انقلاب السّودان الجنرال يَجِد مَن يُهاتِفه و«يُعوَّمَه»

أكثر من سنتين فى الرأى

فيما يزال الغموض يُسربِل ما يحدث في السودان بعد الانقلاب العسكري الذي قاده الجنرالان عبد الفتاح البرهان/قائد الجيش ومحمد حمدان دقلو/حميدتي قائد قوات الدعم السّريع, الخارجة عن إطار الجيش الوطني وذات السطوة والحضور والتأثير.. في أجواء كهذه وبعد أكثر من أسبوعين على ما حدث في 25 تشرين الأول عندما تمّ إطاحة حكومة عبد الله حمدوك والزجّ بمعظم وزراء حكومته في المعتقلات, استباقاً خصوصاً لاستحقاق تسلُّم الجناح المدني/الشريك في الوثيقة الدستورية.. رئاسة المجلس السيادي، ما يزال الدور/الموقف الأميركي تحديداً موضع شكوك وتساؤلات, خاصّة في ما انتهت إليه المهمة التي نهض بها جيفري فيلتمان المبعوث الأميركي للقرن الأفريقي, والذي اجتمع بالجنرالين (البرهان/دقلو) عشية الانقلاب, على نحو لا يمكن لساذج الوقوع في خطيئة استنتاج أنّ فيلتمان وقع ضحية ألاعيب البرهان وحميدتي, وأنهما بعد أن بذلا وعداً له بأن «يَدرسا» مقترحات الحل الوسط الذي حمله معه، اطمأنّ الدبلوماسيّ الأميركي «الخبير في تدبير الانقلابات وحبْك المؤامرات» على النحو الذي فعله في لبنان عندما كان سفيراً لبلاده هناك، إثر اغتيال رفيق الحريري فسارَع إلى اتّهام سوريا بالوقوف خلف العملية, إلى أن استقرّ على رمي التهمة على حزب الله حيث, الأخير خصوصاً سلاحه هو الهدف من هذه اللعبة الأميركية القذرة، إلى أن صدرَ قرار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان, والتي كلفت الشعب اللبناني «مليار دولار» دفعتها خزينة الدولة اللبنانية/المُفلِسة، بتبرئة الحزب من هذه المسؤولية.

ما علينا..

لم تتوقف التصريحات الأميركية التي تتحدث عن اتصالات «حثيثة ويومية» يجريها مسؤولون أميركيون مع الجنرال البرهان، محمولة (الأخبار الواردة من واشنطن) على تطمينات ووعود بقرب حلّ المعضلة, والاحتمالات الواردة «جداً» للتوصّل إلى حلّ وسط عبر تشكيل حكومة تكنوقراط, وخصوصاً إعادة تشكيل مجلس سيادي جديد على أنقاض المجلس السيادي الذي توافق عليه العسكريون والمدنيون, بعد ثورة الشعب السوداني وإطاحته نظام الديكتاتور عمر البشير.

ما يحدث أو بات قريباً حدوثه في السودان, يؤكد ضمن أمور أخرى أن ضوءاً أخضرَ أميركياً قد أُعطي لجنرالات السودان كي يمضوا قدماً في إعادة «تصويب» الأوضاع في السودان, بعدما «تبيّن» لهم أنّ المدنيين إذا ما وعندما يتولوا رئاسة المجلس السيادي, ويكونوا أصحاب القرار في السودان, فإنّهم ليس فقط سيضمنون الفوز في الانتخابات التي كانت ستجري في العام 2023, وأيضاً عدم اكتفائهم بإعادة الجيش إلى ثكناته وإنّما خصوصاً محاكمة الجنرالات الذين تورّطوا مباشرة أو عبر إصدار الأوامر, بقتل المتظاهرين قبل وبعد سقوط نظام البشير.

وإلا كيف يمكن تفسير تصريحات مُتحدّث الخارجية الأميركية نيد برايس يأن وزيره/"بلينكن» هاتَف البرهان و"حضّه» الإفراج عن جميع الشخصيات التي اعتقلها منذ 25 تشرين الأول, والعودة إلى «حوار» يُعيد رئيس الوزراء حمدوك إلى منصبه ويعيد الحكم الذي يقوده المدنيون في السودان، تزامَن ذلك ومباشرة مع أحاديث متواترة في الخرطوم عن «قرب» تشكيل مجلس سيادة «جديد»، وتأكيد من الجنرال البرهان أنّه «اتفقّ مع بلينكن على الإسراع في تشكيل حكومة».

ماذا إذاً عن الحكومة المدنية التي أطاحها الانقلاب؟ ثمّ ماذا إذاً عن الوثيقة الدستورية التي عطّلها الانقلاب العسكري؟ وخصوصاً في عدم تسليم الجناح المدني الدورة الثانية من الفترة الانتقالية, بعد انتهاء الفترة الأولى التي قادها الجنرالات؟

والأكثر أهمية هنا.. هو لجوء الولايات المتحدة وثلاث دول حليفة إلى مجلس حقوق الإنسان (الذي انسحبت منه واشنطن مراراً، ولم تعد إليه سوى مؤخراً) لاستصدار قرار «يُدين الانقلاب ويدعو الجنرالان للتراجع؟ ماذا عن سلاح العقوبات الاقتصادية، السياسية، المالية والعسكرية, الذي تشهره واشنطن في وجوه معظم دول العالم؟ وماذا دائماً عن عدم الاعتراف بالانقلاب وتجميد العلاقات الدبلوماسية؟

هل باتت واشنطن حمامة سلام ولم تعد ترفض الاعتراف بأي انقلاب عسكري, تحت طائلة النبذ، العزل والعقوبات؟ وهل بات الاتحاد الأفريقي الذي جمّد عضوية السودان في هيئاته وهياكله الإدارية والتنفيذية.. أكثر قوة وجرأة وجذرية في التزام القانون الدولي من زعيمة العالم الحرّ؟

وهل بات الجنرال البرهان الذي خشي (لو لم يتلقَ ضوءاً أخضرَ أميركياً) أن «تضايقه» إدارة بايدن؟ على غرار جنرال رواية غابرييل غارسيا ماركيز «الجنرال لا يَجد مَن يُكاتِبه».. مكتفياً (جنرال ماركيز الذي شهد حرب الألف يوم في بلاده) بالمشاركة في منافسات صراع الدِيكَة والمواظبة على زيارة مكتب البريد, للسؤال عمّا إذا وصلته رسائل من العاصمة أو أنّ أحداً تذكره لدعوته العودة إلى الثكنات؟

في الخلاصة... «لغز» انقلاب الخامس والعشرين من تشرين الأول, آخذ في التظهّر والانكشاف ولن يطول الانتظار لمعرفة خفاياه.. فيما نحسب ونظنّ.

kharroub@jpf.com.jo

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على