حسين الرحّال ملحمة كفاح في سبيل ترسيخ قيم الاشتراكيّة والعدالة الاجتماعيّة في العراق

أكثر من ٦ سنوات فى المدى

بيت المدى يُعيد إلى الذاكرة  سيرة الروّاد العِظام
لأول الاشياء بريق خاص، حتى أنه يحمل ذاكرة بعطر آخر ومميز، ليكون دليلاً على ابتكارنا، وتوهج تفكّرنا، إننا أناسٌ مختلفون، نادرون، نحن لسنا تابعين للمدينة وتقاليدها، ولا للقبيلة وأصولها،  ولا للمجتمع وقوانينه، لم نُغمض أعيُننا، ونتبع ما وجدنا عليه الأولون، ما يُميزنا هو الغور بعمق داخل الاشياء التي نراها، رُغم ان من سبقنا وضع لها تفاصيل وتفاسير، إلا أننا لم نقتنع حتى نبحث ونجرب ونتفكر ونحصل على نتائج مُقنعة، هذه النتائج هي من تجعلنا أول من اكتشفنا أو أنجزنا أو أسسنا لشيءٍ ما...
وبالرغم من إنه نشأ في بيئة ذات قناعات تختلف تماماً عمّا أسس هو له، إلا انه غاص في بحور بعيدة عن تلك التي نشأ عليها، فلا يُمكن الحديث عن تاريخ الشيوعية والاشتراكية دون أن نمرّ على سيرة مؤسس الحركة الاشتراكية في العراق حسين الرحال، الذي استذكره بيت المدى في شارع المتنبي ضمن منهاج جلساته الاسبوعية صباح يوم الجمعة بحضور شخصيات ثقافية وأكاديمية...اقترنت أول حركة اشتراكية عراقية في تاريخ العراق الحديث باسم الرحال، هذا ما أكده الباحث رفعة عبد الرزاق خلال كلمته قائلاً " كتب عن هذا الرجل العديد في مجال تأسيس وإرساء قواعد الفكر الاشتراكي."اشتعال شرارة الحركة الاشتراكيّةاختصاراً لسيرة الراحل يذكر انه ولد عام 1900 ، إلا أن عبد الرزاق أشار خلال الجلسة أن " الكثير من الاقاويل ذكرت حول ولادة الراحل ،فمنهم من قال انه ولد عام 1903، وآخرون قالوا انه ولد عام 1905، وأقاويل كثيرة أخرى أكثرها دقة كان رأي مير بصري أكد أن ولادة الرحال كانت عام 1900."أُسرة الراحل معروفة التأريخ، لن أشير لها كثيراً في هذا التقرير إيماناً مني بما آمن به الرحال وهو أن الفرد لا يتمثل بأسرته، وأصوله، بل بذاته هو، الرحال سافر إلى ألمانيا لإكمال دراسته وقد أُشعلت هناك أولى شرارات الافكار الاشتراكية لديه، حيث يؤكد الباحث رفعة عبد الرزاق " أن ثورة العمال في ألمانيا التي اصطلح عليها اسم ثورة السبارتاكوس انطلقت عام 1918، وكانت أولى اطلاعات حسين الرحال الاشتراكية." ليتصل بعدها الرحال بتوفيق الخالدي وهو احد أعلام العراق الحديث الذي كان يؤمن بأفكار ثورية لتغيير الواقع، ومن هنا بدأت رحلة حسين الرحال الاشتراكية.. وضع أُسس الفكر الاشتراكيبحثهُ عن تأريخ الحزب الشيوعي والحركة الاشتراكية في العراق كان دليله الاول إلى شخصية حسين الرحال،  الاكاديمي د. سيف عدنان القيسي يؤكد " أن الغور في تأريخ الحزب الشيوعي والحركة الاشتراكية العراقية، سيؤدي إلى يقين أن حسين الرحال هو من وضع الاسس والقواعد التي لايزال الكثير من الاشتراكيين ينتهجونها." من خلال ذهابه الى ألمانيا لإكمال دراسته، وتعرفه إلى توفيق الخالدي، إضافة إلى ان الرحال كان تلميذاً لآرسين كيدور وهو احد أعمدة الفكر الماركسي في العالم، حين كان كيدور مدرسا في بغداد، بعدها قاد الفضول الرحال ليسكن في الهند لعام كامل وهناك ايضا التقى بالصحفي الثوري الهندي سوامي، الذي جعله يتمسك بصورة أكبر بالافكار الاشتراكية ما دفعه كما ذكر القيسي لـ" العودة الى بغداد بأسرع وقت من اجل بث الفكر الاشتراكي." أفكار الرحال لم تنطلق بشكل مباشر إلى عامة الشعب، وإنما انطلقت أولاً بين الاصدقاء، حتى توسعت إلى تأسيس أول حلقة اشتراكية عام 1924، وكذلك إنشاء صحيفة لنشر تلك الافكار وتوسيعها، ويذكر القيسي " أن الرحال واجه الكثير من المعوقات والمحاربة من قبل المخالفين له في الفكر وخاصة بعد إنشاء الصحيفة."وبحكم ان الرحال عمل مترجماً في العديد من الدوائر الحكومية، ولأنه كما أكد القيسي يتحدث عدة لغات منها" الانكليزية، التركية، الالمانية، التركمانية، وغيرها." فهذا أهّله للعمل كمترجم بجدارة، ليصاب في نهاية حياته بمرض السكري وتوفي في 13 نسيان عام 1971، وقد عاش حياة الكفاف ذلك انه كفل احد أقربائه لأخذ قرض، إلا ان قريبه هذا امتنع عن إيفاء القرض وكانت النتيجة بأن يخسر الرحال نصف راتبه  لدفع هذا القرض بحسب ما ذكره القيسي.  الحلقة الاشتراكيّة الأولىتشكلت الحركة الاشتراكية الاولى لحسين الرحال عام 1924، وانتمى لها أفراد من أحياء بغداد وعدد من المثقفين، يذكر الاكاديمي د.أسامة الدوري " أن اهل بغداد القدماء أغلبهم كانوا خريجي الدراسة الثانوية إلا أنهم وبسبب الكتب يملكون ثقافة عميقه دفعتهم إلى التعرف إلى واقع البلاد ومناقشة القضايا الاقتصادية والاجتماعية في البلد." كان أفراد هذه الحلقة قد صبوا جلّ اهتمامهم يبحثون عن فكر ينقذ البلاد وكان واحد من الافكار هو الفكر الماركسي، وخاصة بعد ما جدوا من الانكليز ما وجدوا لأنهم اعتقدوا انهم لم يكونوا منصفين للعراق، يذكر الدوري أن " الحلقة سميت آنذاك بالجماعة او الخلية وأحيانا الحلقة، واهتمت بالفكر الماركسي، كما صبت اهتمامها بالبحث في القضايا الاجتماعية والاقتصادية العراقية، وكانت تلك الفترة التي تأسست بها الحلقة تعرف بفترة الانتداب البريطاني، شعرت هذه الجماعة وقتها  بأن معاهدة  عام 1922 والسياسة البريطانية لم تعطِ قيمة للعراقيين، لذلك عملوا من اجل التغيير."مستشارو هذه الحلقة كانوا يكتبون التقارير المفصلة عن نشاطاتهم ويرسلونها إلى لنين لطلعوه على وضع العراق الاقتصادي والاجتماعي، وكان هنالك زملاء  مع الرحال منهم محمود أحمد السيد، وايضا المنظمون لهذه الحلقة عوني بكر صدقي ومصطفى علي وكانوا يلتقون في جامع الحيدر خانة ومقهى النقيب. يذكر الدوري أن "أفراد هذه المجموعة  اتفقوا على إصدار مجلة نصف شهرية، واتجهوا الى الصحافة تركيزاً منهم على الحرية الفكرية كونها  أساس انطلاقهم نحو الناس، وفي عام 1926 ازداد عدد أعضاء الحركة الاشتراكية لتفتح جبهات كثيرة ضدها من قبل الاقطاع ورجال الدين والبريطانيين والمحافظين، في وقت كانت هذه الحركة تتمتع بإمكانات ضعيفة ومهلهلة."أما عن شخصية الرحال، فكان من السهل التعرف إليه من خلال مقالاته، التي ذكر لنا الدوري بعضا منها قائلا"إن مقالات الرحال تعبّر عن توجهاته فجاءت من عناوينها  "المحيد الطبيعي والمحيط الاجتماعي، أخلاق الاقطاعيات، نظرية التاريخ، هل هنالك عروق ممتازة، التطور الاقتصادي في الهيئة الاجتماعية وعلاقة الإنسان الاول في الطبيعة، وغيرها."شخصيّة تنويريّة سياسيّةإن عملية التنوير هي عملية تكاملية، تشترك فيها عوامل السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة، بهذه الكلمات أشار الباحث د. نجاح هادي كبة إلى الرحال ذاكراً " انه شخصية تنويرية سياسية، استطاع من اتّباعه للتنوير السياسي أن يشمل المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية كذلك."ويبدو أن كبة يجد أن علينا أن نُطلق على الشوارع والمناطق أسماءً لمفكري العراق وأدبائه وشخصياته التنويرية والمعرفية ،لأنهم أحق بأن نحييهم من خلال المدينة.  أعلام العراق في صفحات النسيانذكر أنه لا يملك أكثر مما قيل عن الرحال للحديث عنه، سوى أن الحديث عن أعلام العراق هو حديث مُبكٍ، كذا يستذكر الباحث والمؤرخ معن حمدان شخصية حسين الرحال ويقول " إن أعلام العراق ،وإن سمّى البعض أنّ العراق مقبرة للإبداع والمواهب والمعارف، إنهم مهمّشون بشكل أو بآخر بقصد أو دون قصد .الأمم المتقدمة تتغنى وتفتخر بأعلامها وتحتفي بهم بمختلف الوسائل، أما نحن فمؤلم أن أقول إننا شعوب لا تشارك في صناعة التاريخ، تترك علماءها إلى صفحات النسيان وهذا بحدّ ذاته مدعاة للألم.أسماء كبيرة كمصطفى جواد، وأحمد سوسة، وجواد علي وآخرين، لا يعرفهم أحد اليوم، خصوصاً الاكاديميين وطلبة الجامعات، لذا يؤكد حمدان " أنا متيقن أنه بعد جيلين او ثلاثة لن نجد أي شخص يعرف هذه الاسماء ولن يكون لها أي وجود، وهذا وحده يشكل خطراً كبيراً على تاريخ العراق." فكره ارتبط بهموم الناسكان صغيراً حين تعرّف الى اسمه، بعد أن قرأ صحيفة " اتحاد الشعب" ومن هنا بدأ يقرأ له وعنه، الاستاذ محمد علي البطاط، يتحدث عن معرفته بالرحال ويقول " تعرفت به عندما انتمينا الى الحركة الوطنية العراقية التي أسسها ،وقد علّمنا روح الوطنية الصادقة الخالصة، فأنا أقف عند  كل خطوة خطاها في تأسيسه لجماعته التي أسست ليس للفكر الاشتراكي فقط بل أسست للوطنية العراقية التي غيّبت عنا الآن." مشيرا" يجب أن نتذكر أن عصر التنوير الذي طرحه الرحال يختلف عن فكر محمد عبده، ذلك أن فكر الرحال  عراقي ارتبط بهموم الناس وتطلعاتهم وحب الناس للحرية والخبز والحياة الآدميّة الكريمة ، وقد أسس الجماعة التي كبرت وامتدت لتشمل كل الحدود العراقية."

شارك الخبر على