انتشال التميمي مع وصول “الجونة” محطته الخامسة الشغف صمام الأمان

أكثر من سنتين فى البلاد

بمرور خمس سنوات على تأسيس مهرجان الجونة السينمائي، يبدو وكأنه تجاوز اختباره الأول، اختبار القدرة على البقاء رغم الكثير من التحديات المتعلقة بسياق ولحظة وجوده، وكذلك بالصعوبات المضاعفة التي فرضها وباء كورونا لعامين متتالين. انتشال التميمي مدير مهرجان الجونة يتحدث عن مفهومه للاستمرارية القائمة على تراكم الخبرة والحفاظ على شغف البدايات، والمبنية على نظام صارم خال من البيروقراطية ويفسح المجال للتلقائية والمبادرة والتجديد، وهي برأيه الخلطة التي عززت نجاح المهرجان وصنعت شخصيته الحيوية عبر السنوات وصولًا إلى عامه الخامس.

*كيف ترى خمس سنوات على مهرجان الجونة السينمائي؟
الاستمرارية هي أول انطباع يتبادر إلى الذهن عندما نتحدث عن مرور خمس سنوات على مهرجان الجونة، فمعظم المشاريع الجادة في المنطقة العربية كانت فرصها في الصمود أمام الظروف القاهرة ضعيفة جدًا، وبالتالي عندما يستمر مشروع جاد يهتم بالثقافة السينمائية مُشيّد على ضوابط تنسجم مع تقاليد أعرق المهرجانات الدولية والعربية منذ تأسيسها وإلى حد الآن، فهذا بحد ذاته علامة مهمة. معظم المهرجانات الدولية الهامة التي بدأت قبل أكثر من 70 عامًا في مدن مثل كان ولوكارنو وكارلو فيفاري وصندانس، لم تكن مدنًا كبرى أو عواصم، ومع ذلك تمكنت من ترسيخ وجودها عبر السنوات لتصل إلى مكانتها الحالية. أنا أتصور أن مهرجان الجونة على مدار خمس سنوات استطاع إثبات وجوده كرقم مهم جدًا بين المهرجانات الدولية في المنطقة العربية. مهرجان يتمتع بجاذبية وفاعلية توازي مهرجانات عربية يصل عمرها إلى ربع أو نصف قرن. الجزء الحيوي في أي مهرجان هو قدرته على التقدم، أي عدم التراجع وعدم الوقوف في المكان، وهو ما تحقق بالنسبة لمهرجان الجونة بفضل الطموح والشغف. أنا راض جدًا عن الموقع الدولي الذي وصلنا إليه خلال هذه الفترة الوجيزة بحيث صار كثير من الوسط السينمائي وبالأخص المحترف يعرف الكثير عن مهرجان الجونة وعن مدينة الجونة. ما أتمناه في الدورة الخامسة هو أن نبقى محافظين على ذات الشغف الذي بدأنا به الدورة الأولى لأنه صمام الأمان بالنسبة لنا وهذا لا يتعارض مع قدرتنا التنظيمية المتزايدة وفريق عملنا الذي صار يتمتع بفعالية ومعرفة وتجربة أكبر.

*ما الذي يضيفه الشغف بالنسبة لإدارة مهرجان سينمائي؟
عندما يسيطر الروتين وتهيمن الضوابط التنظيمية الجامدة على أي عمل يفقد مع الوقت علاقته بمحيطه. الدورة الأولى للمهرجان هي الأكثر سطوعًا رغم أن المهرجان في ذلك الوقت لم تكن إقامته سوى تكريس لمستوى معتاد في الوقت الذي نلحظ فيه قفزات في صناعة المهرجانات الدولية. البعض كان ينتظر فشلًا ذريعًا، أو أن يسير المهرجان على نفس خطى الكثير من المهرجانات السينمائية القائمة في مصر والمنطقة العربية، لكن ما حدث هو أن الدورة الأولى خلقت تحديًا جديدًا ليس لنا فحسب، بل لكل محيطنا السينمائي، لأن الوسط الصحفي والإعلامي والسينمائي لم يعد يقبل بمستوى أقل من ذلك الذي فرضه مهرجان الجونة في دورته الأولى. أتصور أن المضي بنفس روح التجديد والاستجابة للتلقائية والابتكار هو الضامن لاستمرار النجاح.

*كيف يمكن تحقيق المعادلة بين وجود نظام صارم وترك مساحة لروح المبادرة والتجديد المتواصل؟
وجود نظام صارم في أي فعالية يحميها من العشوائية. لكن مفهوم النظام بالنسبة لنا يتمثل في عدة عوامل. أولها هو أن يكون كل عضو في الفريق قادرًا على الوصول الفوري للمعلومات التي تمكنه من التعامل مع أي موقف دون الخضوع للاجتهاد والمزاج الفردي. ولهذا استخدمنا نظامًا إلكترونيًا داخليًا معتمدًا في أكثر من 180 مهرجانًا دوليًا قائمًا “إيفنتيفال” لتدقيق وتنظيم وإتاحة أي معلومة يحتاجها أعضاء الفريق عن المهرجان.
العامل الآخر في هذه المعادلة هو التعاون الكبير بين أعضاء الفريق بحيث يشعر كل فرد مهما كان حجم مهمته أو عمره أنه جزء مهم من المهرجان. لا توجد لدينا بيروقراطية إدارية أو حواجز بل نعمل جميعًا كفريق واحد كبير، وهذه الروح انعكست على ما قمنا به. خلال السنوات الأربع الماضية، وفي كل واحدة منها أحاطنا الكثير من المتطوعين بجهودهم الرائعة. شباب وشابات وفتية تتراوح أعمارهم بين 16 و19سنة. هذا أمر مهم جدًا وحيوي. أزعم أنه قبل انطلاق مهرجان الجونة لم يكن هناك وجود لثقافة التطوع بهذا العدد الضخم في المهرجانات السينمائية المصرية، فيما تعتمد أهم المهرجانات الدولية الكبرى على جيوش من المتطوعين الذين يشكلون قوة كبيرة لها.

*كيف ينعكس هذا الجانب التنظيمي على محتوى المهرجان من الأفلام والمشاريع والفعاليات الأخرى؟
يقوم المهرجان على أجزاء رئيسة، كل جزء منها يدعم الآخر. بالنسبة لي كمدير مهرجان، يتربع البرنامج على قمة الأولويات، فمن دون برنامج جيد لا يوجد مهرجان جيد. منذ الدورة الأولى وضعنا لأنفسنا موقعًا لا نحيد عنه نهائيًا، وهو ما تفاجأ به كثيرون. بعض الموزعين في البداية توقعوا منا أن نعرض إنتاجات مر عليها عام أو عامان، لكننا كنا مصرين على أن يكون لدينا العرض العربي الأول لكل فيلم نعرضه. ولأننا قدمنا دورة أولى بهذه المواصفات كان التراجع عنها أمرًا مستحيلًا. الدورات اللاحقة رسخت هذا الموقع والتوجه.
هذا الأمر يخضع لعوامل عديدة من بينها موقع مصر والعالم العربي من الإنتاج والتوزيع السينمائي الدولي. فالمنطقة العربية ليست سوقًا جذابة للاهتمام الدولي السينمائي ولا تشكل سوى نسبة ضئيلة من هذا الجانب. هذا بالإضافة إلى أن مشكلة وباء كورونا الذي أضاف المزيد من القيود على التنقل والسفر. لكن يظل هذا طموح المهرجان الذي نتمنى أن نصل إليه.
بعد لجنة التحكيم نأتي لموضوع العرض السينمائي. دون مستوى عرض جيد فإن أفضل الأفلام في العالم ستكون بلا جدوى. رأينا في مهرجانات عديدة أخرى حولنا كيف أفسدت مشكلات عدم توافر نسخ العرض الجيدة عملها. بالنسبة لنا لم نؤجل أي عرض سينمائي على مدى الأربع سنوات السابقة، مع أن توافر نسخ العرض بصيغة DCP قبل أربع سنوات كان صعبًا خاصة وأننا في بلد علاقته بالتوقيت العالمي مختلفة، من جهة اختلاف أيام العطل الأسبوعية وفروق التوقيت مع الولايات المتحدة على سبيل المثال، ما يجعل ضبط جدول العروض من دون تغييرات اضطرارية تحديًا كبيرًا.
ومع العروض الممتازة يجب أن يكون هناك حضور لصناع الأفلام، لأن المهرجان ليس برنامج عرض فحسب، بل هو مكان حيوي للتفاعل. لهذا تواجد صناع الأفلام في مناقشات العروض وفي الندوات والحوارات الصحفية أمر مهم جدًا حرصنا عليه. هذا بالإضافة إلى وجود سوق إنتاج مشتركة تأسست منذ الدورة الأولى للمهرجان.

*هل تمكن مهرجان الجونة برأيك في دوراته الأربع الماضية من تحقيق الحضور الجماهيري المأمول؟
وجود الجمهور عامل مهم جدًا لأن أفضل الأفلام في العالم لا قيمة لها دون جمهور يحضرها. مثلًا في السنة الأولى كان لدينا 18 ألف مشاهد، ارتفع عددهم إلى 22 ألفًا في السنة الثانية ثم تواصل الارتفاع. لكن في هذا الجانب لا يزال عدد التذاكر غير منسجم مع حجم المهرجان. هناك معضلات في المنطقة العربية -باستثناء مهرجان قرطاج- تتمثل في قلة تفاعل الجمهور وحضوره للمهرجانات. هناك معضلات بعضها يتعلق بنا وبعضها لا يتعلق بالمهرجان نفسه. أزعم أننا بحاجة دائمًا لأن تكون لدينا خطة دعائية كافية وجيدة للوصول إلى الناس. فالمهرجان مصمم على أساس أن هناك جمهور يزور المدينة خصيصًا من أجل المشاركة في فعالياته، ومستقبله متوقف على قدرته في استقطاب أكبر عدد من الجمهور والوافدين إلى المدينة خلال أيام انعقاده. رأينا هذا الأمر بوضوح في عام 2020، ففي السنوات التي سبقته كان ضيوف المهرجان يشكلون نصف الجمهور، بينما في العام الماضي شكل الضيوف نسبة ربع أو ثلث الجمهور فقط. ما يعني أن جاذبية المهرجان للجمهور تزداد عامًا بعد آخر، وكذلك بالنسبة للجهات المهتمة بالتفاعل مع أنشطته ودعمه ماليًا. فرص استمرارية المهرجان مبنية على تحوله إلى نقطة وصل بين مصالح الآخرين ومصالحه وبين اهتمامات الآخرين واهتماماته، وأتصور أننا خلال هذه السنوات الخمس استطعنا الوصول إلى هذه المرحلة.
مهرجان الجونة أيضًا يتمتع بميزة - لم يسبقه إليها أي مهرجان آخر في المنطقة العربية - لقد أصبح مهرجانًا شعبيًا، يتندر الناس مع بعضهم البعض فيقولون “انت فاكر نفسك في مهرجان الجونة”. يرجع جزء من ذلك إلى الطريقة والمفهوم الذي تأسس وعمل به المهرجان، لكن جزء كبير منه يعود أيضًا إلى حسن حظه، وهو عامل مهم إلى جانب الاجتهاد. فالمهرجان جاء في توقيت مناسب، إذ كان الناس في البلد وفي المنطقة يتطلعون إلى قصة نجاح، وصادف أن يمثلها مهرجان الجونة ومشاركة مصر في كأس العالم.  من الأسباب الأخرى هو أننا أتينا في توقيت أصبح للتليفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي دور أكبر من قبل. قمنا بالأشياء نفسها التي كان يقوم بها كل من مهرجان دبي ومهرجان أبو ظبي، لكنهما لم يصلا إلى شعبية الجونة الذي صار موضع اهتمام السينمائيين والمختصين ورجل الشارع العادي أيضًا، بفضل التليفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي. كل هذه العوامل خلقت جوًا جديدًا مهمتنا الحفاظ عليه، وهي مسؤولية كبيرة علينا المضي في تحملها.

*هناك عامل آخر وهو وجودك شخصيًا والفريق المؤسس على رأس المهرجان منذ البداية. ألا تعتبر ذلك عاملًا مهمًا من عوامل النجاح؟
هناك برأيي عاملان أساسيان منحا الثقة لعدد كبير من الناس في المهرجان، قبل أن يبدأ، وهما: قبول الموزعين الدوليين الدفع بأفلامهم إلى الجونة وبالتالي إلى مهرجان القاهرة ومهرجانات أخرى للمرة الأولى، بعد أن كانوا مقاطعين للسوق المصرية خشية من قرصنة أفلامهم. العامل الآخر هو قبول مجموعة من أهم الأسماء العربية والدولية على وزن فورست ويتكر وعتيق رحيمي ويسرا وهند صبري وهيام عباس ومحمد ملص وعبد الرحمن سيساكو ويسري نصر الله وغيرهم، الانضمام إلى المجلس الاستشاري الدولي للمهرجان، وأن يبادر نجوم ونجمات من مصر قبل أن تبدأ الدورة الأولى للمهرجان لدعوة أقرانهم في العالم العربي للحضور. كل هذه الأمور ترجع إلى عاملين مهمين. الأول أن هناك ثقة بأن العائلة الساويرسية لا تخطو خطوة إلا عندما تكون مبنية على دراسة وافية ولديها مشاريع ناجحة كبيرة من بينها بناء  مدينة عصرية مثل الجونة، التي صارت على مدى ثلاثين عامًا مدينة مهمة جدًا. هذا بالإضافة إلى توفر القناعة بانعدام وجود صعوبات مالية تعيق تنفيذ المشروع. العامل الثاني هو الثقة بفريق عمل المهرجان وبمعرفة الجميع بما فيهم بشرى وأمير رمسيس وأنا، بتوجهه نحو السينما الجادة، المتجددة الممثلة لطموح السينمائيين الشباب العرب والعالميين. أنا لم ابتدع هذه الخطة وإنما درست كل ما هو موجود في المهرجانات الدولية، وحالة المهرجانات العربية والإمكانات الموجودة بالمدينة، وعلى ضوئها وضعت برنامجًا طموحًا يتوافق مع إمكانياتنا.
المفهوم الذي تم تبنيه منذ السنة الأولى سواء ما يتعلق بعدد الأفلام أو عدد الضيوف، هو أن تبدأ منصة الجونة السينمائية عملها من الدورة الأولى وبتسمياتها الجميلة (منصة الجونة السينمائية، جسر الجونة، ومنطلق الجونة)، بوجودها استندنا إلى قاعدة قوية، ونجحنا في ذلك.  هذا النجاح مهد لنا أرضية جديدة وحقق معادلة مهمة تتمثل في زيادة جودة العمل وانخفاض عدد ساعاته وتحقيق نتائج أفضل وهذه مؤشرات مهمة جدًا على نجاح إدارة العمل. فالمهرجان أصبح قوة استقطاب كبيرة. لم نعد نسعى وراء الأفلام فحسب بل صارت هي تأتي إلينا أيضًا، لأننا أصبحنا موضع ثقة دولية. كما توفرت قناعة في الوسط السينمائي الدولي أن مهرجان الجونة هو أحد المنافذ الرئيسية للإنتاجات السينمائية العالمية في المنطقة، لهذا صارت لدينا القدرة على اختيار العروض الأولى في المنطقة العربية، وسط تزاحم كبير جدًا من مهرجان القاهرة وقرطاج ومراكش والبحر الأحمر. أن تكون لديك القدرة على الحصول على أفضل الإنتاجات الدولية هذه عملية ليست سهلة. البعض يقول إن ما نفعله هو مجرد تجميع لأفلام معروضة في مهرجانات دولية، متناسين أن الأفلام لا تأتي إلا إذا اقتنع الموزع بأن المهرجان هو المكان المناسب لعرضها. لقد صار مهرجان الجونة بالبصمة الفنية المميزة لبرنامجه، منصة مهمة للأفلام الروائية والتسجيلية الطويلة والقصيرة. بل صار موزعو الأفلام القصيرة في العالم يعتبرونه واحدًا من المهرجانات الرئيسية مثل كان وفينيسيا لتوزيع الفيلم القصير. لهذا نرى أن جزء كبير من برنامج الأفلام القصيرة لدينا هو عرض عالمي أول. ويرجع ذلك للطريقة التي نتعامل بها مع برنامج الأفلام القصيرة من خلال تقديم جوائز نقدية معتبرة والذي لا يتوفر على الدوام في الكثير من المهرجانات الأخرى. هذه السنة على سبيل المثال كل الأفلام القصيرة تقريبًا تم دعوة مخرجها أو منتجها أو كلاهما، وهذا بالنسبة لنا نجاح كبير.

*إلى أي مدى قد يؤثر ظهور لاعبين جدد على الساحة، مثل مهرجان البحر الأحمر، على النجاح الذي تحقق؟
أي تواجد لمهرجانات أخرى ناجحة سينعكس بشكل واضح جدًا وإيجابي على نجاح المنطقة لأنه سيضيف وزنًا جديدًا إلى وزنها. زيارة صناع الأفلام العالميين لأي مهرجان يقام في المنطقة العربية يزيل حاجز الغربة والاغتراب ويصحح بالتدريج التصورات السلبية عن منطقتنا، كما يزيد الاهتمام بالمنطقة العربية ولغتها. العامل الإيجابي الأكبر هو أن المنافسة تجعلك أكثر يقظة وحماسًا وتدفعك لابتكار أفكار جديدة. ربما سيكون هناك نوع من المنافسة الحادة على العروض الأولى للأفلام العربية لأنها قليلة، لكن بالنسبة للأفلام العالمية فأن عددها أكبر حتى من قدرة المهرجانات العربية على استيعابها. ربما تحتدم المنافسة على الأفلام العالمية الأبرز بين المهرجانات العربية الكبرى، لكن حتى اللحظة لا زلنا قادرين على الاستحواذ على الحصة الأكبر من أفضل الأفلام العربية والعالمية. لدينا هذا العام برنامج مميز لأفضلها. تمكنا من الحصول على أهم الإنتاجات العربية، واستقطاب الجزء الأعظم من أفضل أفلام مهرجان كان وفينيسيا وسان سباستيان وغيرها من المهرجانات الكبرى، لكن كيف سيكون الوضع في السنوات القادمة، هذا يعتمد على الطريقة التي نعمل بها. إجمالًا أتصور أن كل مكان له تفاصيله ومشاكله وحدوده وأشكال متابعته وعلينا جميعًا أن نواصل العمل وأن نتعاون ونتكاتف لأن الصراع يضر بالجميع. مثلًا التعاون بين مهرجان القاهرة والبحر الأحمر هذا العام في موضوع تغيير المواعيد في رأيي من أقوى تجليات التعاون الذي يفيد الطرفين ويفيدنا كمتابعين لكلا المهرجانين.

*في الدورة الجديدة لمهرجان الجونة قررتم الاحتفاء بالمخرج الأيقونة كريستوف كيشلوفسكي من خلال برنامج خاص لعروض أفلامه الأبرز، ومعرض صور، وحفل موسيقي. لماذا كيشلوفسكي؟
أولًا أحب الإشارة إلى أن مهرجان الجونة هو مهرجان دولي يقع في المنطقة العربية وفي مصر. هناك منحى بالتأكيد نحو استحواذ كل ما هو مصري وعربي على المساحة الأكبر من المهرجان بحكم الوجود الجغرافي. لكن من المهم أن لا ينسى المرء أنه في النهاية مهرجان دولي في المنطقة العربية. لهذا فأن برامجنا الاحتفائية متنوعة من أنسي أبو سيف لفيليني، ومن إحسان عبد القدوس ويوسف شاهين لكيشلوفسكي. نحتفي هذا العام بواحد من أباطرة السينما، المؤثر جدًا على المستوى العالمي والمقدر عربيًا. وهناك عامل آخر يتمثل بترميم شركة فرنسية إم كادو (MK2) لمجموعة من أفلامه، وبالنسبة لأي مهرجان سينمائي، هناك اهتمام ورغبة دائمة لتوفير فرص نادرة أمام جمهوره لمشاهدة تلك الأفلام المرممة على شاشة كبيرة.

*يتضمن برنامج التكريمات اسم النجم أحمد السقا، الذي ينتمي لجيل النجم محمد هنيدي المكرم بالدورة الرابعة للمهرجان. ما السر وراء الاهتمام بهذا الجيل تحديدًا؟
المسألة لا تتعلق بجيل وإنما نحن نحتفي بأشكال سينمائية مختلفة. في العام الماضي كان الاحتفاء بالكوميديا وهذا العام نحتفي بسينما الحركة. بشكل عام أتصور أن هناك في مصر على وجه الخصوص العشرات من الأشخاص المستحقين للاحتفاء بهم، وهناك أسباب عديدة للاحتفاء بكل شخص من هؤلاء، وهناك بعض الأسباب التي قد تعيق احتفاءنا بهم. مثلًا كون النجمة يسرا ضمن اللجنة الاستشارية العليا لمهرجان الجونة يمنعنا من الاحتفاء بها رغم أنها الأكثر استحقاقًا للتكريم باعتبارها واحدة من أبرز الفنانات المؤثرات على أجيال وليس على جيل واحد. وهناك آخرون قد تم تكريمهم في هذا المهرجان أو ذاك، لهذا نحن نرغب في منح فرص لأسماء أكثر. أحمد السقا ممثل سينمائي محبوب ومن خلاله نحيي سينما الحركة لكن هناك عشرات المبررات الأخرى لاختياره. على نفس المنوال يكرم المهرجان النجم الفلسطيني محمد بكري، ليس لكونه رائدًا في السينما الفلسطينية فحسب، بل لكونه واحدًا من أبرز السينمائيين العرب. بكري مخرج وممثل سينمائي ومسرحي، وهو من بين الممثلين العرب القلائل الحاضرين في السينما العالمية. النقطة الأساسية في اختيار الشخصيات المكرمة هو أن يكون الشخص مستحقًا للتكريم وألا يكون خارجًا عن دائرة الاستحقاق، أما عن دلالات الاختيار فكل شخص سيجد دلالاته الخاصة في كل اختيار. على الصعيد الدولي نشعر بنصر كبير لتكريم المخرج الأمريكي دارين أرونوفسكي وهو واحد من أهم المخرجين السينمائيين في الوقت الحاضر.

تبدو خيارات منصة الجونة هذا العام مميزة بأسماء جديدة بعضها لمخرجين لديهم بالفعل أفلام في برنامج عروض الدورة الحالية، وبعضها لمخرجين تحصلت مشاريعهم على دعم المهرجان في دورات سابقة. ربما يشير ذلك إلى أن الدورة الخامسة لمنصة الجونة تحمل المزيد من بلورة فلسفة المهرجان في دعم مشاريع الأفلام.
من الطبيعي أن يستقطب كل مهرجان مجموعة من الأسماء التي تتشارك معه نفس المنظور وطريقه التفكير والتناول السينمائي.  هناك صناع أفلام يثقون بالمهرجان مثلما يثق بهم ويحاولون التوجه بإنتاجهم لنا قبل التوجه إلى أي جهة أخرى. وكثير من المشاريع التي تذهب لمنصات عربية أخرى توجهت لنا في البداية لكن محدودية قدراتنا الاستيعابية دفعتها للتوجه إلى آخرين غيّرنا.
لكن بشكل عام أحب أن أشير إلى أن قياسنا للمشاريع السينمائية لا يتحدد بالأسماء بل بذات المشاريع والأفلام. لذلك على مدى السنوات الخمس الماضية رُفضت مشاريع قُدمت لنا من أسماء سينمائية كبيرة، بينما تقدمت لنا مشاريع من أشخاص أقل خبرة بكثير لكن طبيعة مشاريعهم وإحساسنا بموهبتهم جعلتنا نثق بهم. هذا الأسلوب في إدارة اختيار المشاريع حقق نتائج مبهرة على مر السنين. كل مخرج من حقه تقديم فيلم أو فيلمين أو ثلاثة ومن الممكن أن نقبلها جميعًا لأن الفيصل هو المشروع وليس اسم صانع الفيلم ولا جنسيته. نحن لا نتعامل مع أسماء ولا مع تمثيل جغرافي، بل نتعامل مع أفلام ومشاريع، وهذا ما يجعل منصة الجونة من أبرز المنصات على المستوى العربي، وهي نافذة لمعظم الأفلام العربية إلى مهرجانات مثل، كان وفينيسيا وتورونتو وسان سباستيان وغيرها، وهي من بين إحدى مؤشرات النجاح. لكن المؤشر الأساسي برأيي هو الجدية الكبيرة لفريق برمجة منصة الجونة السينمائية في النظر إلى المشاريع المتقدمة. سنة بعد سنة نتطور أكثر ونستقطب المزيد من الخبرات خاصة وأن العناية بمشاريع الأفلام أمر جديد في المنطقة العربية، وهو ما يجعلنا نصل إلى معادلة ممتازة جدًا تجعل عدد المشاريع المميزة أكبر من قدرة المنصة على الاستيعاب رغم وجود منصات أخرى تعد بطموح مالي أكبر. أفضل مثال فيلم “جنائن معلقة” للمخرج العراقي أحمد ياسين الدراجي الذي حصل هذا العام على جائزة لجنة التحكيم الخاصة بورشة فاينال كت بمهرجان فينيسيا. هذا هو فيلمه الأول، وقد دعمناه في مهرجان الجونة قبل سنتين في مرحلة التطوير، ثم لاحقًا في مرحلة ما بعد الإنتاج دون أن يكون للمخرج فيلم طويل سابق. الفيصل الوحيد في أسباب دعمنا له كان إعجابنا بمشروع فيلمه الذي انطوى على طموح مهم دون النظر لأي اعتبار آخر.

*ما الجديد الذي يعد به مهرجان الجونة في دورته الخامسة؟
بالتأكيد كما ذكرت فأن الروح التي نعمل بها في كل دورة من دورات المهرجان هي روح متجددة تنطوي على الكثير من الطموح والشغف تضاف إلى الخبرات التي نكتسبها على مر السنوات. في الدورة الخامسة للمهرجان تضاف لمسابقاته مسابقة أفلام البيئة وهي مسابقة جديدة، وسيكون لدينا لأول مرة لجنة تحكيم لأفلامها. عندنا خمسة أفلام مرتبطة بقضايا البيئة في برنامج هذا العام. الفكرة أطلقت في العام الماضي من خلال ندوة تضمنت عرض أحد الأفلام، وجرى العمل بها ابتداء من دورة 2021 وستستمر مستقبلًا، كما نستضيف هذا العام برنامج حكايات طائر الشمس الذي سيدعم مجموعة من الأفلام القصيرة المعنية بالأطفال والشباب، وفي السنوات الثلاث القادمة سيقدمون جوائزهم في ورشة عملهم النهائية، ضمن فعاليات مهرجان الجونة السينمائي، وإلى جانبها هناك مسابقة خالد بشارة التي تطورت هذا العام لتكون مختصة بمشاريع الأفلام القصيرة حيث وصلنا 120 مشروع فيلم مصري قصير. والمسابقة برأيي واحدة من الإضافات المهمة الكبيرة لأنها أتاحت للمهرجان إقامة علاقات جديدة مع وسط سينمائي كان من الصعب عليه الوصول إلى مهرجان الجونة.
تغير آخر حصل هذا العام يتعلق بالجائزة التي يمنحها الاتحاد الدولي لنقاد السينما “فيبريسي” حيث تم الاتفاق أن يتحول توجهها لتقدم جائزة للأعمال الأولى لصانعهيا في قارتي آسيا وإفريقيا، في الوقت الذي كانت تُقدم فيه تلك الجائزة في السنوات الماضية لأفضل فيلم عربي.
 

شارك الخبر على