بعد إطلاق تكنولوجيا الملتيميديا القوية (GPT ٤)..هل يقود الذكاء الصناعي مستقبل صناعة الإعلام؟

حوالي سنة فى كونا

من الهيثم صالح (تقرير إخباري)

الكويت - 9 - 4 (كونا) -- لم يكد العالم يتجاوز الصدمة التي أحدثتها شركة التكنولوجيا الأمريكية (أوبن.أيه.آي) بروبوت المحادثة المتطور (GPT-3) حتى ألحقته بنسخته الأقوى متعددة الوسائط (GPT -4) للوصول سريعا إلى الذكاء الصناعي المحاكي لقدرات البشر مما أثار تكهنات بسطوة وشيكة للآلة على صناعات كثيرة أبرزها المحتوى والإعلام.
ففي فيديو نشرته على موقعها الإلكتروني منتصف مارس الماضي أوضحت (أوبن.أيه.آي) أن (GPT-4) مزود بقدرات الملتيميديا (الصور والنصوص) التي تحفز على إنشاء محتوى جديد كما يستوعب 25 ألف كلمة مقارنة بثلاثة آلاف في نسخته السابقة بل بإمكانه حل المعادلات الرياضية المعقدة وشرحها وتصميم مواقع الويب باحترافية عالية انطلاقا من مجرد رسم بسيط قد يكون بخط اليد.
وقال رئيس المجموعة العالمية للذكاء الصناعي في لندن البروفيسور جاسم حاجي لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) اليوم الأحد إن (GPT-4) سيحدث تطورا كبيرا في صناعة الإعلام بفضل قدراته الهائلة على تبسيط المعلومات وتلخيص المقالات الطويلة لمساعدة الصحفيين على استيعاب الأفكار قبل إجراء المقابلات وعمل العصف الذهني واقتراح الأسئلة.
وأوضح حاجي أن الذكاء الصناعي قادر كذلك على إدارة خدمات الرسائل الإخبارية القصيرة ومنصات التواصل الاجتماعي للمؤسسات الإعلامية بكفاءة عالية والمساهمة في إنتاج الفيديو الرقمي وتلخيصه وفهرسته وفي المونتاج بإزالة الضوضاء وتشخيص الأخطاء وضمان أفضل جودة للفيديو وتخصيصه للجماهير أو ضعاف السمع مثلا "والآن وسط مزايا التعرف البصري وتحليل الفيديو المعمق هناك احتمالات كثيرة".
وذكر أن عدة مؤسسات إعلامية عالمية بدأت توظيف الذكاء الصناعي في الكتابة على المنصات الرقمية باستخدام أنماط اللغة الهندسية لتحديد النص التنبؤي "وهذا يعني أن الآلة تكسر قطعة من النص وتستخدم الخوارزميات للكشف عن الأنماط داخل تلك الكلمات".
وقلل من المخاوف بشأن انتشار المعلومات المضللة والتزييف لأنه "في ظل تطور التكنولوجيا المضادة وتقنيات التدقيق بات ممكنا كشف التزييف العميق في الوقت الفعلي بتحليل وحدات البيكسل للفيديو مثلا للبحث عن علامات تدفق الدم وغيرها".
ونبه حاجي إلى أن تلك القدرات المتطورة في التحليل والتحرير "ستفقد الكثير من الصحفيين التقليديين وظائفهم" مستطردا: "دعني أقول بصراحة إن الذكاء الصناعي سيؤثر في فرص توظيف الصحفيين.. وفي المستقبل سيبقى فقط من يمتلكون مهارات الصحافة الإبداعية وقيادة التكنولوجيا".
وأوضح أن (GPT-4) أقوى ب 500 مرة من GPT-3 لأنه خضع لتدريبات شديدة ومعقدة على 10 تريليونات كم من البيانات مقابل 175 مليار كم من البيانات في النسخ السابقة التي كانت منذ بضعة أسابيع فقط هي الأضخم على الإطلاق في وادي السليكون.
وذكر أن (GPT-4) قادر على التعرف على الصور واقتراح التعليقات لها وكتابة موضوعات عنها وهو أقل احتمالا بنسبة 82 في المئة للاستجابات غير الدقيقة (الهلوسة) وهي من أهم تحديات الذكاء الصناعي.
وبين أن (GPT-4) يعتمد على تكنولوجيا "التعلم العميق" وهي خوارزميات تحاكي الخلايا العصبية تخضع من خلالها الآلة لكميات هائلة من البيانات عبر هندسة الشبكات العصبية لجعلها تكسر أغلال "الذكاء الصناعي المحدود" وتتمكن ليس فقط من التعلم الذاتي والتفكير المستقل والاستنباط بل الأهم رؤية الصور كما نراها وتحليلها والاستماع للأصوات والتعرف عليها واتخاذ ردود الفعل عليها.
وأوضح حاجي أن تلك القدرات هي التي مكنت (GPT-4) من اجتياز امتحان ممارسة مهنة المحاماة وكان من بين أعلى الناجحين في امتحانين بجامعتي مينيسوتا وبنسلفانيا.
عمليا عندما بدأت (كونا) بالتعاون مع البروفيسور حاجي تجربة (GPT -4) عرضنا عليه صورة نجح في التعرف عليها بدقة وقال إنها تعود لجزيرة استوائية ووصف المياه "الفيروزية والطبيعة الخضراء والسحب في السماء وقال إن "الجزيرة مكان مثالي للاستجمام واستكشاف الطبيعة من حولها".
كما عرضنا على الروبوت مقالا نقديا مهما كتبه عالم اللغويات الشهير نعوم تشومسكي في (ذي نيويورك تايمز) رأى فيه أن (GPT) لا يمتلك الذكاء الحقيقي أو التفكير النقدي أو الأخلاقي ليرد الروبوت بأنه يحترم رأي تشومسكي لكنه قادر على إنتاج خطاب جديد له معنى وغير منسوخ وفند المقال بالتفصيل وشرح أشكال الجمل واستعرض قدرته كذكاء توليدي في معالجة اللغة الطبيعية.

لكن هذه التطورات المتسارعة تثير بالفعل تساؤلات عميقة عن القدرات الهائلة التي أثبتها الذكاء الصناعي في تغيير الطريقة التي يعمل بها الإعلام بشكل خطير منذ عام 2010 عندما طورت مؤسسة (ناراتيف ساينس) أداة لكتابة القصص الصحفية بالذكاء الصناعي.
وكانت الواجهات المستمدة من تلك البرمجيات هي الخدمة التي أطلقت عشرات آلاف من الكتابات الإخبارية ومنشورات مواقع التواصل الاجتماعي بعدما اختبر الصحفيون والخبراء قدراتها التي جاءت غالبا مذهلة.
فمنذ عام 2014 أنتجت وكالة (أسوشييتد برس) آلاف التقارير الاقتصادية عن أرباح الشركات الأمريكية باستخدام أداة طورتها شركة (أوتميتد إنسايتس) كما تستخدم ال (بي.بي.سي) ووكالة الأنباء الهولندية أدوات أخرى في إدارة الأرشيف وجمع الأخبار وتلخيصها وإعادة صياغتها.
وأطلقت (ذي نيويورك تايمز) في 2015 أداة "المحرر" لمساعدة الصحفيين في التحرير واختيار الكلمات المفتاحية.. وفي 2016 استخدمت صحيفة (واشنطن بوست) روبوت Heliograf لتغطية دورة الألعاب الأولمبية في ريو دي جانيرو وانتخابات الرئاسة الأمريكية وتمكن من إنتاج أكثر من 500 مادة خبرية حظيت بمئات الملايين من النقرات على الموقع.
كما تستخدم وكالة (بلومبرغ) روبوت Cyborge في تحديد البيانات الأساسية في التقارير الاقتصادية لآلاف الشركات وصياغة العناوين الجذابة ونشر التقارير الاقتصادية في ثوان.
وفي 2019 بثت وكالة الأنباء الصينية (شينخوا) فيديو لأول مذيعة أخبار رقمية باللغتين الصينية والإنجليزية وقدمت نفسها قائلة:"أهلا بكم..أنا أول مذيعة بتقنية الذكاء الصناعي في العالم طورتها شينخوا وسوغو (محرك البحث)..اسمي شين شياو مينغ".
بعد ذلك وفي 2020 نشرت (الغارديان) أول مقال كامل يكتبه روبوت هو Chat GPT بعنوان "هل ما زلت خائفا أيها الإنسان؟" للرد على تحذير الفيزيائي الشهير ستيفن هوكينغ بأن تقدم الذكاء الصناعي يعني نهاية الجنس البشري.
وفي تطور هائل أعلنت مجموعة (أكسل سبرينغر) الإعلامية العملاقة في ألمانيا أوائل مارس الماضي صراحة أنه يمكن استبدال روبوت GPT بالصحفيين التقليديين ضمن مساعيها لزيادة الأرباح..وحثت المجموعة المالكة لصحيفة (بوليتكو) الشهيرة صحفييها على التركيز على الصحافة الإبداعية والاستقصائية.
وقال الرئيس التنفيذي للمجموعة ماتياس دويبفنر في رسالة داخلية إلى الموظفين أوردتها (الغارديان) إن "الذكاء الصناعي يتمتع بالقدرة على جعل الصحافة المستقلة أفضل مما كانت على الإطلاق".
إلى ذلك توقع استشاري الإعلام الرقمي في لندن أحمد الشيخ أن تشهد أتمتة الإعلام انتشارا أوسع مع استخدام أنظمة إنتاج المحتوى التي تقلل العنصر البشري وتختصر الوقت وتساعد في تحرير الصور والفيديو وكتابة التعليقات عليها بسرعة ودقة.
وأضاف الشيخ ل(كونا) أن "الذكاء الصناعي بدأ استخدامه أيضا في تحرير المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي بكفاءة عالية بالطريقة المناسبة لكل منصة" لافتا إلى أنه في بريطانيا توجد وظيفة "محرر الذكاء الصناعي فبدلا من أن تحرر الخبر توجد أنظمة للتحرير ومسؤولون عن ذلك".
وأشار إلى أن هناك مبادرات وأقساما لصحافة الذكاء الصناعي في الجامعات ومعاهد الصحافة العالمية.. كما أن (بي.بي.سي) مثلا لديها وحدة مختصة بابتكار أدوات التكنولوجيا التي تساعد صحفييها في عملهم "وهذا ما نفتقده في العالم العربي".
واعتبر أن "الصحافة الرقمية محظوظة بالذكاء الصناعي لأنها أساسا قائمة على الإبداع والسرعة.. والذكاء الصناعي يوفر السهولة ويساهم في إنتاج القصص الجديدة".
والحقيقة أن التاريخ سيسجل ل 2023 أنه عام طفرة الذكاء الصناعي بامتياز ففي ربعه الأول انتشر GPT بنسختيه الأكثر تطورا وسرعان ما ردت غوغل بإطلاق الروبوت Bard في الولايات المتحدة وأوروبا وأدمجت مايكروسوفت الذكاء الصناعي في محرك (بينغ) وأدخلت المساعد الذكي (كوبايلوت) في برامج الأوفيس.
كما أعلنت شركة (ميتا) قبل أيام عن ذكاء صناعي يمكنه التعرف على العناصر داخل الصور ومجموعة من البيانات التوضيحية عليها.. وجعل هذا الطوفان التقني الملياردير الأمريكي إيلون ماسك وآخرين يدعون أخيرا لوقف تطوير أنظمة الذكاء الصناعي مؤقتا من أجل دراسة تأثيراتها.
ورغم أنه لم تتأكد بعد مدى قدرة الذكاء الصناعي على إعادة صياغة مستقبل صناعة الإعلام فإن الخبراء يتفقون على أنه سيحمل تأثيرات "عميقة وواسعة النطاق" بكيفية صنع الصحافة واستهلاكها..بل حتى نحن بمساعدة أدوات صحافة الذكاء الصناعي تمكنا من إعداد وإنتاج هذا التقرير المعمق. (النهاية) ه س ص / ت م

شارك الخبر على