية للمستهلكين ، وعندما يختار الشخص الرئيسي التمرد ضد A & P فإنه أيضا يتعارض مع هذا المجتمع الاستهلاكي ، وبذلك اختار أن يعيش بصدق و معنى حيث يتجول ذهني في كثير من الأحيان إلى شخصيات قصصه القصيرة وهذا يجعلني أتساءل : إذا كنت قد لجأت إلى أبدايك للحصول على المشورة بشأن وضعي في مكان العمل ، فهل كان سيساعدني ؟ أو ربما نصحني فقط بالتشبث بما حدث للقصص التي كنت سأكتبها في نهاية المطاف أثناء النظر إلى النافذة خارج منطقة عملي . أحدث كتاب لكاتلين شترلي هو " التعديل: الكائنات المعدلة وراثيا والتي تهدد أمننا الغذائي وأرضنا ومستقبلنا " صدر عن دار نشر أبناء ج. ب. بوتنام في نيويورك .
عن / صحيفة نيويورك تايمز

شارك الخبر على