ماذا يحدث لبنوك أميركا؟

حوالي سنة فى الإتحاد

السؤال الأول الذي قد يطرحه أي متابع لما يحدث في بنوك الولايات المتحدة: هل نحن على مشارف أزمة مالية عالمية؟ أعتقد أننا ما زلنا بعيدين عن هذا الاحتمال، وليس هناك أي خوف على بنوكنا أو المؤسسات المالية لدينا، فنحن نجحنا في تخطي أزمة 2008 وغيرها من الأزمات المالية، ولدينا نظام مالي متين وقوي ومستقل، واقتصادنا يتمتع بمرونة كافية لامتصاص أي صدمة، وحتى العمل على تطويعها والاستفادة على المستوى بعيد المدى، كما أنه ليس هناك ارتباط وثيق بين بنوك المنطقة وبنك «سيلكون فالي» الذي تعرض للانهيار بسبب سياساته الخاطئة، والتي أدت إلى حالة ذعر لدى المودعين.
أزمة بنك «سيليكون فالي» تعود أسبابها المباشرة إلى رفع سعر الفائدة، ما أدى إلى توجه البنك إلى استثمار أموال المودعين في سندات الخزينة طويلة الأمد، حيث استثمر البنك مليارات الدولارات، ما أدى إلى خسارته بعد رفع سعر الفائدة، وحين قام بطرح أسهم للبيع، شعر المودعون بالذعر وتراكضوا لسحب ودائعهم وأموالهم، لينهار البنك بسرعة، لكن السلطات الأميركية سارعت لوقف النزيف عبر السلطات المصرفية التي تحاول إعادة أموال المودعين، أما الرئيس الأميركي جو بايدن فقد طمأن أن النظام البنكي متين وقوي، وتعهد بفرض قواعد صارمة لمنع حالات مشابهة في المستقبل، وهو أمر إيجابي لمنع انهيار بنوك كبرى قد تحدث كارثة اقتصادية.
اللافت أن «سيليكون فالي» هو ثالث بنك يفلس خلال مرحلة قصيرة بعد بنك «سيغنتشر» ثم «سيلفرغيت كابيتال بنك» المرتبطين بالعملات المشفرة، ليأتي انهيار البنك الأخير، ويحدث هزة في أسواق المال العالمية، حيث قدرت الخسائر بما يقارب 500 مليار دولار، حيث إن هذا البنك مرتبط بتمويل شركات التكنولوجيا الناشئة، وهو في المرتبة 16 من حيث الأصول، وكثير من الشركات التقنية تدفع لموظفيها من خلال هذا البنك، كما أنه يحتفظ بأموال شركات تكنولوجية عدة، بالإضافة إلى أموال المودعين الذين سوف يحصلون على مبلغ 250 ألف دولار المؤمن عليها، والباقي سيحصلون عليه عند تسييل ممتلكات البنك.
ما حدث هو جرس إنذار مبكر من تداعيات قد تكون خطيرة على مستوى العالم، فقد طالت هذه الأزمة شركات ومنظومات عدة في كل مكان، وتأثرت أسواق المال والأسهم، وهذا دليل على أن أي أزمة داخلية أميركية لن تقتصر عليها فقط، وسبق للولايات المتحدة أن صدرت أزماتها المالية للعالم كي تعيد بناء منظومتها المالية بسرعة وكفاءة.
وفي ظل مخاطر التضخم وعمل السلطات الأميركية الحثيث على رفع سعر الفائدة، بهدف السيطرة على ارتفاع الأسعار في الأسواق، يميل أصحاب القرارات المالية إلى أن ركوداً اقتصادياً أو حتى أزمة مالية يمكن السيطرة عليها أفضل بكثير من تضخم مستمر يفقد الدولار قيمته، ويدخل البلاد في مخاطر جمة، أي باختصار ركود مالي محدود أو أزمة اقتصادية عابرة قد تحمي المنظومة الأميركية الاقتصادية، وهذا هو الهدف من رفع سعر الفائدة المتكرر.
أزمة أميركا والعالم حول التضخم لا ترتبط فقط بحركة أسواق المال بل بالحرب الروسية في أوكرانيا، وزيادة أسعار السلع التي لم تعد تتوافر في الأسواق، وهذه الحرب مستمرة وليس هناك بشائر واضحة لنهاية قريبة، ولا يزال القتال على أشده، وحتى خطط السلم التي تم اقتراحها لا تزال مجرد اتجاهات عامة، وهذا سيعزز من التضخم حول في العالم، ناهيك عن أسباب أخرى ترتبط بسلاسل التوريد التي تقطعت بسبب الحرب وآثار وباء كورونا، وكل ذلك ساهم في تعزيز التضخم الذي تخشاه الولايات المتحدة والتي تفعل كل ما بوسعها لإيقافه وعكسه.
* كاتب إماراتي

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على