ترامب.. وأحدات ٦ يناير

أكثر من سنة فى الإتحاد

في 19 ديسمبر، اتّهم الكونجرس الأميركي الرئيسَ السابق دونالد ترامب رسمياًّ بارتكاب جريمة التمرد. ولم يسبق للكونجرس أبداً في التاريخ الأميركي أن وجّه مثل هذا الاتهام لأي رئيس سابق.
ويقول القانون، إن «التحريض أو المساعدة في التمرد على سلطة الولايات المتحدة أو إعطاؤه أي مساعدة أو دعم» يُعد جريمة. ويُتهم الرئيس السابق ترامب بارتكاب ذلك بالضبط حين دعا في 6 يناير 2021 حشداً من الأشخاص المسلَّحين إلى الذهاب إلى «الكابيتول»، ومنع الكونجرس من التصديق على أن جو بايدن فاز في الانتخابات الرئاسية. وأراد الحشد شنق نائب الرئيس مايك بنس الذي كان في المبنى وقتذاك؛ لأن بنس كان يعتزم التصديق على فوز بايدن في الانتخابات الرئاسية.
واستدل الكونجرس على تورط ترامب أيضاً بحقيقة أنه تابع على التلفزيون لمدة ثلاث ساعات الحشد، وهو يهاجم «الكابيتول» ويدخل المبنى، ولكنه لم يفعل شيئاً لمنعهم من ذلك، رغم أن مستشاريه وأفراد عائلته نصحوه بذلك. كما قال الكونجرس، إن الرئيس مذنب في ثلاث جرائم أخرى. إحداها «عرقلة أي إجراءات رسمية أو محاولة القيام بذلك» عبر محاولة منع الكونجرس من إنهاء عملية الانتخابات في 6 يناير، رغم أنه كان يعرف أن ذلك غير قانوني. أما الجريمتان الأخريان، فهما «التآمر للإدلاء بتصريحات خاطئة» عبر المساعدة في تقديم شهادات ناخبين مزيفة للكونجرس، و«التآمر للاحتيال على الولايات المتحدة» بسبب تقديم ادعاءات مضللة حول الانتخابات.
الاتهامات التي وجّهها الكونجرس لترامب أعدّتها لجنةٌ خاصةٌ تابعة لمجلس النواب تولت تحقيقاً استغرق أكثر من عام ونصف العام. واستجوبت خلاله أكثر من ألف شاهد، بعضهم موظفون سابقون لدى ترامب. ولقيت اللجنة دعماً من الديمقراطيين وانتقادات من الجمهوريين.
وستُحل في 3 يناير حين يتسلم الجمهوريون السيطرة على مجلس النواب، ولهذا اضطرت اللجنة لإصدار تقريرها الآن. بيان اللجنة الرسمي الذي اتهم ترامب بخرق القانون لديه تأثير سياسي كبير جداً، ولكنه من دون أي تأثير قانوني مباشر؛ لأن الكونجرس لا يمتلك صلاحية إحالة أي أحد إلى المحكمة. ولكن اللجنة بعثت أيضاً برسالة إلى وزارة العدل مصحوبة بشرح لقضاياها الأربع ضد ترامب، موصيةً بإجراء محاكمة. والآن ستقرر وزارة العدل التي تمتلك السلطة القانونية للقيام بذلك ما إن كانت ستوجه تهماً لترامب بشكل رسمي.
ومن غير الواضح ما إن كانت وزارة العدل ستتابع ترامب قضائياً وستتهمه بارتكاب جريمة أو أكثر. ترامب وأنصاره يقولون، إنه ينبغي ألا يوجّه له أي اتهام لأنه رئيس سابق ولا ينبغي أن يُتهم بجرائم يفترض أنه ارتكبها حين كان رئيساً. ولكن النائب العام ميريك غارلاند، الذي يرأس وزارة العدل، يقول: «لا أحد فوق القانون»، وبالتالي، يبدو أنه قد يميل إلى إحالة ترامب على المحكمة. وسيظل غارلاند نائباً عاماً لعامين آخرين، وبالتالي، فإنه يمتلك الوقت لإصدار لوائح اتهام ضد ترامب. ويذكر هنا أن بعض القضايا ضد ترامب قد تؤدي إلى منعه من تقلد أي منصب سياسي مرة أخرى، في حال وُجد مذنباً. وهناك أسباب أخرى للاعتقاد بأن مستقبل ترامب السياسي قد يكون مهدَّداً.
فخلال ما يسمى الانتخابات النصفية التي أُجريت في نوفمبر، حين خاض كل أعضاء مجلس النواب وبعض أعضاء مجلس الشيوخ وبعض حكام الولايات الانتخابات، تعرض كثير من المرشحين الذين كانوا مدعومين من ترامب للهزيمة. ونظراً لأن دعم ترامب لمرشحين «جمهوريين» في الانتخابات كان فعّالاً جدّاً في السابق، فإن تلك الهزائم تؤشّر إلى أن نفوذه السياسي أخذ يخفت. وعلاوة على ذلك، حين أعلن ترامب أنه يعرض للبيع بعض البطاقات الجديدة التي تُظهره في وضعيات بطولية مختلفة شبيهة بوضعيات الشخصيات الكرتونية، تعرض للسخرية بسبب ما اعتبره البعض عملاً سخيفاً وغير لائق من أجل التربح وكسب المال.
القضايا القانونية التي قد ترفعها وزارة العدل الأميركية ضد الرئيس السابق غير مسبوقة وتمثِّل تطوراً كبيراً في تاريخ الولايات المتحدة السياسي. الرئيس نيكسون استقال بعد أن تبين أنه ارتكب جريمة، ولكنه استقال تحت الضغط من أعضاء بارزين في حزبه الحزب الجمهوري. ولم توجه له أبداً أي تهم بارتكاب جريمة، والرئيس التالي، جيرالد فورد، أصدر عفواً رئاسياً عنه.
أما اليوم، فإن الوضع مختلف لأن أميركا تعاني من استقطاب سياسي شديد. ذلك أن معظم «الجمهوريين» في الكونجرس غير مستعدين لانتقاد ترامب. وقد شاهد ملايين الأميركيين وصفقوا لجلسات الاستماع المتلفزة التي عقدتها لجنة الكونجرس والتي وجّهت انتقادات للرئيس السابق، ومعظمهم يعتقدون أنه مذنب بارتكاب جرائم. ولكن ملايين الأميركيين الآخرين ما زالوا يدعمون ترامب ويشيرون إلى أنهم سيصوّتون له من جديد إن ترشح للانتخابات. وبالتالي، فإن طرفي الانقسام السياسي ينتظران لمعرفة ما إن كانت وزارة العدل ستحيل ترامب إلى المحاكمة. وإذا فعلت، فلا شك في أن ذلك سيمثّل محطةً تاريخيةً أخرى في المشهد السياسي الأميركي.
* دبلوماسي أميركي سابق متخصص في قضايا الشرق الأوسط.

شارك الخبر على