ميقاتي الخاسر الاكبر رغم البهلوانيات والوهم الكبير

حوالي سنة فى تيار

كتب المحلل السياسي في “جريدة الرقيب”
بعيداً عن “الهيستيريا” السياسية والنقدية القضائية والوضع المتجه نحو المزيد من التصعيد على كافة الصعد، وبعيداً عن الازمات الانسانية والمعيشية والاقتصادية والضغط الهائل الذي يعانيه اللبنانيون على كل المستويات، وبخلاف جميع من يعيش في لبنان من مواطنين ومقيمين ونازحين ولاجئين – مع بعض الاستثناءات – يعيش رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي في عالمه الخاص والمنفصل عن الواقع، وينظر الى مأساة لبنان واوجاعه من طابقه المرتفع من “فوق” الذي يطلّ على بيروت التي اصبحت مدينة خاوية على عروشها غير مبالٍ بكل ما يحدث “تحت” من كوارث اجتماعية وانهيارات متتالية لما تبقى من لبنان ومؤسساته وكيانه وصيغته.
 
لا يخفى على احد ان السياسة التي يتبعها ميقاتي هي سياسة المماطلة ثلاثية الابعاد وسياسة تسويف الحلول وتضييع الفرص الانقاذية بانتظار ما سيأتي من اشارات معظمها خارجية – وربما كانت هذه المهمة المنوطة به لتنفيذها منذ ما قبل نهاية ولاية الرئيس عون الرئاسية-، لا بل لا يُخفي رئيس حكومة تصريف الاعمال حرصه على ممارسة سياسة تعميق الازمة وتعميق الهوة بين المكونات اللبنانيين وخلق ازمات دستورية نحن بغنىً عنها، بالاضافة الى ممارسة الشعبوية المقنّعة في لبوس انساني ومعيشي كدعواته لانعقاد جلسات لحكومته المستقيلة بشكل مخالف للدستور نصاً ولميثاق العيش المشترك روحاً. ولكن من يعرف ميقاتي جيداً يدرك انه حتى هذه الجلسات لم تكن لتنعقد لو لم يكن ثمة مصالح شخصية يريد ان يتممها.
 
الى ذلك، يؤكد كل من يعرف الرئيس ميقاتي انه ملتزم سياسة النأي بالنفس التي ابتدعها منذ سنوات، لكنه ينأى بنفسه وبحكومته فعليلً عن ايجاد الحلول الناجعة للازمات الضخمة التي يئنّ تحتها لبنان – بقصد او عن غير قصد – رغم مسرحيات انعقاد جلسات مجلس الوزراء التي اتت نتائجها عكسية، وربما كان الاصرار على انعقادها رغم الخلاف الكبير حولها، كان عن سابق تصميم الهدف منه دفع البلاد الى مواجهة بين مكوناته، فرسخّت الانقسام بين مكوّنات الحكومة وحوّلت الازمة السياسية في البلاد الى ازمة دستورية مفتعلة من الممكن ان تؤدي الى مطالبات جدية في النظر بجدوى الدستور وخصوصا اصلاحات مؤتمر الطائف وبالتالي اعادة النظر بصيغة العيش المشترك بين الطوائف في لبنان.
فلا مسرحيات انعقاد الحكومة لجمت انهيار الليرة اللبنانية ولا اوقفت الانهيار الشامل لا بل بالعكس، كانت النتيجة وصول البلاد الى حافية الهاوية نقدياً وسياسياً وقضائياً. ولا العنتريات والاستعراضات التلفزيونية ولا التهويل والمزايدات في المحافظة على حقوق الناس الى حد خرق الدستور استطاعت ان تنجز ولو انجازاً واحداً في اي ملف انساني او اجتماعي.
 
بكل الاحوال، وبالعودة الى العملي، من يعرف الرجل يدرك تماماً انه يهوى اللعب على التناقضات ويرسم سياسته الداخلية بناءً على شبكة العلاقات التي ينسجها شقيقه ان كان في باريس او في غير عاصمة معتمداً بذلك عليها، اي العلاقات، وحدها للإتيان به رئيساً لحكومات كل العهود، ومعتمداً ايضاً والكلام لميقاتي شخصياً امام زواره انه لم يخض الانتخابات النيابية ولم يسعَ لتشكيل كتلة نيابية ترشحه لرئاسة الحكومة، لأنه يفضّل “الشراء عالجاهز” نيابياً وايضاً حكومياً، وهو اليوم ايضاً لا يفوّت فرصة ولا ينعدم وسيلة في تقديم كل ما يلزم تقديمه من عروضات وصفقات منها ما هو صار معلوماً (صفقة المرفأ مثلاً) ومنها لا يزال في طور الانجاز وذلك لاحدى الدول الراعية له، حتى اصبح الرجل واحداً من اهم “محاربي الفساد” وهو يتعرّض الى المضايقات من باقي الاطراف السياسية في معركته ضد الفساد وتطبيق الاصلاحات المالية والسياسية، وهنا الكلام للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون.
 
لذلك، اصبح مفهوماً تصرّف ميقاتي تجاه كل من يعترض طريقه والوقوف امام خططه الدولية، واصبح معلوماً التصويب من قِبل اعلامه واعلامييه على النواب السنة في المجلس النيابي الذين لا يستطيع “المونة” عليهم بطريقته ولا يستطيع منعهم في السعي الى تحقيق برامجهم باساليبه المعهودة. لذلك ايضاً يبدو واضحاً ان طريق السراي لم يعد سالكاً كما كان سابقاً وعلى الرجل ان يعيد حساباته الرئاسية والنيابية والتقليل من البهلوانيات في الداخل وعدم الاعتماد على نجاجه في تأمين الصفقات المطلوبة لابقائه رئيساً مدى الحياة لان هذا الوهم لن يبقيه في سدة رئاسة الحكومة ورحم الله من علّق على مدخل السراي الحكومي عبارة “لو دامت لغيرك لما اتصلت اليك”، ولكن هل من يعتبر!

شارك الخبر على