دول السلام والأفعال

٦ أشهر فى الإتحاد

عند اندلاع كل أزمة أو نشوب أي صراع، أو حدوث أي نائبة سياسية كبرى في منطقتنا العربية، تتحول الأنظار من الحدث الأبرز على الساحة إلى الأحداث الأقل أهميةً، بهدف تصفية الحسابات السياسية من خلال تعويم أيديولوجيات حزبية منخرطة في الخطاب الغوغائي التحريضي دون وعي ولا فهم للواقع، كما يحدث حالياً من انجراف عاطفي يحاول نقل التركيز من القضية الشائكة في غزة إلى الهجوم على دول أخرى بحجج واهية، لكنها تؤكد استنتاجاً أساسياً مفاده أن حقبة الشعارات والأفكار القومية وإخفاقات النضج السياسي، وغياب العمق في المجتمعات العربية.. لا تزال تراوح مكانها!هناك هجمات كثيرة، ضد فنانين، وضد مؤسسات إعلامية، وضد مهرجانات موسمية مجدولة.. تحت شعارات كاذبة من قبيل الإنسانية وظروف الحرب التي لا أحد يعلم متى تنتهي كما كانت بدايتها التي فاجأت الجميع. وماذا لو قدّر للحرب أن تستمر؟ هل يستمر جو العزاء العام كما يرغب البعض من مؤدلجي السياسة ورافعي شعارات الحروب وداقي الأسافين بين شعوب المنطقة بخطاب التخوين والتجريد من الدين والعروبة والإنسانية لمجرد أن بعضهم اختار أن يعيش بطريقة طبيعية، وأن يمارس حياتَه بشكل مغاير، وأن يتعاطف بلا ضوضاء ولا شعارات ولا أجواء مشحونة؟ لكن المستغرب، والمستهجن أيضاً، أن الهجوم انتقائي لدول دون أخرى ولفنانين دون غيرهم! إن العمليين الهادئين هم أصحاب الأفعال، وليسوا أصحاب الأفواه المفتوحة والأبواق المشرعة بالعبارات الهابطة والتراشقات غير اللائقة والتجاوزات اللفظية على دول اختارت العمل بدلاً من الضوضاء، واختارت الدبلوماسية والمفاوضات على أرض الواقع بدلاً من الخُطب العصماء في مساحات العالم الافتراضي. لقد آثرت هذه الأطراف الأفعالَ وتقديم المساعدات الإنسانية الفورية عبر جسور من العطاء والدعم.. وهكذا دائماً نحن في دول الخليج العربية، وبكل تجرد. القيادات في دولنا تعي جيداً أحقيةَ شعوبها في ممارسة الحياة بشكل طبيعي دون تحويل الأوطان إلى مناحات وبكائيات حزينة.. إذ هناك ما هو أولى وهو الجهود الدبلوماسية والإنسانية! أثناء «حرب الأيام الستة» والنكسة التي نجمت عنها عام 1967 لم يتوقف رموز الفن المصري عن الغناء، وعلى رأسهم أم كلثوم وعبد الحليم حافظ، بل ساهموا في إحياء الفن والغناء وتوجيه إيرادات حفلاتهم إلى المجهود العسكري. أليست هذه مواقف بطولية تُقزم مواقف فنانين آخرين يحاولون تلميع صورهم أمام الظاهرة الغوغائية الحالية ضد كل مظاهر الحياة، تكريساً لحالة الانحدار والتشظي بين شعوب المنطقة على نحو لا يقل بشاعةً عن بشاعات الحرب نفسها؟ الفن في نهاية المطاف رسالة حق وسلام وتقريب بين القلوب! إنه رسالة ومهنة والتزام، وكم من فنان شريف غادر خيمة العزاء في قريب أو حبيب ليعتلي خشبةَ المسرح، أو يقدم فنَّه أمام كاميرات السينما والتلفزيون بقلب مكلوم يسكنه الحزن ووجه ضاحك بشوش!الحزن نعيشه دقيقة بدقيقة ونشاهده على شاشات التلفزيون وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي، والأسى يتعمق في قلوبنا على أرواح الموتى وعلى ما تبقى من مدينة كانت تضج بالحياة لتصبح موطناً للموت والدمار، وقلوبنا عامرة بالرحمة والمشاعر الأخوية حيال الأشقاء المنكوبين في غزة، وفي الوقت ذاته، فإن دولنا تحاول الحفاظ على منجزات التنمية والسلام والرخاء، المنجزات التي تخطط قوى الشر لنسفها.. دولنا دول السلام الذي سيشع نوره ليضيء سماء عالمنا العربي وسماء غزة بوعد جديد وحياة آمنة وبيوت جديدة.. قريباً إن شاء الله. 
*كاتبة سعودية

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على