ترامب.. وقواعد اللعبة

١١ شهر فى الإتحاد

ماذا لو أن ميتش ماكونيل (زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ) وعد، في ختام خطابه اللاذع في مجلس الشيوخ والذي حمّل فيه دونالد ترامب مسؤولية أعمال الشغب التي حدثت في مبنى الكونجرس يوم 6 يناير، بأنه سيسعى حتى آخر رمق لضمان إدانة ترامب بتهم العزل وعدم قدرة هذا الأخير أبداً على أن يصبح رئيساً مرة أخرى؟
أين كانت تصريحات وأفعال مثل هذه ستترك رئيسَ مجلس النواب كيفن مكارثي (رئيس مجلس النواب، جمهوري)، والأغبياء التابعين له في اللجنة «الجمهورية» في مجلس النواب، و«الجمهوريين» الآخرين الذين يدافعون عن ترامب من لائحة الاتهام التي وجّهتها له وزارة العدل؟ هل كانوا سيكونون جداً تواقين لإعلان براءة ترامب؟
وهل كانوا سيغضبون بسبب جلسة الثلاثاء في ميامي؟ وهل كانوا سيدّعون زوراً بأن الرئيس جو بايدن يحاكم ترامب، في حين أنهم يعلمون علم اليقين أن الرئيس لا يملك سلطة توجيه الاتهام لأي شخص؟ أي من هؤلاء الأشخاص لا يتمتع بقوة الشخصية التي تمكّنه من مجابهة هذه التحديات الأخلاقية ومواجهة ترامب وما فعله لكسر نظامنا السياسي. والواقع أنه أشبه بتاجر ممنوعات يزدهر في حي محطم، إذ يدفع الجميع للإدمان على قيمه، وهذا هو السبب في أنه يفعل كل ما في وسعه لكسر حيّنا الوطني بطريقتين أساسيتين.
فمن جهة، حاول ترامب باستمرار تشويه سمعة الأشخاص الذين أظهروا شجاعة وقوة شخصية عبر وصفهم بالفاشلين والضعفاء. وهذا الأمر يعتبر سهلاً على ترامب لأنه رجل بلا شخصية تماماً - وخالٍ من أي حس أخلاقي أو ولاء لأي منظومة قيم أو شخص آخر غيره. والسياسة بالنسبة له رياضة دموية تضرب فيها الرجالَ والنساء الآخرين - سواء كانوا في حزبك أم لا - بالتشهير والألقاب والأكاذيب إلى أن يخلوا طريقك.
بدأ ترامب هذه الاستراتيجية في وقت مبكر مع (سيناتور أريزونا السابق) جون ماكين - وهو من قدماء المحاربين، ورجل لم ينهر أبداً رغم قضائه أكثر من خمس كأسير حرب في شمال فيتنام، وهو رجل ذو شخصية حقيقية. هل تتذكرون ما قاله ترامب عن ماكين في قمة «قادة الأسرة» في إيمز، بولاية آيوا، في 18 يوليو 2015؟ قال ترامب للجمهور: عندما ترشح ماكين للرئاسة، «دعمتُه». «لقد خسر. لقد خذلنا. لكنه خسر. لذلك لم أحبه كثيراً بعد ذلك لأنني لا أحبُّ الفاشلين». وعندما ضحك الجمهور، تدخّل مدير الجلسة، منظِّم استطلاعات الرأي فرانك لونتز، قائلاً: «لكنه بطل حرب!». فأجاب ترامب – الذي نجح في الحصول على شهادة طبية مشبوهة لتجنب التجنيد في حرب فيتنام: «إنه ليس بطل حرب. إنه بطل حرب لأنه أُسر. إنني أحب الأشخاص الذين لم يُؤسروا». وفي وقت لاحق من ذاك اليوم، أعاد ترامب نشر منشور على الإنترنت بعنوان «دونالد ترامب: جون ماكين «فاشل».
وبالتالي فإن جزءاً من الطريقة التي يحاول بها ترامب كسر نظامِنا هو إعادة تعريف صفات القائد - في الحزب «الجمهوري»، على الأقل. فالقائد ليس شخصاً مثل ليز تشيني (عضو مجلس النواب الجمهورية) أو مِيت رومني (عضو مجلس الشيوخ الجمهوري)، أشخاص مستعدون للمجازفة بمسارهم السياسي للدفاع عن الحقيقة، وخدمة الوطن، ودعم الدستور. كلا، بل القائد هو شخص مستعد للفوز بأي ثمن - للبلد وللدستور وللنموذج الذي وضعناه لأطفالنا وحلفائنا. وعندما يكون ذلك هو تعريفك للقيادة وللفوز، فإن شخصيات مثل ماكين وتشيني ورومني تعترض طريقك.
وينبغي عليك أن تجرِّد كل من حولك من الشخصية، وأن تجعل كل شيء يدور حول تأمين السلطة والمال. وهذا هو السبب في أن الكثير من الأشخاص الذين اقتربوا من ترامب منذ 2015 خرجوا ملطّخين بالوحل. ولهذا السبب أعرفُ أن جميع الأسئلة التي طرحتها سابقاً كانت استنكارية لا تحتاج لإجابة.
أما الطريقة الثانية التي يحاول بها ترامب كسر نظامنا، فقد شاهدناها يوم الثلاثاء في ميامي، حيث أعقب ظهورَه كمتّهمٍ في قضية جنائية فدرالية بحفلِ استقبالٍ سياسي بمطعم كوبي. وهناك، حاول ترامب مرة أخرى الطعن في قواعد اللعبة التي من شأنها تقييده وتقييد شهيته اللامحدودة للسلطة من أجل السلطة. كيف يفعل ذلك؟ أولاً، يجعل الجميع من حوله - وفي نهاية المطاف، الغالبية الساحقة من أعضاء حزبه - يكفّون عن الإصرار على ضرورة التزام ترامب بالمعايير الأخلاقية.
وقد بات أفراد عائلته وزملاؤه في الحزب بارعين في التهرب من ميكروفونات المراسلين بعد كل رد فعل قوي لترامب. ولكن تحديداً لأن الحلفاء السياسيين الرئيسيين وقادة الكنيسة وأفراد الأسرة المقربين يمتنعون عن انتقاد ترامب بسبب تجاوزاته - الأمر الذي كان سيجعل محاولة إعادة انتخابه في 2024 أمراً لا يمكن التفكير فيه وكان سيسرّع رحيله عن المشهد السياسي – فإننا مضطرون للاعتماد فقط على المحاكم من أجل الدفاع عن قواعد اللعبة.
*كاتب أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»

شارك الخبر على