في تركيا للموز طعم آخر بمرارة الكراهية ومآسي اللجوء

أكثر من سنتين فى ماب

أصل الحكاية، يعود لتقرير إخباري لشاب تركي حول الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في تركيا منتصف شهر أكتوبر الماضي بعد تراجع سعر صرف الليرة، حيث سرعان ما تحول السؤال حول هذه الأوضاع إلى تلاسن أمام عدسات الكاميرا بين أتراك وفتاة سورية حول من يتحمل مسؤولية غلاء المعيشة.
وفي رد اتسم بالحدة، قالت سيدة تركية "أرى السوريين في الأسواق الشعبية يشترون الموز بالكيلوغرامات، وأنا بنفسي لا أستطيع تحمل كلفة الموز"، ليبلغ التوتر مبلغه عندما حمل متبضعون أتراك اللاجئين السوريين مسؤولية شظف عيشهم". "تعيشون بسهولة أكثر منا. أنا لا أستطيع أن أشتري الموز فيما أنتم تبتاعونه بالكيلوغرامات" يؤكد آخر، لتنتفض الفتاة "نحن لا نأخذ شيئا بالمجان نشتري بأموالنا الخاصة"، ليختتم المشهد: "عودي إلى القتال في سوريا ما الذي تفعلينه هنا".
فمن نقاش محتدم حول سعر الموز في سياق غلاء المعيشة بأحد الأسواق الشعبية بإسطنبول، ستتطور الأمور في منحى تصاعدي على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك-تويتر-انستغرام-تيك توك) والإعلام المحلي والأجنبي، وتتفاعل التأويلات لتأخذ مسميات "ثقيلة" من قبيل "قضية الموز" و"أزمة الموز"، أو حتى "واقعة الموز".
** أزمة الموز.. تفاعلات تنذر بالانزلاق نحو الأسوء **
رغم أن هذه القضية ليست الأولى التي يشهدها المجتمع التركي، فقد سبق أن شهدت العاصمة أنقرة مؤخرا، وبعدها مدينة إزمير نزاعات مسلحة بين شباب أتراك وسوريين أودت بحياة شاب سوري وخلفت خسائر في ممتلكاتهم، إلا أن "قضية الموز" تنذر بالانزلاق نحو الأسوء، بعدما عمدت بعض التيارات التركية المعارضة إلى استغلال الموضوع سياسيا، عبر إذكاء حملات عنصرية تروج إلى أن مستوى معيشة اللاجئين السوريين أفضل من الأتراك، بفضل المساعدات التي يتلقونها من الحكومة التركية.
رد الفعل الساخر والمستفز لسوريين مقيمين بتركيا وخارجها، عبر حملات وترندات في مواقع التواصل الاجتماعي لأشخاص يتناولون الموز وإطلاق تغريدات ساخرة من قبيل "الموز ولا المذلة"، أثار جدلا واسعا، ازداد حدة وخطورة عندما عمدت جهات إلى الإساءة إلى رمز سيادة تركيا من خلال استبدال الهلال في العلم التركي بموزة، لتعتقل السلطات التركية سبعة شبان سوريين وصحفي وتقرر ترحيلهم إلى سوريا، بتهمة "تحريض الناس على الكراهية والإذلال"، اعتبرها الكثيرون محاولة لتهدئة غضب الشارع التركي.
وفي هذا الصدد، يرى الأكاديمي سمير صالحة المتخصص في القانون الدولي العام والعلاقات الدولية، أن "ما قيل ويقال كان مؤلما بالنسبة للكثيرين ولا بد من التعامل معه بجدية وحزم، وأن تواكبه خطوات عملية تقطع الطريق على حالات مماثلة لتترك الجميع أمام امتحان أصعب وأكثر إيلاما"، مضيفا أنها "مسؤولية تركية سورية مشتركة لا يمكن تأخيرها أكثر".
واعتبر في مقال حول الموضوع أن "طعم الموز في تلك الأشرطة والصور ومقاطع الفيديو كان مصحوبا بالكثير من المرارة والاحتقان والغضب وخيبة الأمل"، مسجلا أن "إيصال الأمر إلى المساس بالعلم، الرمز الأول في تركيا (..) لم يكن سهلا، المهم الآن أن يكون كل من تسبب في تفجير الوضع على هذا النحو وإشعال مواقع التواصل الاجتماعي والترويج لفيديوهات وأشرطة وتغريدات مسيئة قد تعلم الدرس".
ولفت إلى أن "لغة مقلقة باتت تظهر في العلن بين الحين والآخر فيها نفس تحريضي استفزازي وتعبئة اجتماعية وسياسية مع الأسف، عشناها في العديد من المدن التركية وهي حالات فردية لا تتفاعل أو تتطور في كل الأحيان، لكن خطط وجهود التعامل مع أسبابها وارتداداتها الاجتماعية والقانونية والتنظيمية غير كافية للحيلولة دون تكرارها كما يبدو".
**اللجوء.. ورقة ضغط سياسية وواقعة الموز جاءت في سياق انتخابي **
ليس من المستغرب أن تعمد المعارضة في تركيا إلى توظيف "واقعة الموز"، سياسيا وإعلاميا، وتحويلها إلى أزمة تنذر بمرحلة جديدة للوجود السوري في تركيا، لاسيما مع دنو الاستحقاقات الانتخابية البرلمانية والرئاسية، واحتدام النقاش السياسي بشأن العديد من المواضيع، ليس أقلها أهمية التعامل مع التدخل التركي في الأزمات السياسية في عدد من بلدان الجوار، ودعوة حكومة العدالة والتنمية للحوار مع النظام في دمشق لإنهاء الأزمة وتخليص تركيا من التبعات المادية والسياسية لهذا الملف.
وقع هذا التأثير يتضح جليا عندما تستغل المعارضة قبول تركيا لملايين اللاجئين على أراضيها في خطاب تحريضي، وتستخدمه للترافع ضد سياسة اللجوء المعتمدة واتهامها لأوروبا بتحويل تركيا إلى منطقة عازلة تحصنها من موجات اللجوء باتجاهها، مستشهدة بنتائج استطلاعات رأي تكشف أن نسبة كبيرة من الأتراك يؤيدون وقف استقبال اللاجئين وضرورة حل هذه الإشكالية بأسرع وقت ممكن.
ومن البديهي أن أحزاب معارضة، وفي مقدمتهم حزبا "الشعب الجمهوري" و"الجيد"، التي ذهبت إلى القول إن "السوريين لا يحترمون ولا يظهرون الامتنان إلى البلد الذي أنفق عليهم ملايير الدولارات"، لن تفوت الفرصة، وسياقها الزمني والمكاني، لتوجيه سهام النقد اللاذع للسلطة، فالبلاد مقبلة على استحقاقات انتخابية يمكن وصفها بالاستثنائية، وإسطنبول أكثر المدن استقبالا للجوء تداعياته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
وفي هذا السياق، أوضح المختص في الشأن التركي طه عودة أوغلو أنه "من دون شك تحولت ورقة اللاجئين السوريين والاستثمار فيها إلى سلعة رابحة لدى المعارضة التركية ممثلة بحزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة في البرلمان، خاصة بعد تصريحات زعيم الحزب كمال كلتشدار أوغلو بأن هدف الحزب بعد الوصول إلى السلطة سيكون إرسال السوريين إلى بلادهم، هذه التصريحات إضافة إلى بعض الحملات المحرضة ضد السوريين من قبل شخصيات معارضة ساهمت بشكل مباشر في رفع حالة الغضب والسخط لدى الشارع التركي ضد السوريين الباحثين عن الاستقرار في تركيا بعد هروبهم من بلادهم بسبب الحرب".
وأضاف المحلل السياسي، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أنه مع تصاعد حدة الغضب في الشارع التركي ضد اللاجئين السوريين مؤخرا ومع الأنباء التي تتحدث عن استقبال لاجئين أفغان، خاصة بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، يبدو أن أنقرة مقبلة على سياسة جديدة تتعلق باللجوء سوف تنتهجها خلال المرحلة المقبلة حتى لا تصير ورقة بيد المعارضة لاستخدامها في المحطات الانتخابية المقبلة لتحقيق مآربها السياسية.
   ولئن كان تأكيد شباب سوريين لاجئين أن رد فعلهم الساخر والمستفز كان مجرد محاولة للتغلب على أوجاع اللجوء ومآسيه بالابتسامة وأسلوب للرد على تجني بعض الأتراك، بعيدا عن التأويلات المشيطنة التي عرفتها "واقعة الموز"، إلا أن الحادث قد تكون له ارتدادات قوية مستقبلا، فتركيا تستضيف نحو أربعة ملايين لاجئ سوري، وليس من النادر وقوع مثل هذه الاصطدامات المؤججة للكراهية بين الضيف والمضيف.
منذ أسابيع، يتصدر "الموز" واجهة الأحداث في تركيا، ليس كفاكهة ذات مزايا صحية مؤكدة، وإنما كمحتوى لصور ومقاطع فيديو ساخرة ومستفزة تذكي جدلا سياسيا وغضبا اجتماعيا، يفاقم خطاب الكراهية والاحتقان بين شرائح واسعة من الأتراك ولاجئين سوريين، ويحرك متابعات قانونية وقرارات ترحيل.10 نوفمبر 2021إسطنبول -- بقلم: لمياء ضاكة --دوليnonGratuit: non

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على