الصحافة مطالبة باسترجاع الثقة المفقودة نتيجـــــــــــة الإعـلام الجـديـد بحرفيـة السعـي وراء الحقيقـة

١٢ شهر فى البلاد


المحتوى الإخباري يبقى سيد الموقف مهما تطوّرت الأدوات الرقمية وتغيّرت أساليب النشر


الصحف تقف على مفترق طرق مصيري نتيجة الذكاء الاصطناعي وأفضلية انتشار وسائل التواصل الاجتماعي


“تشات جي بي تي” سلبياته أكثر من إيجابياته ومايزال سطحيًّا في تعاطيه الإعلامي


هجرة العقول الإعلامية لقطاعات أخرى ونقص الدعم وشح الإعلانات أبرز التحديات


روبوتات المحادثة سلاح ذو حدين للصحافة ولا مفر من مجاراتها إعلاميًّا


الصحافة القريبة من الناس الترياق الأمثل لعلاج آفة الأخبار الكاذبة ذائعة الصيت


الإعلام المسؤول يعالج القضايا المحلية ويحل المشاكل المجتمعية بعيدًا عن الأخبار المفبركة


انتشال الصحافة من عنق زجاجة التحوّل الرقمي بالابتكار والتفكير خارج الصندوق

أجمع المشاركون في مؤتمر الصحافيين العالمي 2023 المقام مؤخرًا في سول عاصمة كوريا الجنوبية وبمشاركة “البلاد”، على ضرورة أن تضطلع الصحافة المحلية بدورها التنموي في المجتمعات التي تنشط فيها من خلال إنتاج محتوى إخباري معمّق يحاكي احتياجات المواطنين بغية زيادة تأثيرها الإيجابي ومضاعفة مساهمتها في حل المشكلات المجتمعية.
 وأكد إعلاميون يمثلون 50 دولة حول العالم أن الصحافة التقليدية تقف على مفترق طرق مصيري يتوجّب عليها استرجاع الثقة التي فقدتها نتيجة انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وعدم مجاراتها السريعة للتحول الرقمي، حيث أصبحت الأخبار المفبركة أسرع وأسهل انتشارًا من الحقيقة، ولن يتأتي ذلك دون أن تركز على القضايا المحلية بكل شفافية وأن تكون أقرب من الناس وتدحض الشائعات وكل معلومة مفبركة. 
 وشددوا على أن مهمة الصحافي تكمن في استقاء المعلومات من مصادرها الحقيقية والاستناد على الحرفية في الطرح والصياغة الخبرية، مما يجعله يحافظ على تفوقه في الصراع المصيري مع الذكاء الاصطناعي بعيدًا عن الاعتماد على معلومات ثانوية ولّدتها تكنولوجيا “تشات جي بي تي” وغيرها من تطبيقات ذكية.. كما يتوجّب على الصحافيين مواصلة التركيز على التطوير والابتكار في الذكاء الاصطناعي فيما يتعلق بأرشفة البيانات وتخزيها وأدوات البحث وأنظمة البرمجة والتشغيل وبناء موارد البيانات الإلكترونية. 
 ولفت الإعلاميون إلى أنه لا حاجة للشعور بالخوف أو القلق من “تشات جي بي تي” أو الذكاء الاصطناعي في الصحافة طالما كان المحتوى هو سيد الموقف في معادلة نشر الأخبار عبر أي منصة تقليدية أو إلكترونية أو في الإعلام الجديد، فمهما تغيرت أساليب النشر وأدوات التكنولوجيا الحديثة في عصر التحول الرقمي يبقى المحتوى هو الملك.
 

11 ألف صحافي من 203 مؤسسات إعلامية في كوريا
صرّح كيم دونغ هون رئيس جمعية الصحافيين في كوريا الجنوبية: “نظمنا مؤتمرنا خلال السنوات الثلاث الأخيرة افتراضيًّا بسبب جائحة كورونا (كوفيد-19)، ليكون مؤتمر هذه السنة بنسخته الحادية عشرة مغايرًا بحضور 70 صحافيًّا يمثلون 50 دولة حول العالم الى كوريا الجنوبية لتبادل الأفكار ووجهات النظر المهمة حول مستقبل الصحافة في عصر الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي وثورة الإعلام الجديد”. 
 وبين هون أن الجمعية الكورية تحتفل بمرور 59 عامًا على تأسيسها منذ العام 1964 وينضوي تحت مظلتها 11 ألف عضو من 203 مؤسسات إعلامية من صحف وقنوات تلفزة واتصالات ومنصات إلكترونية وغيرها، لافتًا إلى أن الجمعية أدركت منذ تأسيسها أهمية التبادل المعرفي والارتكاز على مبدأ “بناء روابط أقوى مع الصحافيين حول العالم”. وانضمت الجمعية في العام 1966 للاتحاد الدولي للصحفيين كعضو كامل وشاركت بفاعلية في مجتمع الصحافة العالمي. وبدأت الجمعية بتنظيم مؤتمر الصحافيين العالمي منذ العام 2013”. 
وأضاف هون بالقول: “تدخل الصحافة حقبة جديدة كليًّا مع خوض غمار التحول الرقمي وتطور الذكاء الاصطناعي على غرار تشات جي بي تي والتي ما تزال فكرة تحولها إلى أزمة أو فرصة للصحافة قيد البحث والدراسة”. 
ولفت هون بالقول: “إن العلم والمعرفة المتقدمة والتكنولوجيا الرقمية تشهد تطورًا أسرع من أي وقت مضى، فإذا لم نجهز أنفسنا للمستقبل فإن الصحافة قد تواجه أزمة مصير غير مسبوقة، ولذا يتوجّب علينا ابتكار حلول نوعية وعملية عاجلة تنتشل الصحافة من عنق الزجاجة. ورغم اختلاف الثقافات والجنسيات والأعراق والأفكار، إلا أن جميع الصحافيين يتشاركون نفس الهدف في السعي وراء الحقيقة والحرية والسلام”. 

النقد البناء سلاح إعلامي ناجع لحل المشكلات المجتمعية 
ناقشت الجلسة النقاشية الأولى في المؤتمر تحدي الصحافة في التنمية الاقليمية، حيث أكد رئيس جمعية صحفيي جوانغجو جيونام الكورية، ميانغ داي هوان أهمية دور الصحافة في تعزيز الازدهار الإقليمي من خلال التركيز على قضايا الساعة المحلية في كل دولة وإقليم.
وسلّط هوان الضوء على أزمة تعاني منها كوريا الجنوبية حاليًّا والمتمثل في ضعف معدل خصوبة السكان والذي تسبّب في التناقص السكاني إلى درجة أن عدة مناطق وقرى على مستوى الجمهورية مهددة بالانقراض، وهنا تكمن أهمية الصحافة في إبراز هذه المشكلة وإيجاد حلول جذرية لها. 
وقال هوان “انخفض إجمالي معدل المواليد في كوريا الجنوبية العام الماضي إلى 0.78 مولود لكل امرأة والذي يعتبر أقل معدل منذ سبعينيات القرن الماضي. وأقل 0.03 من العام الذي سبقه. منذ 2013، سجلت كوريا الجنوبية أقل معدل مواليد بين دول منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي (OECD) لتكون الدولة الوحيدة بمعدل أقل من 1 مولود لكل امرأة في العام 2020. كما كان إجمالي معدل المواليد في كوريا الجنوبية العام الماضي أقل من نصف متوسط دول المنظمة البالغ 1.59 مولود لكل امرأة”.
وأضاف هوان “منطقة جوكسيونغ تعاني الأمرّين مع بلوغ معدل المواليد فيها صفرًا في العام الماضي. كما تم إغلاق 49 مدرسة ابتدائية في منطقة جيولانام بسبب عدم وجود طلبة أو أطفال لتشكل 10.4 % من إجمالي المدارس هناك، يقابلها انخفاض حاد في الطلب والإقبال على عيادات الأطفال ومراكز الرعاية الصحية لصغار السن”. 
وأكد هوان أن النقد البنّاء ضروري لإيجاد حلول جذرية لهذه المشكلة المتفاقمة في كوريا الجنوبية، فالصحف المحلية يجب أن تركّز على إنتاج أخبار محلية معمقة لزيادة تأثيرها ومساهمتها في حل المشكلات المجتمعية، مستطردًا بالقول: “ففي الوقت الذي تقوم فيه الحكومات بتنفيذ سياسات تشجع على الإنجاب ودعم الرعاية الصحية للأطفال، تقوم الصحافة بتقييم مدى فعالية هذه السياسات واقتراح البدائل أو حلول مقترحة أخرى”. 

كل من يقتني هاتفًا ذكيًّا أصبح إعلاميًّا!
 بدوره، تحدّث مدير الإعلام والشؤون العامة في مؤسسة البث الإذاعي في سيراليون، محمد أسميو باه عن واقع وتحديات العمل الصحافي والحراك الإعلامي في سيراليون التي شهدت افتتاح أول محطة تلفزة وأول صحيفة على مستوى غرب افريقيا لامتلاكها تاريخًا غنيًّا بسبب تفاعلها المبكر مع المستعمرين البريطانيين، حيث سجّلت قصص نجاح كبيرة في عدة مجالات بما فيها الصحافة، ففي الوقت الذي كانت فيه الدول الافريقية في ذلك الوقت تحلم فقط في وجود صحف ومؤسسات إعلامية، كانت صحف سيراليون تقرأ في عدة مناطق ومدن على مستوى القارة السمراء. ولكن في القرن العشرين، لم تستطع للأسف سيراليون الحفاظ على أمجادها الإعلامية مع نشأة عدة دول تهتم بالإعلام وتميز ممارساتها الصحفية. 
وأضاف باه “كما هو الحال مع العديد من الدول النامية، يواجه قطاع الإعلام في سيراليون جملة من التحديات من بينها التدخل السياسي من قبل القوى الحكومية والحزبية ونقص الإعلانات والتمويل وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي تعتبر كحقيقة واضحة يتم تجاهلها أشبه بـ (فيل في الغرفة) يصعب التغافل عن مشكلة تواجده التي تجعل دور الصحافة مهمشًا وعديم المنفعة، مع تحول كل من يقتني هاتفًا ذكيًّا إلى ناقل للمعلومة دون أي اعتبار لأي مبادئ مهنية أو معايير احترافية أو أخلاقية”.
 وأكد باه أن وسائل التواصل الاجتماعي أصابت الصحافة في مقتل مع سرعة نقل المعلومات والأخبار عبر الهواتف المحمولة بطريقة تهمش دور الصحافة والراديو وحتى التلفزيون، مما يصعب مهمة الإعلام التقليدي ويجعل مصيره على المحك. كما عزا قلة المردود الإعلاني للصحف إلى لجوء الشركات وأصحاب المؤسسات التجارية وغيرها إلى إنتاج فيديو ترويجي عن خدماتهم ومنتجاتهم ونشره في وسائل التواصل الاجتماعي بكلفة أقل وبمستوى انتشار أسرع وأكبر. 
 وتابع بالقول “تعاني وسائل الإعلام في دول غرب افريقيا من هجرة العقول الإعلامية إلى قطاعات ومهن أخرى بسبب ضعف القطاع ماليًّا ولم يعد يملك مستقبلًا مزهرًا كما كان في السابق، وتحول معظهم إلى خبراء علاقات عامة وغيرها من الوظائف ذات الأجور الأعلى من الصحافة لتحسين مستواهم المعيشي”. 
 وبيّن أن الدور الرئيسي للصحافة يرتكز على مراقبة المجتمع والوقوف على أبرز قضاياه وتحدياته حتى تصبح غنية بمحتواها بعيدًا ولتكون قادرة على الحد من فقرها الناجم عن ضعف الاستثمار والتمويل، لافتًا إلى أن الصحافة في سيراليون تعاني من شح الاستثمار مع ارتفاع التضخم وإغلاق العديد من المؤسسات أبوابها وتعثر ملاك المؤسسات الإعلامية وتضاعف أسعار مواد الطباعة. 

شنّ حرب إعلامية مهنيّة على “الحقائق البديلة”
 من جانبه، قال بابلو ليون صحفي في صحيفة لي بيس الاسبانية، إن البشرية في القرن الحادي والعشرين تعيش تحت تهديد مستمر من تغير المناخ والرأسمالية وتأثير تطور التكنولوجيا والتحول الرقمي والتضخم وبروز القطبية السياسية وانتشار المعلومات المضللة والأخبار المفبركة واقتحام الشعبوية السياسية، كذلك الحال مع حركات التمرد والانقلاب على الحكم في عدد من الدول تحت ذريعة الدعوة للديمقراطية والحرية، ولكن في باطنها أكاذيب هدفها تحقيق مآرب شخصية وتلاعب بالألفاظ.
 واستعرض ليون التجربة الأوروبية وبخاصة الاسبانية في تعاطي الحكومات مع الإعلام في القرن العشرين واللجوء في كثير من الأحيان إلى التضليل لتحقيق الأهداف السياسية الاستبدادية، خاصة في اسبانيا بحقبة الثلاثينيات حينما انتشر الاستبداد الذي كان أن يستشري في أوروبا كلها وبخاصة في كل من المانيا وروسيا. 
وأوضح ليون أن العالم شهد في القرن الواحد والعشرين ثورة الإنترنت وتفشي وسائل التواصل الاجتماعي لتتحول إلى سلاح ذي حدين جانبها السلبي طغى على جانبها الإيجابي في محاولة التلاعب بالحقائق مع دغدغة مشاعر المتلقين للمعلومة وتغيير طريقة تفكيرنا وتصرفاتنا إلى درجة التحكم بعقولنا واستدراجنا للوقوف إلى طرف على حساب طرف آخر. 
 ويرى ليون أن علامات استفهام كثيرة تحوم حول مصير الحقيقة في عالم اليوم وكيفية نقلها دون شوائب أو تشويه أو بتر للمتلقي، حيث بات المجتمع يعاني من عملية راديكالية تغذيها خوارزميات لا تشجع فقط على النسيان والاندثار، بل تستبدل الحقيقة بما بات يعرف بـ”الحقائق البديلة”.
وأضاف ليون “لقد ساهمت جائحة كورونا الأخيرة في تسارع التحول الرقمي والاعتماد أكثر على استقاء المعلومة من مصادر الكترونية غير تقليدية مما أثر سلبًا على وسائل الإعلام التقليدية. وأصبحت الأخبار المفبركة أسرع وأسهل انتشارًا من الحقيقة وهذا ما نشهده في تويتر وفيسبوك والآن عبر تيك توك التي ساهمت في تدمير الصحافة بنشرها للأقاويل المغلوطة والشائعات المغرضة. وتواجه الصحافة أزمة ثقة ويجب أن تستعيدها من خلال الصحافة المحلية بشفافيتها وقربها من الناس ومعالجة المشكلات باقتراح حلول ناجعة لها لكي تكون مرتبطة بالديمقراطية الصحية”. 
وزاد قائلًا: “بتنا نعيش اليوم ما بات يسمى بحقبة ما بعد العولمة حيث يزيد اهتمام الناس بقضاياهم المحلية بعيدًا عن الأخبار الإقليمية، حيث ساهمت الجائحة في ذلك مع استكشاف الناس لمزيد من التفاصيل في أحيائهم السكنية وبيئتهم المحيطة، مما يجعل الصحافة تلعب دورًا محوريًّا في إبراز قضايا المجتمع المحلي. وباتت الكثير من الملفات المحلية لها تأثيرها الدولي كما هو الحال بمظاهرات باريس ضد تشريعات التقاعد ومشكلات الأرق في كوريا الجنوبية لتصبح أخبارًا دولية يهتم بها العالم أجمع”. 
وأكد ليون أن الصحافة المحلية والمفيدة والقريبة من الناس هي الأداة الناجعة والترياق الأنسب لعلاج آفة الأخبار الكاذبة ذائعة الصيت، ولتكون بمثابة بداية شجاعة جديدة لتطوير أي دولة مزدهرة. 

مركز لمكافحة الأخبار المفبركة
 من جانبه، قال بوراميت تانغساثابورن صحفي في صحيفة بانكوك بوست، إن دمقرطة التحول الرقمي سمح للمستهلكين العاديين أن يصبحوا صحافيين وإجراء تقارير وكتابة أخبار عن مشاهداتهم وتجاربهم سواء أكانت قصصًا خفية أم ظاهرة للعيان. 
واستعرض بوراميت تحديات الصحافة التايلاندية في تغطية الأحداث المحلية والحرص على نقل رأي الناس في ظل القيود الحكومية الكثيرة على حرية الصحافة، لافتًا إلى أن الحكومة التايلندية لطالما كانت المصدر الرئيسي للمعلومة أو الخبر المحلي على أساس المركزية في نقل المعلومة، خاصة عندما يتعلق الأمر في إجراء انتخابات أو غيرها من فعاليات. 
 وبين أن الاستجابة السريعة لطلب المستهلكين تكمن في جعل الأخبار المحلية ذات الصالح العام ذات أولوية لدى الصحفي حتى تنتشر وتصبح مقروءة. 
وأضاف “لطالما عرفت تايلند أنها تكبح جماح الحرية الصحفية وحرية التعبير، وخلال الجائحة عانت الصحافة التايلاندية من المزيد من القيود مع مواجهة عدة عقوبات أو عواقب قانونية خاصة إذا كانت “تمس الأمن القومي”. وقد أسّست تايلند مؤخرًا مركز مكافحة الأخبار المفبركة لضمان مركزية المعلومات ومراقبة من يبثون أي أخبار مضرة بالأمن القومي مما يصعب من مهمة الصحافيين ويجعلهم مترددين في كتابة أي تقرير محلي”. 
وبين أن الحل في مساعدة الأخبار المحلية على الازدهار والانتشار وضمان عدم تخلفها عن الركب يكمن في ضرورة خلق شبكة بين الصحفيين أو وكالات الأنباء على مستوى الدولة أو المنطقة لجني دعم سياسي على حساب الوكالات العالمية. وضرورة إصلاح وتعديل الأنظمة والقوانين ضد الصحافة لضمان مزيد من الحريات الصحفية وحرية التعبير وإنشاء صندوق دعم لمساعدة الصحفيين على المضي قدمًا في عملهم. إضافة إلى تنظيم دورات تدريبية إعلامية من قبل وكالات الأنباء العالمية لتمكين الوكالات المحلية من العمل باحترافية اكثر. 

تطوير تطبيقات إخبارية ذكية للهواتف المحمولة
 وتطرقت الجلسة النقاشية الثانية للمؤتمر لموضوع الريادة في حقبة التحول الرقمي ومستقبل الصحافة، حيث أكد نائب رئيس تحرير مركز الإعلام الجديد في وكالة الأنباء الصينية “شينخوا”، زهو نينغ أن التطوير والابتكار والتكامل باتت عناصر مهمة في تطوير المؤسسات الإعلامية الكبرى في الصين مع توجه وكالة الأنباء الصينية “شينخوا” إلى التسخير الأمثل لمنافع تكنولوجيا المعلومات وانترنت الموبايل وتعزيز التكامل الأمثل لمعادلة المحتوى مع التكنولوجيا والالهام وأخلاقيات العمل الصحفي وذلك في مسعاها المستمر في خلق تجربة محتوى أخباري رقمي وتفاعلي.
 واستعرض نينغ تجربة الوكالة مع مواكبة أحدث ما توصّلت إليه التكنولوجيا في الإعلام الرقمي من خلال إطلاق تطبيق إخباري للهواتف الذكية باللغتين الصينية والإنجليزية، حيث تم تحميله 440 مليون مرة بالنسخة الصينية، ليكون التطبيق الاخباري الرقم واحد على مستوى الصين، فيما تم تحميله 15.6 مليون مرة بالنسخة الانجليزية. إضافة إلى تسجيل 40 مليون متابع عبر تطبيق “وي تشات” النسخة الصينية من واتساب و109 ملايين متابع عبر تطبيق “ويبو”. 
ونوّه إلى أن “شينخوا” تعمل حاليًّا على إنشاء أول قسم للتحرير الذكي والذي يرتكز أساسًا على الذكاء الاصطناعي لعمل حوارات بشرية بما يخدم تطوير العمل الصحفي والمنتج الإعلامي بجميع جوانبه. 
واستعرض نينغ إيجابيات وسلبيات “تشات جي بي تي” التي تشمل إمكانيات تحليلية متطورة لتشفير وتخزين ومعالجة وتحميص البيانات بنفس العقل البشري، ولكنه يملك أخطارًا مخفية ترتبط بتحسين المحتوى الناتج عن الذكاء الاصطناعي وضمان عدم تشويهها أو تحريفها أو إخراجها عن سياقها، مع تزايد مخاطر الهجمات الإلكترونية واسعة النطاق. 
وأضاف “يتوجّب على الصحافيين مواصلة التركيز على التطوير والابتكار في الذكاء الاصطناعي فيما يتعلق بأرشفة البيانات وتخزيها وأدوات البحث وأنظمة البرمجة والتشغيل وبناء موارد البيانات الإلكترونية. مع تطبيق أحدث التطبيقات في الذكاء الاصطناعي بإنتاج الأخبار وإعداد تقارير عن آخر المستجدات في الذكاء الاصطناعي”. 
وزاد قائلًا “لا حاجة لنشعر بالخوف أو القلق طالما كان المحتوى هو الملك أو المسيطر في معادلة نشر الأخبار عبر أي منصة تقليدية أو إلكترونية أو الإعلام الجديد. فمهما تغيّرت أساليب النشر وأدوات التكنولوجيا الحديثة في عصر التحول الرقمي يبقى المحتوى هو سيد المعادلة الإعلامية والخبرية”. 
وشدّد نينغ على أن مهمة الصحافي تكمن في استقاء المعلومات من مصادرها الحقيقية والاستناد على الحرفية في الطرح والصياغة، مما يجعله يحافظ على تفوقه في الصراع مع الذكاء الاصطناعي بعيدًا عن الاعتماد على معلومات ثانوية ولدها تشات جي بي تي وغيره من روبوتات المحادثة. 

منافع “الصحافة التشاركية” مع عامة الناس
من جهتها، تحدّثت ثيس تشين صحفية في قناة فرانس 24 الإخبارية الفرنسية، عن تجربة موقع وقناة “ذي اوبزيرفرس” التي شكلت شبكة مكونة من 5,000 شخص حول العالم من أناس عاديين ينقلون صورهم ومشاهداتهم البسيطة ليتم تحليلها خبريًّا والتي تعتمد على مصطلح “الصحافة التشاركية” مع عامة الناس الذين يرغبون بمشاركة صورهم ومحتواهم المصور ومعلوماتهم التي رصدوها أونلاين ويمكننا مشاركتها بلمسة إعلامية منقحة. 
 وترتكز التجربة بحسب تشين على تحويل محتوى التواصل الاجتماعي إلى محتوى إخباري مع التدقيق والتأكد من صحة المعلومات والسرد القصصي والتحليل. والتمكن من تغطية أحداث في أماكن يصعب تغطيتها إعلاميًّا كما هو الحال مع دول مثل إيران والكونغو ومالي وبوركينافاسو. 
وذكرت أن “تشات جي بي تي” أداة ذكاء اصطناعي رديئة السمعة إعلاميًّا، حيث قامت بتجربتها في الإجابة على سؤال حول مستقبل الصحافة في حقبة التحول الرقمي، ليجيب عليها بالآتي: “مع نشأة الإنترنت وأجهزة الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي يتوجب على المؤسسات الاعلامية تبني ممارساتهم الخاصة حتى يبقوا منافسين في بيئة إعلامية آخذة في التغير السريع”، ليتضح بأنها إجابة سطحية جدًّا ليس فيها عمق أو أمثلة أو صياغة متزنة ولا أساس لها في الحياة الواقعية. فهو مجرد متحدث لبق وهو ما آلت إليه الحال فعلًا مع المعلومات المنبثقة عن المنصات الرقمية. 
وأكدت أن وظيفة الصحافي هذه الأيام تكمن في انتقاء المعلومات الصحيحة في غابة متخمة بالبيانات المفبركة في وسائل التواصل الاجتماعي مع استكشاف اليات جديدة للبحث والتمحيص وصولا إلى الحقيقة. كما يمكن الاستفادة من استخبارات المصادر المفتوحة إعلاميًّا كإحدى أدوات التحول الرقمي الجديدة. والعالم الرقمي جعل الصحافة المكتبية جبهة أخرى جديدة مهمة في عالم الصحافة وأهميتها تضاهي الصحافة الميدانية. كما أصبح التحقق من صحة الصور والمعلومات عنصرًا مهمًّا في الصحافة الحديثة. 

الانتقال لعصر إحلال الماكينات مكان العمالة الذهنية للبشر
 بدوره، قالت ريو هيون جونغ مدير فريق التخطيط الرقمي في صحيفة تشوسون إلبو الكورية إن البشرية تنتقل حاليًّا من العصر الأول من الماكينات التي حلّت مكان القوة الجسمانية للبشر ووظائفهم الجسدية إلى العصر الثاني من الماكينات التي تحل مكان العمالة الذهنية للبشر. 
 وبينت جونغ أنه يتوجّب على المؤسسات الإعلامية اتخاذ خطوات جذرية وتحول شمولي لعملياتهم من خلال الاستفادة من الذكاء الاصطناعي لتخفيف عبء الكتابة الروتينية وغيرها من مهام إعلامية اعتيادية، إذ سيكون هنالك تغيير جذري في آليات التوزيع والإنتاج الصحفي. وترى أن دور الصحافة ومسؤوليتها في عصر الذكاء الاصطناعي جوهري في ظل تفاقم الأخبار الكاذبة والشائعات المدعمة بالصور المفبركة. وستكون قصص الصحافيين المستندة على الحقائق ومصادر المعلومات الموثوقة خط الدفاع الأخير لحماية البشرية.
ويتوجّب على الصحافيين، بحسب جونغ، تسليط الضوء على العلاقة بين الوجود البشري والتكنولوجيا مع تهديد الذكاء الاصطناعي لعشرات الوظائف التي ستختفي مع ابتكار وظائف اخرى جديدة ومخاوف من مستقبل مظلم لخريجي مناهج مطلع القرن الحادي والعشرين. 

التعلم من الماضي والاستثمار في المستقبل الرقمي
 من جهتها، قالت أنوبا مرشد محرر أول تخطيط المحتوى الرقمي في صحيفة غلف نيوز الاماراتية، إن تكامل غرف الأخبار عنصر مهم في نجاح الصحافة في العصر الجديد من الذكاء الاصطناعي، حيث يتوجّب توحيد رؤية جميع الاقسام من تسويق وتحرير وصحافة ومالية وموارد بشرية حتى تكون المؤسسة الإعلامية قادرة على مواجهة أي تحد أو مفاجأة غير متوقعة في حقبة التحول الرقمي. 
 وأضافت “يتوجب على غرف الأخبار مواكبة التقدم الرقمي في كل شيء وتقبل التغيير بأسرع وتيرة ممكنة للبقاء على قيد الحياة واستكشاف منصات إخبارية جديدة على الدوام. لم يعد الناس يثقون بوسائل الإعلام التقليدية مع سيطرة وسائل التواصل الاجتماعي على المشهد الإخباري والإعلامي بما تبثه من مغالطات وشائعات لا أساس لها من الصحة وانتشارها سريع كالنار في الهشيم. كما أن المؤسسات الإعلامية مطالبة بابتكار نماذج ايراد جديدة. وقد حان الوقت في وضع الأساسات لحقبة جديدة من الصحافة من خلال التعلم من الماضي والاستثمار في المستقبل الرقمي”.

 

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على