صراع القيم.. في مواقع التواصل!

٧ أشهر فى الإتحاد

محمد عبدالسميع (الشارقة)رأى كتّاب ومثقفون أنّ توسّعاً هائلاً يجري في المعرفة من خلال الوسائط الإلكترونيّة التي باتت تحمل معها ثقافات وصفوها بـ «غير الملائمة» و«الدخيلة»، وقالوا: إنّ للمؤسسات الثقافية دوراً كبيراً في تعزيز تصدّي النخب الثقافية والإبداعيّة والفكريّة لحماية الثقافة العربيّة من تأثيرات غير مرغوبة. ورأوا أنّ الوعي هو حجر الزاوية الأول في كل ذلك، طامحين إلى ترسيخ مشروع ثقافي عربي متكامل أمام أية تأثيرات سلبية على أصالة الهويات الثقافية العربية. كما أكّدوا أنّ الإمارات تعدّ نموذجاً في الحفاظ على ثقافتها الوطنيّة وتراثها من خلال الدور الكبير والواعي للمؤسسات الثقافية متعددة المجالات، والتي تبقي الأجيال على اتصال دائم بالثقافة والتراث، باعتبارهما مصدراً أساسيّاً من مصادر الاعتزاز الوطني والعمل للمستقبل.

معرفة الذاتورأت الناقدة الإماراتيّة د. مريم الهاشمي أنّ الهوية هي علامة الشعوب، بما تحمله من خصائص وتمايز للفرد أو الجماعة عن الآخرين، كما أنّها تمثّل السمعة أيضاً، والانطلاق نحو المستقبل، وبدون ذلك لا يكون هناك وجود للحاضر أو الماضي أو المستقبل، مؤكّدةً أن الاختلاف يفترض أن يكون إيجابيّاً ويمنحنا تعددية تكون مصدر إثراء ثقافي.وتحدثت الهاشمي عن حوار الثقافات والرأي الشامل المعاصر، فقد أصبحنا نتشابه خارجيّاً وداخليّاً أكثر مما ينبغي، إلى درجة أصبح فيها الشرقي والغربي والشمالي والجنوبي كلهم على حد سواء ينادون بإعادة الافتراضات الأولية الكلية للمعايير والقيم. وفي خطاب أكثر حداثة، وأكثر تجاوباً مع العصر، ولكنه الأقدم حضوراً، هو أن الفرد المعاصر أصبحت لديه هويات متعددة تتداخل مع مجموعة من الحساسيات والمفاهيم والأذواق، بل طرحت فكرة الجدل الداخلي العميق النامي في صيغة أكثر من سؤال: ما هي هويتنا؟ من نحن تحديداً في ظل أنساق العالم الجديد؟!وأكّدت الهاشمي، أنّ الفكر أساس عظمة الإنسان، حيث يحيط هذا الفكر بالكون إلى جانب الفضائل التي هي ناتج التفاعل بين الطبيعة الإنسانيّة والبيئة، متحدثةً عن الدائرة المعرفيّة والثقافيّة للإنسان، ومبحث الأخلاق والفضيلة كأساس للفكر، ووضوح الرؤية، ومعرفة الذات، وتأكيد هويتنا الخاصّة بنا التي يحترمنا الآخرون بها، فنبحث عن التمايز، وليس الاستنساخ الثقافي.

صراع الأنماطورأى الكاتب والأديب د. عمر عبدالعزيز أنّ صراع الأنماط والهويات الثقافية موضوع تاريخي كانت له تجلياته المتعددة.وقال إنّه لا يتحدث عن الأيديولوجيا بوصفها حلماً طوباويّاً اجترحه بعض المنظّرين، بل بتحولها المتسارع إلى بنية مؤسسية، لافتاً إلى أنّ السمة التاريخية كانت عنوان الهويات والأنماط التي عرفناها في مدونة العصور، ولكنها انطوت وتنطوي على أبعاد موضوعية تمنح الخصوصيات الثقافية مثابة تفاعلية بنّاءة مع الغير. ولهذا يميل عبدالعزيز إلى القول: إن التعددية البشرية مصحوبة بتعدديات ثقافية تهب الحواجز الظاهرة صفة التكامل، وقد ثبتت هذه المقولة تاريخيّاً، كما قال، غير أنها تعيد إنتاج مفاعيلها هذه المرة بقدر كبير من التسارع والصدمات. ولهذا يبقى سؤال النمط والهوية معلقاً في فضاء التأمل والنظر.

قيم أصيلةمن جهته، رأى الشاعر عبدالرحمن شاهين المضاحكة، من البحرين، أنّ موضوع الهوية الثقافية العربيّة من الأهميّة بمكان، محمّلاً وسائل التواصل الاجتماعي في كثير مما ينشر عليها، ما يرمي إلى التأثير سلباً على ثقافتنا أو طمسها وبثّ ثقافات مغايرة تنخر كالسوس في أية ثقافة عريقة قائمة على الأخلاق النبيلة والقيم والعادات والتقاليد التي رسّخها فينا الآباء والأجداد بما توارثوه أصلاً من قيم أصيلة. وانتقد الشاعر عبدالرحمن ما أسماه «الثقافات الدخيلة» التي ترمي إلى دسّ سلوكيات سيئة ومنافية للخلق والقيم، معتبراً ذلك أشبه بالصراع القيمي الذي يعتمد الثقافة كعنصر ومجال تأثير وسجال.ولكن، كيف نحمي أنفسنا؟!.. أجاب عبدالرحمن بأنّنا نحتاج وقفة جادّة في مواجهة أية ثقافة مشبوهة أو ذات تأثير سلبي على هويتنا الأصيلة، وخاصة هذا التيار الجارف في العالم الرقمي الذي يتوخّى نشر ثقافة غير ملائمة لقيمنا وثقافتنا.أجندة سلبيةأمّا الشاعرة الإماراتيّة شيخة المقبالي، فرأت أن استغلالاً واضحاً يجري أحياناً لبعض شبكات التواصل الاجتماعي لنشر «ثقافات غريبة» عن ثقافتنا وتقاليدنا، ومعظمها كما قالت ثقافات سلبية تحثّ على قيم لا تلائم قيمنا الأصيلة، وهو مما قد يسبب تشويهاً لتاريخنا العربي، وربما ينسب لهذا التاريخ أيضاً أفكاراً وصوراً نمطية لا أساس لها، وقد يؤثر في شبابنا في النهاية وربما يدفع بعضهم إلى تغيير ثقافاتهم ليتفشى المغلوط من الثقافات والقيم غير الصحيحة أو المناسبة لنا، محذرةً من أي تأثير سلبي على الهوية الثقافيّة باعتبارها أولويّة وطنيّة.وقالت المقبالي: إنّ المشروع الثقافي العربي يمكن أن يقوى ويتعزز دوره وحضوره بالحفاظ على قيمنا التي نبثّها عبر مهرجاناتنا الثقافية والإبداعيّة، كما في مهرجانات الشعر وما تحمله القصيدة الفصيحة أو النبطيّة من معانٍ ورؤى وطنيّة وإشادة بالثقافة العربية في البادية والحضر.ورأت أنّ الشبكة العنكبوتيّة لها دور محسوس في نشر ما حذّرت منه، على اعتبار أنّها وسيلة سهلة يمكن أن تحمل ثقافة غير بنّاءة تتقصّد عقول الشباب. وعن وسائل الحماية الثقافيّة في محاربة الثقافات الغريبة أكدت المقبالي على دور الأدباء وصالونات الثقافة والإبداع والنخب الثقافية والكتاب والشعراء والروائيين وحملة الفكر والمعرفة والرأي.

ثقافة إلكترونيّةورأى الأكاديمي السوري أحمد عبد المنعم عقيلي أنّ الانفتاح الثقافي على الثقافات حدا بنا إلى أن ننخرط في قراءة هذه الثقافات، في ظلّ التطوّر الكبير لوسائل التواصل الاجتماعي، ومخرجات الشبكة العنكبوتيّة، وما تحمله هذه الوسائط من إفرازات ثقافيّة متعددة، وهو ما ترك الحيرة ظاهرةً على وجوه بعض مثقفينا وشبابنا، في حين أنّ الثقافة العربيّة حاضنة قويّة للأخلاق والقيم وهي النبع الصافي ومرآة حقيقيّة تعكس صفات المجتمع العربي النبيلة وقيمنا الأصيلة، مثلما هي أيضاً حافظة للغتنا الشريفة وحضارتنا وهويّتنا.وقال: إنّ تحصين أنفسنا من الأمواج المتدفقة من هذه الثقافات والمعلومات غير المحدودة يكون أولاً بالوعي الكامل، وكذلك بالمعرفة والثقافة العالية، لكي نضمن تعاملاً فاعلاً وقويّاً أمام هذا الدفق الثقافيّ الخارجي التي يتقصّدنا أحياناً ويتقصّد ما نمتلكه من ميزات. وأضاف العقيلي أنّ الثقافة الإلكترونيّة المحمّلة بآلاف الصفحات والكتب أمرٌ واقع ولا يمكن تجاهله، داعياً إلى الوعي والمعرفة وتوظيف القيم كشروط للحفاظ على ثقافتنا وتراثنا، وهو أمرٌ لا يمنع أيضاً اطلاعنا على ثقافات الأمم الأخرى والإفادة مما ينفعنا منها. كما أكّد قيمة المؤسسة الثقافيّة العربيّة في التصدي لكلّ المحاولات الثقافيّة السلبية المؤثرة، مورداً المثال الثقافي الإماراتي نموذجاً حيّاً وفاعلاً، بدعم التراث المحلي من خلال العديد من المهرجانات والأنشطة والفعاليات الثقافية والإبداعيّة ومعارض الكتاب، وكذلك المؤتمرات الدولية للغة العربية ومؤتمرات الترجمة وغير ذلك من الفعاليات والأنشطة المتميزة.الأسرة العربيةوقالت الشاعرة هيام العجلان، من البحرين، إنّنا بحاجة إلى مشروع ثقافي عربي فعال يقف ضد الأفكار والقيم الغريبة التي لا تتفق مع هويتنا العربية، وما يحدث الآن من تأثير سلبي لثقافات مختلفة علينا يجعل كل إنسان يتحسب لأسرته وأبنائه مما هو جديد، ولذلك فلابدّ من التسلّح بالوعي في مواجهة هذا الأمر.منعطف ثقافيرأى الشاعر السوري فؤاد سلوم، أنّ الواقع الحالي منعطف مهم من منعطفات الثقافة العربية، كما أنّ كلّ منعطف له إيجابياته وسلبياته، ولهذا فإنّ التغيّرات الجديدة جعلت العقليّة العربيّة في مواجهة بين موروثها وحاضرها، لوجود شرخ أحياناً بين الطرفين. وتحدث سلّوم أيضاً عن شكل الثقافة الجديد، مؤكداً أنّ علينا أن نستفيد من التجارب وأن نأخذ من أفكار ذوي العقل والفكر الإيجابي من تجاربهم الشخصيّة. وقال: إنّ علينا أيضاً أن نبتعد عن «التلقين» وصولاً إلى حالة الوعي لتحويل المتغيرات إلى عناصر إيجابيّة.

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على