من الأشهر اليوم؟

منذ سنوات قليلة، قالوا لنا: علموا أولادكم البرمجة لأنها لغة المستقبل. وقتها لم يكن المبرمجون يعلمون أن وظائفهم سوف يهددها الذكاء الصناعي الذي فوجئ الجميع بقدرته على البرمجة. إلى أين نحن ذاهبون؟ هذا سؤال المليار دولار.. إذ إن القادم لا سابقة له يقاس عليها إلا في أدب الخيال العلمي، فلأول مرة في تاريخ الإنسانية أصبح على الأرض «شيء» يفكر غير البشر.. أداة تستطيع القيام بأعز مهاراتنا وأكثرها تعقيداً وبشكل أكثر كفاءة وسرعة في كثير من المجالات. رغم أن هذه التقنية لا تزال في بداياتها، إلا أنني أعرف أصحاب أعمال استغنوا عن بعض موظفيهم بالفعل بسببها. كالموظف الذي يكتب الرسائل الإلكترونية الاحترافية، أضافت «جوجل» وظيفته بضغطة زر. أعني خاصية كتابة إيميل كامل للرد على الرسائل في آخر تحديثات «جي ميل»! منذ عام واحد فقط لم نكن نتصور أن هذا ممكناً!لكن رغم ذلك، ليست كل الوظائف مهددة، كما يحلو للبعض أن يبالغ.. رغم الإبداع الهائل الذي فاجأتنا به برامج الكتابة والرسم بالذكاء الصناعي، إلا أن هذا لم يقضِ على البشر.. إذ ما زالت هذه البرامج تحتاج لمحترفين للتعامل معها على الوجه الأمثل. يشبه ذلك الأجهزة الطبية التي تقوم بالجراحات المعقدة، وما زالت تحتاج لطبيب يستخدمها بشكل أفضل من المستخدم العادي! نتائج تقنيات الذكاء الصناعي تتحسن كلما كان الشخص متخصصاً يعرف ماذا يفعل.فماذا علينا أن نفعل في هذا العصر الجديد؟أرى أن أغلب المهارات التي نحتاج إليها اليوم نابعة من إنسانيتنا وليس العكس.. بعد أن حولَنا العصر الحديث لآلات بشرية تكبت إنسانيتها كي تستطيع الدوران في ساقية كسب الرزق، يأتي عصر الذكاء الصناعي ليعيدنا لإنسانيتنا كي نستطيع النجاة! كيف ذلك؟فكر معي في الأمر.. قد يلغي الذكاء الصناعي دور الطبيب «جوجل ديب- مايند يستطيع التشخيص حالياً»، لكنه لم يستطع إلغاء الممرضة.. لأن ما تقوم به أكثر تعقيداً ولا يمكن محاكاته بسهولة.. مهام مادية كتغيير الجروح وتعبير عاطفي ودعم نفسي للمريض.. المهن التي تتطلب تواصلاً إنسانياً حقيقياً، لم يتم استبدالها حتى الآن.. وهو ما يعني أن العصر القادم أصبح يتطلب اهتمامنا لا بالمهارات التقنية الجافة فقط، بل بالمهارات النفسية.. ما يجعلنا بشراً نتميز عن الآلات..مثلاً، نحتاج «عقلية النمو» أي الرغبة والقدرة على التطوير المستمر كي نستطيع أن مواصلة التعلم لمواكبة التطورات التقنية.. نحتاج مهارات الذكاء العاطفي التي تجعلنا قادرين على العمل الجماعي لتعويض ما قد يظهر لدينا من نقص تقني في أحد الجوانب..هل ستعيدنا الآلة لإنسانيتنا حقاً؟