مايك بنس.. ترشح غامض

١١ شهر فى الإتحاد

بعد أن أمضى عامين ونصف العام وهو يقابَل بهتافات الاستهجان من جماهير الحزب «الجمهوري» والسخرية على وسائل التواصل الاجتماعي، قرر مايك بنس أن الشعب الأميركي بات أخيراً مستعداً له. وهكذا، ومع انتهاء فترة التأمل الإلزامية، قدّم نائبُ الرئيس الأميركي السابق رسمياً أوراق ترشحه. والواقع أنه ليس هناك أي غموض بشأن ما إن كان «بنس» يستطيع التغلب على الرئيس السابق دونالد ترامب والاستيلاء على زعامة حزبه. ولكن الغموض يتعلق بلماذا يعتقد أنه يملك فرصة أصلاً. 
بنس هو نقيض الجاذبية السياسية المعاصرة، إذ ينفر كلا من «الجمهوريين» و«الديمقراطيين» والمستقلين. وباعتقاده المحيّر بأنه يمكن أن يصبح رئيساً، يُظهر أن سطوة الطموح يمكن أن تغطّي حتى على عقل أكثر السياسيين خبرة. وحتى إن كان «بنس» يذكّرك بمدير محلي لشركة متوسطة الحجم في ولاية إنديانا، فإنه من السهل رؤية كيف استطاع إقناع نفسه بضرورة أن يكون رئيساً. فسيرته الذاتية تحتوي على كل المحطات التقليدية التي على الطريق إلى البيت الأبيض: فترة في الكونجرس، ثم ولاية كحاكم لولاية، ثم الفترة التي قضاها نائباً للرئيس. أما في ما يتعلق بالمواضيع، فاللافت أن «بنس» قلما تحدث بكلمة تعارض أو تنشق عن الخط المحافظ، سواء بخصوص الضرائب أو شبكة الأمان الاجتماعي أو الإجهاض. إنه مسيحي متدين، إيمانه قوي وصادق في حزب مليء بالإنجيليين. ثم ألا يمنح كونه نائب رئيس سابق ترشحه شرعيةً أوتوماتيكيةً؟ الواقع أنه إذا استطاع جو بايدن أن يفعلها، فلماذا لا يستطيع «مايك» أن يفعلها أيضاً؟هذا هو السؤال الذي يطرحه كل مرشح ذي حظوظ ضئيلة في الفوز: لماذا لا أكون المرشح؟ والواقع أن الحملات الانتخابية جنونية ولا يمكن التنبؤ بها. إذ لا يعرف المرء أبداً ما الذي قد يحدث. ولكن المشكلة هي أنه ليست هناك تقريباً أي مجموعة مهمة من الناخبين لا تكره بنس لسبب أو لآخر. وإذا كان ترامب قد أضافه إلى قائمته في انتخابات 2016 لتقوية دعم اليمين المسيحي لترشحه، فإن ولاء هذه المجموعة لترامب أضحى قوياً جداً لدرجة أن بنس أصبح ذا أهمية ثانوية، ثم إن رئاسة ترامب أظهرت أن ما يريده الإنجيليون ليس شخصاً يؤمن بما يؤمنون به، وإنما شخصاً يسحق أعداءهم بأكبر قدر ممكن من الوحشية، ثم هناك أحداث 2 يناير 2021. فـ«الجمهوريون» الأكثر محافظة، الذين يرغب بنس في استمالتهم، باتوا الآن موالين لترامب أكثر من أي وقت مضى. كما أنهم الأشخاص الذين يصفون بنس بالخائن بسبب أحسن شيء قام به حين كان نائباً للرئيس: مقاومة ضغوط ترامب الفاسدة لتأخير عملية الفرز الانتخابي في الكونجرس حتى يستطيع الرئيس السابق قلب النتيجة. وحينما سيثار موضوع أحداث 6 يناير على نحو لا مناص منه، سيجد بنس نفسه محاصَراً. فهو يقول (على نحو صحيح) إن القانون لم يمنحه سلطة وقف عملية الفرز. والحال أن ذلك يجعل الأمر يبدو كما لو أن ولاءه للقوانين يفوق ولاءه لترامب. وهو ما كان صحيحاً في الحقيقة، في تلك اللحظة على الأقل. ولكن ترامب علَّم القاعدةَ أن القوانين للمغفلين. كما أن الخيار الآخر -- تصوير نفسه على أنه بطل أنقذ الديمقراطية في مواجهة فساد ترامب -- غير ممكن أيضاً لأنه سيعرِّف ترامب على أنه عدو الديمقراطية. وبعد سنوات محرجة من التملق لرئيسه -- حتى بمعايير المتملقين الذين يحيط ترامب نفسه بهم دائماً – فإن بانس لا يملك بكل بساطة القدرة على تحدي ترامب، حتى وإن لم يضطر لقول آخر شيء يودّ الناخبون الجمهوريون سماعه.إذا كان شخص ما سيهزم ترامب في الانتخابات التمهيدية، فسيتعين عليه أن يجعل قاعدة الحزب تشعر بشيء على نحو ما يفعله ترامب. شيء مثير وقوي. فهذا هو ما أصبحوا يتوقعون من زعمائهم، وقد ولت منذ زمن بعيد الأيام التي كان يمكن فيها لشخصية مملة مثل بوب دول أو ميت رومني الحصول على الترشيح الحزبي. في الانتخابات العامة، سيقدّم بنس للناخبين أسو ما هو ممكن في العالم: مرشح مفتقر للكاريزما يدافع عن سياسات «جمهورية» تفتقر للشعبية. والحال أن الناخبين لا يرغبون في شخص يقول لهم لماذا ينبغي خفض ضرائب الأغنياء وحظر الإجهاض، بطريقة زوج أم يشرح لربيبه سبب معاقبته طيلة بقية العام الدراسي. وفي الأثناء، يشير متوسط استطلاعات الرأي الحديثة إلى أن ترامب يحظى بدعم 53 في المئة من الناخبين«الجمهوريين» في الانتخابات التمهيدية، وهو تقدّم قوي على حاكم ولاية فلوريدا «رون دي سانتيس»، الذين يبلغ متوسط دعمه في استطلاعات الرأي نفسها 22 في المئة. أما دعم بنس، فيبلغ 3.8 في المئة. بعبارة أخرى، مقابل كل «جمهوري» يدعم بنس هناك 25 «جمهورياً» لا يدعمونه. ربما يمنّي «بنس» النفس بأنه حينما يذكّرهم بكل ما يؤمن به وبما فعله، فإنهم سيسارعون لدعمه. ولكن ما لم يقله هو لماذا. المرشحون الآخرون الذين لديهم حظوظ ضئيلة في الفوز في الانتخابات التمهيدية وفي الحصول على الترشيح الحزبي لديهم شيء يشبه الأسباب المنطقية. فـ«نيكي هالي» تصوّر نفسها على أنها زعيمة جيل جديد من المحافظين. وتيم سكوت يقدم تياراً محافظاً عبارة عن يمين قوي وصلب في جوهره ولكنه أكثر لطفاً وتهذيباً في شكله. أما بانس – الذي قد يبدو في لحظة من اللحظات كما لو أنه صُنع في مختبر ليصبح مرشح الحزب الجمهوري (مخضرم! ومحافظ! ومتدين!) – فهو بالضبط ما لا يرغب فيه أحد. 
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنسينج آند سيندكيشن»

شارك الخبر على