«قمة العُلا لمستقبل الثقافة».. وصياغة المشهد الإبداعي

حوالي شهران فى الإتحاد

نوف الموسى (الرياض)أبرز الموضوعات الجوهرية ضمن الرؤى المستقبلية للقطاع الثقافي في المملكة العربية السعودية، تركزت بشكل استثنائي على الجوانب الاجتماعية وعلاقتها بالبيئة الطبيعية، ودراسة الموروث الحضاري وآلية ارتباطه بالتكنولوجيا الحديثة، وأثر الهوية في تشكيل الحوارات الفكرية والمعرفية، وتطوير نقاشاتها في الفضاءات الإبداعية العامة.جاءت مناقشات «قمة العُلا لمستقبل الثقافة» في الفترة ما بين 25 لغاية 27 فبراير الماضي، بموقع «ديمومة» في محافظة العُلا بالمملكة العربية السعودية، لتأصيل تلك الأبعاد الجديدة في تعريفنا للثقافة، من خلال دراسة أولاً: «الأراضي الخصبة»، ومخاطبة العلاقة المتناغمة بين الطبيعة والنشاطات الثقافية، وثانياً: «الأسس الإبداعية» والتمعن في مسألة تطوير سياسات الاقتصاد الثقافي وتعزيز التحول إلى الإبداع العالمي، وثالثاً: «حصاد الأثر» عبر طرح تساؤلات حول فرص التبادل الثقافي والإبداعي بمنحى شمولي يحفظ الثقافة المحلية عبر إنشاء أصول ثقافية تمتد بتجاه الإنتاج الثقافي العالمي. شاركت نحو 150 شخصية من قادة الثقافة في قمة العُلا لمستقبل الثقافة، استضافتهم الهيئة الملكية لمحافظة العُلا بالشراكة مع وزارة الثقافة، لاستحضار لغة ثقافية جديدة من شأنها أن تؤسس مساحات حوارية لمواجهة التحديات الثقافية الراهنة، باعتبارها فرصا للتفكير بالسياسات الثقافية، خاصةً مسألة الديمغرافيا والتعددية الثقافية، ومآلات التكنولوجيا، وتأثيرها في مفاهيم «الانتماء» و«الاستدامة» و«ريادة الأعمال» بالقطاعات الثقافية. الاستفادة القصوىشكل جوهر المعنى التاريخي والحضاري والطبيعي لمحافظة العُلا، مفارقة نوعية في الكيفية البديعة لاختيار الفضاءات الثقافية العامة، التي من شأنها أن تعزز المروية الاجتماعية للمكان، بوصفه حالة إبداعية بحد ذاتها، إلى جانب كونها دعوة مفتوحة لأهل محافظة العُلا وكل من يقطن عليها، بالمشاركة الثقافية، سواءً المباشرة بزيارة المعارض الفنية والاحتفاء بالملتقيات السنوية، أو من خلال مشاهدة عابرة للأعمال التركيبية في المواقع العامة من مثل مزارع النخيل والأسواق الشعبية العامة.وأكد راكان الطوق، مساعد وزارة الثقافة في المملكة العربية السعودية، في كلمة بهذه المناسبة، قائلاً:«في قمة العُلا لمستقبل الثقافة، نتشارك البحث العالمي لتحديات المستقبل من خلال أسئلة ملحة وهي: كيف يُمكننا الاستفادة من التطورات التي تغير قواعد اللعبة في الذكاء الاصطناعي؟ كيف نجعل الثقافة متاحة وشاملة لمستقبل متنوع؟ كيف نتقبل الاعتبارات البيئية والاجتماعية؟ ولا يمكننا سوى تحقيق الاستفادة القصوى من التراث والتقاليد والتاريخ، لتسهيل التبادل الجماعي المستمر والمفتوح، لتعزيز الإبداع والمهارات العالمية». موضوعات محوريةتناولت «قمة العُلا لمستقبل الثقافة»، في جلساتها الأولى موضوعات محورية، حول كيفية «نجاح المشاركة المجتمعية ودورها المحوري لرسم خريطة مستقبل المشهد الثقافي»، و«الجغرافيا السياسية والثقافية من خلال إيجاد مساحة حوار»، و«الجذور التاريخية ووجهات النظر المتجددة»، وأشارت حولها الأميرة نورة الفيصل آل سعود، الرئيس التنفيذي لشركة نون للمجوهرات وأعدل للتصميم وفن التراث، بأنه إذا ما نظرنا للثقافة في كونها تعبيراً للإنسانية، فإن الاهتمام بالمجتمع وارتباطه بالثقافة، يُعد أمراً مهماً، لا يُمكن فصله، بل على العكس كل تلك الأجيال الشابه في السعودية، وتعزيز حضورها الثقافي، إنما هو إدراك واع لكيف يمكن أن يكون عليه مستقبل الثقافة بالمملكة، من خلال الإجابة عن أسئلة مفادها: ماذا يريد هؤلاء الشباب، إلى ماذا يتطلعون، وكيف يمكننا أن ندعمهم؟.وقد جاءت عروض الأداء الفنية ضمن فعاليات «قمة العُلا لمستقبل الثقافة»، منهجاً تفاعلياً لكيفية تصميم منصات إبداعية شبابية لدعم الحراك الفني بالمملكة، من بينها عرض للفنانة السعودية بلقيس الراشد، بعنوان «إذا مات شيءٌ من الحب بقي الباقي»، وهو أداء يتعمق في الأساطير الغامضة لموقع الهجرة التاريخي، تستكشف الفنانة بلقيس الراشد الأبعاد المتعددة للحب والفقد والذكريات والطبيعة الدورية للحياة والموت من خلال مزيج من الفنون والحركة والموسيقى والرائحة.لغة الجمال«أنا لستُ فناناً، ولكني ممتن لعملي مع الفنانين» هنا حديث كلاوس بيسنباخ، مدير المتحف الوطني الجديد، ضمن مشاركته في «قمة العُلا لمستقبل الثقافة» حول المعنى من الفن، والذي يراه بمثابة لحظة إنسانية لا تكبر، يصفها بأنها حالة من الأبدية، تهدي الأفراد فرص التماهي مع لغة الجمال، قد يتفق معه لوران لوبون، مدير مركز بومبيدو، الذي أوضح بضرورة البحث عما يمكن أن تحدثه التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في الفضاءات الثقافية والفنية، إلا أنه يرى في تنظيم قمة العُلا والمشاركة في الحضور والنقاش والالتقاء المباشر، انعكاساً لحاجة الإنسان لتواصل الحيّ، ومعايشة الجمال على اختلافه بين ثقافات عديدة. ووسط هذا الاحتفاء بالثقافة كمحرك للتواصل الإنساني، جاءت بالمقابل ورش العمل في «قمة العُلا لمستقبل الثقافة»، بتجارب تقنية ومباحث علمية مغايرة. من جهته، اعتبر عبدالله الراشد، مدير مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء)، أنه وسط الثورة التكنولوجية العالمية، والمتعارف عليها ذهنياً بشكل أكبر، فإنه واحدة من أهم الأشياء التي علينا إدراكها هو كيفية تعيرفنا للإنسانية، وإدراكها بكل ما تحمله من أبعاد أيدلوجية وسياسية وكذلك تقنية، من خلال فهم دور المؤسسات الثقافية في هذه المساحات الافتراضية المفتوحة، وتحديداً فيما يتعلق بالتأثير الاجتماعي لتقنية وحضورها في النظام العضوي لمكونات المجتمعات الإنسانية ككل، من مثل ماذا سنفعل مع تطور منهجية «NFT»، وكيف ستناقش المتاحف على سبيل المثال طبيعة الإنتاج الثقافي، بين ماضي السردية عبر القصص والمرويات، ومستقبل الاستثمار في القطاع الرقمي.  

شارك الخبر على