اشتباكات عين الحلوة تنسِف التمييز بين سلاح المخيمات وخارجها ماذا لو تحقَّق السيناريو الكارثي؟ ميشال ن. أبو نجم

٩ أشهر فى تيار

في لبنان سورّيالية من نوعٍ مخيف. لا علاقة لها لا بالفن ولا بكل ما هو جميل. هذه السوريالية تقول إن المآسي بالأسباب نفسها، يجب أن تتكرَّر ويدفع الثمن لبنان وأمنه واستقراره. والأخطر، أنَّ هذه المآسي يعيد صنعها سياسيون عاجزون مع مزيج من رهانات طائفية ومذهبية وسياسية.
هذه المعزوفة المزعجة تنسف كل التحايل اللبناني في المقارنة بين السلاح خارج المخيمات الفلسطينية، والسلاح داخلها. فبلمحة بصر يقفز عين الحلوة الذي خرج منه قتلةُ القضاة الأربعة عام 1999 ولجأ إليه العدد من الإرهابيين، من الهدوء إلى الإشتباكات الزاروبية التي تذكّر بفصول الحرب اللبنانية البشِعة. وبلمحة بصر ينكسر الإستقرار اللبناني الذي لطالما تتغنى به معزوفة الطبقة السياسية، في حال قرَّرت أجهزة مخابراتية أن تصفّي حساباتها، فتختار الأرض المناسبة والخاصرة الرخوة المتمثِّلة بالمخيمات. وفي وقت تُقفل عاصمة الجنوب صيدا ويضطر سكَّانها إلى الإختباء في بيوتهم، تصبح مقولة السلاح خارج المخيمات وداخلها سخيفةً، طالما أن هذا السلاح، غير اللبناني، يتحول بسحرٍ مخابراتي إلى حربٍ لا تُبقي ولا تَذر. في الأساس كان هذا التمييز مجوفاً ومنخوراً بفعل الصراع اللبناني الداخلي بين ما عُرف ب 8 و14 آذار، حول حدود السيادة وما إذا كانت تقف خارج المخيمات أم تكون شاملة، وذلك بنسبة علاقة كل طرف لبناني بالمنظمات الفلسطينية المنقسمة عقائدياً وسياسياً، وأيضاً على المحاور العربية والإقليمية. كلٌ يستقوي بالسلاح الذي يناسبه.
هذه السيادة اللبنانية "الموقوفة" عن العمل، تصبح كابوساً كارثياً لو رسمنا خطاً افتراضياً ممتداً من المخيمات الفلسطينية، إلى مخيمات النازحين السوريين. أو قُل المخيمات والتغلغل الخارج عن السيطرة في المدن والقرى اللبنانية. أساساً عاش اللبنانيون مشاهد دمويةً حقيقية لهذه السيادة الموقوفة في جرود البقاع الشرقي وفي التفجيرات الإنتحارية الإرهابية التي هزّت القاع واللبوة والهرمل والضاحية الجنوبية وغيرها. لا بل أنهم يعيشونها يومياً حتى الساعة بالنسبة العالية للجرائم التي يتبين أن مرتكبيها من النازحين السوريين.
سياسة النعامة هذه وطمر الرأس اللبناني في الرمال، شبيهة بما حصل بطريقة التعاطي مع الدين العام والأزمة المالية والإقتصادية. استمروا في طمر رؤوسهم حتى رموا بالشعب اللبناني كله في أتون الحريق المالي وسرقة الودائع ونهبها. خدعوا اللبنانيين بمؤتمرات سيدر المتكررة وبابتسامات جاك شيراك وغيره، وبتعويذة رياض سلامة عن "الليرة بخير" واستقرار سعر الصرف. تعاموا عن حجم المعضلة إلى أن تورمت وانفجرت فينا جميعاً. وهذا التعامي اللبناني السياسي عن الأزمة، بدءاً برفض غالبية الطبقة اللبنانية إقفال الحدود أمام زحف النزوح، ومن ثم تخبط الدولة العاجزة في إدارة هذا الملف لا بل التواطؤ (المستمر حتى الساعة)، سوف يجعل قنبلة النزوح السوري متفجرة، حتى لو أنَّ السقف الدولي – الإقليمي راهناً، يبقي الحد الأدنى من الإستقرار الأمني – السياسي. هذه العوامل التي تؤدي إلى "العاصفة المتكاملة" perfect storm، يمكن أن تحصل في أي لحظة يغيب هذا الغطاء. هي عاصفة قابلة للإنفجار في أي تقاطع خارجي – داخلي لأهداف سياسية معينة.
لكن وللأمانة، ليست المخيمات بحد ذاتها هي الكابوس، ولا حتى رسائل الخارج من خلال افتعال الإشتباكات. القرار الداخلي ب"السيادة الموقوفة" في موازاة "سياسة النعامة"، هو الكابوس الفعلي للبنانيين. وبالتأكيد، الخروج منه لا يكون بالمزيد من زراعة الأوهام، بل بمواجهة الحقيقة كما هي!
 
 

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على