تعميق العلاقات الهندية المصرية

١٠ أشهر فى الإتحاد

من المعروف أن الهند ومصر تربطهما علاقات قديمة. إلى جانب التجارة، ظلت الاتصالات الثقافية عميقة بين البلدين. لكن أجيالنا الحالية ليس لديها أدنى فكرة عن مدى قرب التفاعل بين المثقفين والفنانين وغيرهم من الشخصيات البارزة في البلدين مع بعضهم البعض. بينما سجل عدد قليل من الأكاديميين والباحثين من مصر، بعض التفاعلات، للأسف، لم نجد في الهند أي جهود من قبل الباحثين للتعمق ونشر النتائج التي توصلوا إليها.
كم منا يدرك أنه منذ أكثر من مائة عام، قام الفيلسوف الهندي العظيم طاغور بزيارة مصر مرتين، وأنه كان صديقاً مقرباً للشاعر والمفكر والباحث المصري الشهير أحمد شوقي. وأيضاً قبل حوالي مائة عام عندما تم نقل جثة المحارب الهندي العظيم محمد علي جوهر من لندن على متن سفينة عبر قناة السويس، قام أحمد شوقي بتأليف قصيدة طويلة نعى فيها وفاة المحارب، وتعد هذه القصيدة عملاً أدبياً لا يقدر بثمن.
وكثيرون لا يتذكرون أيضاً زيارات المطرب الشهير عبد الحليم حافظ للهند في أواخر الستينيات، وكذلك زيارات الفنان نور الشريف، وزوجته الفنانة بوسي في السبعينيات. هذا علاوة على زيارات الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل وتفاعلاته الطويلة مع طلاب الجامعات في الهند، ومحادثاته في نادي الصحافة في الهند. وكذلك المساهمة العظيمة لعشرات الشخصيات المصرية البارزة، بما في ذلك عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ)، والشاعر صلاح عبد الصبور الذي عقد العديد من الجلسات الأكاديمية لإلقاء الشعر في جميع أنحاء الهند تقريباً.
لكن هذه العلاقات والتفاعلات المتعمقة كادت أن تتجمد بسبب الحرب الباردة عندما وجد البلدان نفسيهما في معسكرين متعارضين. لكن العلاقات عادت لتتوطد خلال زيارة الرئيس الأسبق حسني مبارك إلى الهند، حيث حصل على جائزة نهرو في عام 2008. ومنذ ذلك الحين، كانت العلاقات في مسار تصاعدي. في الأسبوع الماضي، قام ناريندرا مودي بأول زيارة رسمية لرئيس وزراء هندي إلى مصر منذ عام 1997. وبينما كانت هناك زيارات عرضية في الماضي، إلا أنها كانت في الغالب لحضور فعاليات متعددة الأطراف. وقد جاءت زيارة مودي لمصر في أعقاب زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي للهند كضيف رئيسي في الاحتفالات التي أقامتها الهند بمناسبة يوم الجمهورية.
تشير هذه الزيارة المتبادلة السريعة للغاية، التي تأتي في غضون ستة أشهر، إلى تعزيز العلاقات الثنائية والرغبة المتبادلة في توسيع نطاق التعاون بين البلدين.
ليس ثمة شك في أن العلاقات الوثيقة بين نيودلهي والقاهرة تحمل أهمية لكلا البلدين. فمصر هي الدولة الأكثر اكتظاظاً بالسكان في غرب آسيا وشمال أفريقيا ولها أهمية جغرافية استراتيجية حاسمة، حيث تمر 12% من التجارة العالمية عبر قناة السويس.
لذا، فهي تتطلع إلى زيادة استثمارات الهند في البلاد. وقد سبقت زيارة مودي زيادة في التبادلات السياسية على المستوى الوزاري بين البلدين، من بينها زيارة وزيري الدفاع والخارجية في الهند في سبتمبر وأكتوبر من العام الماضي. تؤكد زيارة مودي كيف أصبحت العلاقات مرة أخرى تحظى بتركيز أكبر بين البلدين في وقت يشهد حالة من عدم اليقين العالمي، والناجم عن الاضطرابات الاقتصادية والسياسية. وقد وقع رئيس الوزراء مودي والرئيس السيسي اتفاقية للارتقاء بالعلاقات إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية.
وإلى جانب اتفاقية الشراكة الاستراتيجية، وقع البلدان أيضاً على مذكرة تفاهم في مجالات الزراعة والآثار وقانون المنافسة. كما ناقش «مودي» والسيسي النطاق الكامل للعلاقات واتفقا على تعزيز الروابط بين البلدين في مجالات مثل الاقتصاد والتجارة، إلى جانب التعاون في مجال الدفاع.
وقد قامت الهند ومصر بتعزيز التعاون الدفاعي بينهما. وفي هذا الإطار، أجرت القوات الجوية في كلا البلدين تدريبات تكتيكية مشتركة في عام 2021، أطلق عليها اسم «محارب الصحراء».
وتضمن التعاون الدفاعي الثنائي إجراء تدريب مشترك في 2023 يحمل اسم «إعصار 1»، وهو تدريب مشترك لمدة أسبوعين بين القوات المسلحة في الهند ومصر. كما تجري مناقشات بين البلدين لبيع طائرات مقاتلة هندية الصنع لمصر، إذ تسعى الهند إلى تعزيز تعاونها الدفاعي كجزء من الجهود المبذولة لتعزيز التصنيع المحلي. كما شهدت مصر والهند بادرة حسن نية بين البلدين، عندما أرسلت مصر للهند 300000 جرعة من لقاح «ريمديسفير» Remdesivir في عام 2021 أثناء جائحة كوفيد-19.
كما أرسلت الهند في عام 2022 شحنات من القمح إلى مصر في أعقاب حرب أوكرانيا، التي أعاقت بشدة واردات مصر من القمح. تأتي زيارة «مودي» لمصر في وقت تبرز فيه الهند كقوة اقتصادية مهمة، حيث من المنتظر أن تشهد نمواً سريعاً على مستوى العالم في وقت يسود فيه الركود مناطق معينة من العالم. وقد تم التأكيد على هذا من خلال قيام مصر بتشكيل «وحدة الهند» في مجلس الوزراء المصري. ومن جانبها، أشارت نيودلهي إلى أن هذه الوحدة ستكون «أداة مفيدة في توجيه التعاون الثنائي» بين البلدين.
ليس ثمة شك في أن العلاقات بين الهند ومصر اكتسبت زخماً مع زيارة رئيس الوزراء الهندي التي مهدت الطريق لتعميق التعاون. وكما قال ناريندرا مودي، فإن زيارته لمصر هي «زيارة تاريخية ستضيف قوة متجددة للعلاقات الهندية المصرية وستفيد شعوب بلدينا».
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي

شارك الخبر على