"بيرندا".. أحداث مسرحية واقعية تهجو سياسات إفقار دول وشعوب (الجنوب)

أكثر من سنة فى الرأى

(سفاح الأقارب) هي ليست حالة مقرونة بشعب معين في القارات الخمس، وإنما يجيء ظهورها بظروف اجتماعية واقتصادية ونفسية معينة، وفي الوقت ذاته يظل موضوعاً لافتاً، ولذلك فإنه يجيء موضوعاً ورسائلاً جذابين في المعالجات المسرحية.ومن ذلك ما قدمته المسرحية المغربية "بيرندا" من إخراج أحمد أمين ساهل، المشاركة في مهرجان المسرح الأردني التاسع والعشرين، على مسرح هاني صنوبر.وقد أخذ عنوان المسرحية من إسم أغنية "بيرندا"، لمغني الهيب هوب الأسمر (توباك) شاكور، من مانهاتن شرقي نيويوررك، الذي قتل في سبتمر 1996 بظروف غامضة لم يُعرف الجناة بعد لدى دوائر البوليس الأميركي.ولما كانت الأغنية ومؤلفها لدى الرؤية الإخراجية علامة مركزية؛ حيث ظهر اسمها "بيرندا"، كعلامة سيميائية دلالية، مكتوبة على جدار رمزي في عمق المسرح، بالتالي لابد من التنويه عن مضمون كلمات الأغنية التي تتحدث عن معاناة معنفة من ضحايا سفاح الأقارب، هذا على مستوى هذه الأغنية.أما على مستوى أغانيه عموماً فكانت رسائلها مباشرة تعبر عن غضبه من السلطات الغربية بشكل عام والأمريكية بشكل خاص. وخصوصاً في القضايا الاجتماعية والسياسة كالعنصرية ضد السود والمسلمين، والحرب في الشرق الأوسط والظلم واضطهاد الشعوب الفقيرة.في إشارة إلى أن الأجواء التي طرحتها أغانيه من تعميق الفقر على الشرائح الفقيرة، وإغراقها بالمخدرات، ووجود العنصرية في العلاقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادي، وعدم تشجيع التعليم، كل ذلك وغيره، إذا تواجد في أي فضاء إنساني، ينجم عنها إشكالات نفسية وإنسانية لمن يعيش فيها، فتنشأ أمراض التحرش، وغيرها من السلبيات الاجتمعية الأخرى.الأحداث تبدأ في المسرحية ليس على المسرح، ولا في قاعته، وإنما من خارجهما، حيث يتفاجأ من كان خارجهما بوجود فتاة تئن من الألم تحاول الاختباء، وكأن هناك من يطاردها، إلى أن تعود مع الجمهور إلى المسرح.ليكتشف من يتابع أحداث هذا العرض، أن هذا الفتاة، هي ضحية سفاح الأقارب، وأخذت بعد ذلك تعاني من إهمال وإقصاء، لتنتهي معيشياً في بيت دعارة، رغم أنها ظنت أن من تحرش بها سيرافقها حياتها كلها.حوارات الشخوص جُلها مفادة من أغنية توباك، أو قريبة من أجوائها(*): بريدا واحدة منكم/ بريدا رزقت بطفل/حاولت إخفاء حملها/بطنها يكبر/صوت الطفل على الشرف والكرامة/ أنا أمك والدك رمز النجاسة/ تركها ولديه طفل/ لم تعرف ماذا تفعل رمته في كوم زبالة/ أهلها لم سمحوا لها في البقاء/ تشق طريقها لوحدها/ حاولت العمل فلم تستطع، فكان الجنس الوسيلة الوحيدة للخروج من الجحيم/ أصبحت من بنات الليل وجدوها مقتولة/.نهض بجميع أداء الشخوص إسماعيل العلوي، وأمين بالمعزّة، سفيان نعيم، رجاء بو حامي، زهرة الحواري، سلسبيل أبيده، عبير عبو، أسامة العروسي. تقني الإضاءة هدى الحامض، الصوت أسامة لعروسي، سنغرافيا صفاء كريت.المسرح جاء وكأنه حلبة مصارعة، بفعل تصميم الحبال مع الأعمدة الأربع، ولكن الركن الرابع كان مفتوحاً تجاه المشاهدين، لأن الرؤية الإخراجية تريد أن تقول: أيها الناس أنتم لستم ببعيدين عن هذه الأجواء ، في حال توافرت نفس الظروف الواقعية التي أحاطت بشخصية بيرندا.الأزياء لجهة لونها الأبيض للممثلات كان متناغما، في ما تسعى إليه محمولات الشخوص النسائية تحقيقة في مأساة "بيرندا"، بينما جاء تصميمها المتحرر كثيراً غير موظف درامياً، بحيث لا يعكس الفضاء الاجتماعي التي انبثقت منه هذه الحكاية.ذلك أنه يحق للمخرج أن يختار بحرية التصميم الذي يراه من الملابس لشخصياته، لكن هناك اشتراطات جمالية نَسَقيّة تلزمه أن يستخدمها متناغمة مع الفضاء الاجتماعي والثقافي التي خرجت منه هذه الشخوص، وإلا أصبح الأمر وكأنها إشارات سميائية هجينة، خارج أنساق العرض المتناغمة.وما حكاية "بيرندا" إلحزينة، إلا ذريعة لهجاء أبنيتها العميقة سياسات إفقار شعوب ودول (الجنوب)، من قبل الدوائر السياسية الظاهرة والمخفية في دول (الشمال) الغني.إحالات:(1) موقع ويكيبيديا الموسوعة الحرة.(*) إذْ أن كتيب المهرجان الذي يعرف بالمسرحية وفريقها لم يتضمن اسم كاتبها أو مؤلفها.








شارك الخبر على