لبنان... أسرع انهيار في تاريخ الدول...والشعب يدفع الثمن

أكثر من سنة فى الرأى

رحلَ الرئيس اللبناني ميشال عون عن منصبه في الشهر الماضي بعد انتهاء ولايته دون خلف في الرئاسة. والفراغ في السلطة ظاهرة ليست غربية على لبنان، إذ كان انتخاب عون في 2016 نهاية لفراغ دامَ 29 شهراً. ومنذ حصول لبنان على استقلاله في 1943، عرف ثلاث فترات رئاسية لم يتفق فيها البرلمان المُنقسم على رئيسٍ جديد.وقبل رحيله وقّعَ عون مرسوماً غير مسبوق بقبول استقالة حكومة تصريف الأعمال، لعرقلة محاولات حكومة تصريف الأعمال المطالبة بصلاحيات الرئيس.ويؤدي الفشل في اختيار رئيس إلى طريق مسدود، إذ تعجز الحكومة عن المصادقة على تشريعات جديدة. وفي الأثناء، يواجه لبنان أسوأ أزمة اقتصادية على الإطلاق بسبب عجز الساسة وانشغالهم بمكاناتهم السياسية ومراكمة الثروات، حسب أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية في بيروت هلال خشان في تحليل بـ "جيبولتيكال فيوتشرز" الأمريكي.خطة بونزيأوضخ خشّان أن سوء الإدارة الاقتصادية للدولة يعد إشكالية قديمة. فقد أدى الاستئثار بالقرار الاقتصادي بيت 1992 و1998 إلى تصاعد العجز السنوي إلى نحو 50%.ولطالما أصدرت الحكومة أيضاً سندات خزانة منذ 1992 لتمويل إعادة إعمار لبنان بعد حرب أهلية امتدت 15 عاماً.وظلَّ القطاع المصرفي اللبناني يعمل وفق ما يُطْلِق عليه البعض خطة بونزي . فجميع البنوك اللبنانية بحكم القانون لا بد أن تحتفظ بأصولها السائلة في البنك المركزي.غير أن الأخير أساء إدارة السياسة النقدية للدولة، وأخفى بيانات عن الانهيار المالي الوشيك للبنان.واستطاعت البنوك استقطاب المودعين إذ قدّمت لهم معدلات فائدة أعلى بلغت 9% على الودائع بالدولار، وأخفت عليهم المخاطر التي تُهدد مدخراتهم.وأعطى البنك المركزي للمصارف المحلية أرباحاً كبيرة، حوّلتها إلى الخارج، ما أدى إلى تبديد مدخرات الناس بربط الليرة بالدولار صورياً وسد الفجوة في الميزانية.بلغت ودائع البنوك اللبنانية 172 مليار دولار في 2014، أي ما يوازي 370% من الناتج المحلي الإجمالي. وفي 2018، تراجعت الأصول السائلة للبنك المركزي إلى 42 مليار دولار، ثم إلى 20 مليار دولار في الربع الأول من 2020.وتراجعت احتياطاته من 60 مليار دولار في 2005 إلى أقل من 10 مليارات دولار في العام الجاري.ولأول مرة منذ استقلال لبنان تخلّفَت الدولة عن سداد ديونها الخارجية بعد أشهر من انتفاضة 2019. ومنذ بضعة أشهر، أعلن نائب رئيس الوزراء إفلاس الدولة، في إشارةٍ إلى الخسائر التي يُعتقد أنها تجاوزت 100 مليار دولار سيتقاسمها المركزي مع القطاع المصرفي، والمودعين.التخلي عن الواجباتولفت الكاتب إلى أنه منذ بداية الحرب الأهلية اللبنانية في 1975، تخلت الدولة تدريجياً عن واجباتها تجاه الشعب، فبدأت تقنين امدادات الكهرباء، ما أسفر في نهاية المطاف عن انقطاعٍ كامل للتيار الكهربائي منذ أشهر بسبب نقص الديزل.وأدت أزمة الوقود دوراً كبيراً في التدهور السريع لإمدادات المياه وشبكات الصرف. وحذرت يونيسف منذ يوليو (تموز) 2021 من نقص المياه والمخاطر الصحية المُترتبة عليه.وقال الكاتب: "أنهكَ الانهيار المالي موارد قطاعات عديدة، نذكر منها الرعاية الصحية، والهندسة، والتعليم. وبات من الصعب العثور على الأدوية الحيوية، ولم تَعُد المُتاحة في متناول غالبية المحتاجين. ويحاول البعض تعويض جوانب قصور الدولة، فيتطوع الشباب لأداء مهام الوزارات والبلديات والاتحادات والمؤسسات الحكومية".نظام سياسي مُعطَّلوعزا الكاتب الانهيار المالي إلى منظومة سياسية عقيمة، ففي 2019، استقال رئيس الوزراء سعد الحريري بعد احتجاجات في البلاد. وعندما استقال خلفه حسن دياب، وفي 2021 بعد انفجار ميناء بيروت، كلّفَ البرلمان الحريري بتشكيل حكومة جديدة، غير أنه اصطدم بالرئيس ميشال عون بسبب التعيينات في حقائب محورية، مثل وزارات الدفاع، والداخلية، والخارجية.وبعد 8 أشهر من الفشل في تشكيل حكومة، استقال الحريري مجدداً وحل محله نجيب ميقاتي الذي أشرفَ على الانتخابات العامة في مايو(أيار) الماضي، وبعد أن كلفه عون بتشكيل حكومة أخفق هو الآخر في تأليفها، بسبب خلافاته مع عون.في 1988، عندما انتهت ولاية الرئيس السابق أمين الجميل دون اتفاق على خلف، عينَ حكومة عسكرية برئاسة عون لمنع استئثار طائفة أخرى بامتيازات الرئيس. وقبل رحيله وقعَ عون مرسوماً غير مسبوق بقبول استقالة حكومة تصريف الأعمال، لعرقلة محاولات حكومة تصريف الأعمال المطالبة بصلاحيات الرئيس.ورغم استعداد المجتمع الدولي للمساعدة، رفض الساسة اللبنانيون مشورته. وبعد أن اجتمع مبعوث الأمم المتحدة بالمسؤولين اللبنانيين، استقر رأيه على أنهم لا يرغبون في حل المشاكل المالية في لبنان التي طحنت طبقته الوسطى.ورغم أن رئيس البرلمان نبيه بري دعا جميع الكتل البرلمانيّة للتحاور واختيار رئيس جديد، لم تُرحّب غالبيتها بدعوته، بحجة أن الحوار عقيم طالما أن الرؤساء اللبنانيين تختارهم جهات أجنبية في واقع الأمر.آفاق المستقبلعندما تقلدَ عون الرئاسة، تعهَّد بضمان رفاهية اللبنانيين. وكانت مهمته حماية الحريات الشخصية، وحرية التعبير، وتعزيز الاقتصاد. غير أنه عندما ترك منصبه خاطبَ مؤيديه مُحمّلاً مؤسسات الدولة مسؤولية الأزمات السياسية والاقتصادية للدولة، ومتهماً إياها بإفقار لبنان، مُعرباً عن الحاجة إلى بذل جهود استثنائية لاستئصال الفساد."يكاد يبدو خلاص لبنان من الأزمة الراهنة مُستحيلاً اليوم"، يقول الكاتب، فالدولة معرضة للجمود السياسي بسبب تركيبة السلطات المُعقدة فيها، ومستوى الفساد المُستشري بين النخبة السياسية، ليقول إن "مستقبل لبنان غير مُبشر. ففي ظل الإطالة المُتعمدة للأزمة السياسية التي بدأت منذ ثلاث سنوات، شهد لبنان أسرع انهيار عاشته أي دولة في التاريخ. والآن، سيدفع الشعب الثمن".

شارك الخبر على