سمير جعجع عدوّ سمير جعجع الأكبر (جورج سعود)

أكثر من سنتين فى تيار

في بلدٍ فرضت عليه جغرافيّته أن يتأثّر بأصغر تطوّرات جواره وفرضت عليه مشاريع الاستدانة تاريخياً أن يتأثّر بمواقف دائنيه، لا تتحمّل سياسته مواقف رماديّة. فكلّ هذه المتغيّرات في الجوار والعالم تفرض على بعض من هم في سدّة المسؤولية بأن يتموضعوا بما يتناسب مع رؤيتهم الوطنيّة، بينما تفرض على البعض الآخر التّموضع بما يتناسب ويحمي مصالحهم. عليه، فإنه من السّهل جدًّا أن ينشأ، لكلّ من يمارس العمل السياسيّ، أخصام… وفي بعض الاحيان أعداء. هذه هي القاعدة في لبنان. ومن ينكرها يكون قد نكر تاريخ لبنان الكبير منذ تأسيسه.ولكن كما هو الحال دومًا، فلكلّ قاعدة شواذ. وللقاعدة اللّبنانية: سمير جعجع.لا يخدعكم للحظة أنّ الشّواذ في هذه الحالة يعني أنّ لسمير جعجع خيارًا وطنيًّا يمكنه المزايدة به على أحد. فجلّ ما في الأمر أنّه ليس لجعجع رؤية وطنيّة ذات بعد إقليمي ودولي تمكّنه من التّموضع في إحدى المعسكرات الكبرى. وهنا أيضاً ليس المقصود الإطراء.فسمير جعجع صاحب هدف وليس رؤية. والهدف لطالما كان زعامة المجتمع المسيحي إن كان بتسلّق سلّم القيادة في القوات اللّبنانية في الثّمانيات بحدّ السيف، أو بالتّسليم باتفاق الطّائف مقابل التفرّد بتمثيل المسيحيين في السّلطة (هذا كان رهانه)، أو بالحلف الرباعي في انتخابات ال٢٠٠٥ النيابية، أو بترشيحه العماد عون الى رئاسة الجمهورية ظنّاً منه أنّ الرّئاسة ستنهي حالة "عون القائد الحزبي" فتخلو له السّاحة المسيحيّة.
لم يعد بإمكان سمير جعجع أن يقنع أحدًا بأنّ سوريا هي عدوّته وهو الّذي سند ظهر السّوريين بمدفعيته في ١٣ تشرين ١٩٩٠ لإنهاء حالة ميشال عون، ثمّ ذهب معهم إلى الطّائف لاقتسام المغانم.كما أنّه لم يعد بإمكانه أن يقنع أحدًا بأنّ حزب الله هو عدوّه الأوّل، وهو تحالف معه في انتخابات ال٢٠٠٥ لكسر ميشال عون. لا بل أنّه سعى مرارًا وتكرارًا في السّنين الأخيرة لفتح قنوات حوار وتلاقي مع قيادة المقاومة.
أمّا اليوم، وبعد أن ارتأى لمن أرادوا محاصرة حزب الله، أنّ الطّريقة الأسهل لتحقيق هذا الأمر هي بضرب حليفه الأقوى، شُنّت حرب كونيّة على شخص الرّئيس عون وشخص الوزير باسيل وعلى التيار الوطني الحرّ وجمهوره. حربٌ موّلها الخارج ونفذّها الدّاخل. وفي بلد تركيبته طائفيّة كلبنان، مَن أفضل من سمير جعجع ليكون رأس حربة لهذا المشروع في المجتمع المسيحي؟لقد أخذ جعجع المسؤوليّة على عاتقه، وجمع أموالاً خارجيّة ووظف ماكينات إعلاميّة وقيادات حزبيّة ومناصرين، وقاد حربًا مفتوحة على الرّئيس عون والوزير باسيل. تارةً يطالب باستقالة الرّئيس محمّلاً إيّاه مسؤوليّة تدهور الوضع الاقتصادي. وهو الّذي سعى بنفسه وشارك بتجريده من صلاحيّاته حينما بارك اتفاق الطّائف. وطورًا بلغ فيه الهذيان أن يوحي بأنّ سبب استمرار وجود سلاح حزب الله هو تحالف التيار الوطني الحرّ معه. لا يبخل سمير جعجع على مناصريه وعلى من يظنّ أنّهم مستقلّين بتفاهة خطابه. عقله يدرك تمام الإدراك مدى تفاهة ما يلفظه لسانه، ولكن عقله أيضًا مقتنع بأنّ هذا الخطاب يخدم "الهدف".أمّا ما هو ليس لمصلحة سمير جعجع، يكمن في أنّه صاحب هدف بلا رؤية. فمن يفتقد الرّؤية في السّياسة يُباع بأبخس الأثمان على طاولة الكبار. ففي الوقت الّذي تجري فيه المحادثات الأميركيّة-الايرانيّة، واللّقاءات الايرانيّة-السّعوديّة لا تُخفى على أحد، والانفتاح العربي والخليجي على سوريا بعد قطيعة ١٠ سنوات أصبح واقعًا، والخيار الاسرائيلي في العدوان على لبنان أصبح مستبعدًا، وكلّ ما لم يتوقّعه عقلٌ بشريٌّ بدأ يتحقّق، نرى سمير جعجع منفصلاً عن واقع الأمور، مفتقرًا لأي رؤية أو تحليل لما يمكن أن تؤول إليه الأمور، غارقاً بسذاجة حساباته لتحقيق هدفه المنشود.
ما لم يستطع تحقيقه هذا الرّجل في ٣١ عامًا، لن يستطيع تحقيقه اليوم. فقوقعة التّفكير والعطش لزعامة المجتمع المسيحي، جعلت من سمير جعجع عدوّ سمير جعجع الأكبر

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على