مسلسل "وش وضهر" يعزز القناعات بالاهتمام بقاع المجتمع

أكثر من سنة فى البلاد

تظل قضية المهمّشين في الأرض من أكثر القصص التي تجذب المؤلفين والمخرجين والجمهور، لما تتضمنه من تفاصيل في حياة طبقة يحاول كثيرون عدم الاكتراث بمعاناتها، وحكايات مليئة بالمواقف المثيرة التي تستطيع الدراما التعامل معها فنيا بصورة جيدة، طالما أن القائمين على العمل يمتلكون رؤية واضحة ودرجة عالية من النضج ومستوى جيدا من الاتقان يمكنهم من نقل القصص إلى الشاشة الصغيرة.

قدمت منصة “شاهد” أحد الأعمال التي عزفت على وتر المهمشين في مصر باسم “وش وضهر” (وجه وظهر)، بطولة إياد نصار وريهام عبدالغفور وثراء جبيل وإسلام إبراهيم، وعرضته المنصة في عشر حلقات أخيرا بمعدل حلقتين كل أسبوع.

انتهت حلقات المسلسل ولم تنته الضجة التي أثارها، حيث بدت المنصة السعودية “شاهد” ومعها محطة “أم.بي.سي” كأنهما متخصصتان في تسليط الضوء على مشاكل المناطق الشعبية بمصر، التي يطلق على سكانها أحيانا “المهمشون في الأرض” أو المقيمون في قاع المجتمع، وهي صفة تشير إلى تدني المستوى المادي والاجتماعي.

أصبح التركيز على هؤلاء من السمات الرئيسية التي يتميز بها إنتاج “شاهد” و”أم.بي.سي” في الآونة الأخيرة، والدليل أعمال رمضان التي جرى إنتاجها في الأعوام الأخيرة للنجمين عمرو سعد ومحمد رمضان، واهتمت بقاطني المناطق الشعبية والحواري المصرية وقدمت صورة فجة للمعاناة التي يعيشونها، وإن جرى تجميلها بقدر من الجدعنة المصحوبة بالإثارة والعنف ومقاومة الفساد وتجارة المخدرات والجنس، وتجميل الكثير من المظاهر السلبية التي تعج بها هذه الشريحة.

أثار تكرار هذه الثيمة انتباه البعض من المصريين، وجعلهم يخشون أن يكون التركيز على أمراض المجتمع هدفا في حد ذاته، فقد اختفت تقريبا الأعمال التي تظهر وجها حضاريا في مصر وتتجاوز التوليفة القائمة على المهمشين وصفاتهم ومعاناتهم.

جاء مسلسل “وش وضهر” للمخرجة مريم عزت أبوعوف  وتأليف أحمد بدوي، ومشاركة شادي عبدالله في السيناريو والحوار، ليعزز القناعات بأن الاهتمام بقاع المجتمع المصري وتشريح بعض النماذج التي تعيش فيه من الخصال التي تضمن رواجا للأعمال الفنية، ولتنفي الشركة المنتجة الاتهامات التي بدأت تتردد همسا في بعض الأروقة بأنها تعمدت تفسير وتبرير التصرفات التي قام بها أبطال العمل الذي ضم مجموعة من التجارب التي بدت مضطرة إلى القيام بتصرفات سلبية.

بدأت القصة من عند جمال عرفات الذي قام بدوره الفنان الأردني إياد نصار، وهو موظف في إحدى شركات الأدوية اختلس مبلغا من المال وترك عمله وهرب من تسلط زوجته، وانتقل من القاهرة إلى مدينة طنطا في شمال القاهرة، واعتقد أنه ذاب وسط زحامها وفرّ من الأشباح التي كانت تطارده ونغّصت عليه حياته.

منحته خبرته في معرفة أسماء الأدوية واستخداماتها العلاجية في إنقاذ أحد المرضى في الطريق، ثم شاع عنه في المدينة أنه طبيب ماهر، فاستسلم لهذه الصفة واستهوته فكرة الطبيب ووجاهته للهروب من ماضيه، وانتحل اسم الدكتور جلال وقام به الفنان محمود قابيل، وجعل اسمه المتداول بين الناس جلال فرحات بدلا من جمال فرحات.

بالتوازي مع قصة جمال أو جلال كانت تدور قصة أخرى أشد إثارة بطلتها فتاتان تعملان راقصتان في الأفراح، الأولى ضحى وقامت بها الفنانة ريهام عبدالغفور، والأخرى هبة وجسدتها الفنانة ثراء جميل، ومعهما متعهد حفلات يتسم بخفة الظل اسمه عبده وردة وقام بدوره الفنان إسلام إبراهيم.

ينحدر عبده وضحى وهبة من بيئة فقيرة، تضطرهم الظروف إلى العمل في مجال الرقص ليلا لتوفير مصدر دخل مضمون ومعقول، وهو ما جرى اختياره بعناية كي تبدو الإثارة مكتملة. فتاتان في مقتبل العمر تسهران إلى وقت متأخر من الليل في منطقة شعبية من الطبيعي أن تلتفت إليهما الأنظار الحائرة وتسأل عن أسباب تأخرهما.

وكي يبرر المؤلف أحمد بدوي أسباب السهر لأهالي الحارة الشعبية الذين بدأو يتهامسون وتجمعوا ذات ليلة لمعرفة سر الفتاتين، لجأ إلى حيلة عملهما في مستشفى، ما يستوجب سهرهما في خدمة المرضى.وفي الوقت الذي أصر فيه بعض سكان الحارة على الذهاب إلى مقر العمل للتأكد من ذلك، كانت ضحى استبقتهم بالاتصال بعبده وردة ليسبقهم إلى المستشفى الذي ادعتا العمل به، فارتدى ثوب طبيب واستقبل الوفد الشعبي القادم مع ضحى وأنهى الموقف بسلام.

عند هذا المشهد الذي أنقذ الفتاتين بدأ فصل جديد من التعاطف، حيث كانت تذهبان للرقص في الأفراح وتعودان بأريحية وتصطحبهما دعوات سكان الحارة الشعبية لكدهما وتعبهما في العمل ليلا، بدلا من اللعنات والغمزات السابقة، ما أسهم في تجاوز واحدة من العقبات التي واجهتهما عند العودة في وقت متأخر.

تجمع الصدفة الدكتور المزيف جلال فرحات بضحى التي تعمل معه ممرضة في عيادته التي اكتسبت شهرة كبيرة، لنجاحه في شفاء الكثير من المرضى وحسن معاملته لهم والتعاطف معهم ومؤازرتهم في أزماتهم، فزادت شعبيته التي تحولت إلى قوة معنوية وفرت له ثقة جديدة في دعم تقمصه دور الدكتور.

في هذه الأجواء نشأت قصة حب بين الطبيب والممرضة، وحاول كل طرف أن يخفي ماضيه عن الآخر بالمزيد من الإفراط في الغزل، وتكللت العلاقة بالزواج دون أن يعبأ أحدهما بالبحث في الماضي، والذي كلما همت ضحى بالكلام عنه مع جلال أبعدها بأنه لا تهمه تفاصيله، كأنه يقذف بعيدا عن نفسه عقدة يعاني منها.

تجمعت مشاكل المهمشين في مشاهد عدة لم يكن جمال وضحى بطليها فقط، فهبة دخلت في علاقة عاطفية مع عبده وردة قادتها إلى أن حملت منه، وعندما رفض الزواج منها قامت بإجهاض نفسها عند طبيبة مشبوهة وكادت تفارق الحياة، ثم تم إنقاذها وعاد إليها وردة وتزوجها، فهو نفسه كان يعاني بدوره من عقدة خفية لأن والدته “نعمات”، وقامت بدورها الفنانة ميمي جمال، كانت تعمل راقصة شعبية في ريعان شبابها.

دخل مسلسل “وش وضهر” في دروب عديدة تتعلق بالتديّن المزيف الذي جسده “أبوبراء” وقام بدوره الفنان محسن منصور، والمحامي الأفاق وقام بدوره الفنان محمد ممدوح وصديقه المزور وقام بدوره شريف دسوقي، غير أن العمل احتفظ بالخيطين الرئيسيين وهما جمال وضحى، ووصل إلى ذروته في مشهد متشابك داخل المحكمة حوى الكثير من تناقضات المجتمع وألاعيب المحامين.

حانت لحظة الحقيقة بعد بث فيديو لأحد رواد مواقع التواصل الاجتماعي الذي شفي على يد الدكتور جلال المزيف فتعرفت عليه زوجته الأولى، والتي ذهبت إليه لتنتقم منه لأنه تركها فترة طويلة ولم يسأل عنها، واتهمته في قسم الشرطة بتبديد محتويات مسكن الزوجية، وهو لا يعلم أن استدعاءه تم بموجب هذه التهمة.

على طريقة “يكاد المريب يقول خذوني” اعترف بأنه طبيب مزيف أمام ضابط الشرطة الذي حصل على قضية أخرى مختلفة عن تلك التي كان يحقق فيها، وتطورت الأحداث وتصاعدت إلى أن جاءت لحظة المكاشفة بين جمال وضحى، وعندما عاجلته بعتابه على الكذب أكد لها أنه يعرف حقيقتها، وفقا للمثل المصري “لا تعايرني وأعايرك الهم طايلني وطايلك” وهو مثل شعبي يلخص المقولة الشهيرة “كلنا في الهم شرق” أو كلنا كذابون ولا مجال للمحاسبة.

خطت ريهام عبدالغفور في هذا العمل خطوة كبيرة إلى الأمام نحو البطولة التي تخلفت عنها السنوات الماضية، وأكدت قدرتها على أداء أدوار متنوعة، وعلى الرغم من الهدوء والبساطة والطفولية الظاهرة على وجهها أجادت دور الراقصة، ووظفت قدرتها على تقمص دور الفتاة الفقيرة التي تكافح لأجل توفير حياة جيدة لأسرتها.

تظل قضية المهمشين من الملاذات الرئيسية لدى الكثير من الفنانين لأنها قضية مثيرة تكشف مدى القدرة على التلون بسهولة، ووجدت فيها ريهام فرصة لتثبت أنها ليست البنت الهادئة دوما التي حصرها بعض المخرجين في هذا الدور، بل يمكنها أن تتحول أيضا إلى شرسة على الشاشة، بما يفتح أمامها الباب لتقديم أدوار أخرى بحسب alarab.​

شارك الخبر على