“ البلاد” تنظم ندوة عن معاناة الفنان البحريني... مصدرها والحلول
ما يقرب من ٣ سنوات فى البلاد
العكبري: المسؤولون يخشون المجازفة ولا يتقبلون الأفكار الجديدة والجريئة
إبراهيم: نحتاج خطة وطنية واسعة لتأسيس صناديق للدعم والتمويل
شمس: نطالب بطاولة مفتوحة للحوار بين الجهات الرسمية وشركات الإنتاج
جميع حدائق الكون تزدهر بأغصانها الطويلة، إلا حدائق الفنان البحريني التي تعاني من الجفاف المزمن والطقس القاسي. سنوات طويلة وهو يتألم من مذاق الإهمال رغم قوته واحترافيته التي تشبه البرق والرعد. كل من حوله في دول الجوار تشققت وجوههم بالفرحة الغامرة، إلا وجهه ظل عابسا من الهم والانتظار. ندرة في الأعمال وتدنٍّ في الأجور وأسئلة كثيرة ملغومة بالحزن والفجيعة.
“البلاد” وفي هذه الندوة تسلط الضوء عبر استضافة المنتج والفنان قحطان القحطاني، ومدير الإنتاج أحمد جاسم العكبري، والفنان عادل شمس، والمخرج السينمائي الشاب محمد إبراهيم، على كل المعايير والموازين التي خلقت معاناة الفنان البحريني وحدت من عطائه ونشاطه عبر السنوات الطويلة الماضية، وما الحلول الممكنة التي من شأنها أن تعيد لمعان صورته وتجعله يتنفس هواء التقدير والاهتمام والبعد عن شمس الإهمال الحارقة.
قحطان القحطاني:
منذ أن صعدت على خشبة المسرح العام 1973 وإلى هذا اليوم وكلمة معاناة الفنان البحريني مازالت موجودة وعالقة والأجيال تتداولها. بعد تلك السنة دخلت مغامرة، حيث تقدمت لدراسة الفنون في المعهد العالي للفنون المسرحية بالكويت في ظل عدم وجود بنية تحتية لقيام حركة فنية في البلد، ولكنني أصررت أن أحصل على شهادة أكاديمية تمنحنا الثقة من قبل البلد؛ لكي نقوم بدورنا لتحقيق ما لا يمكن تحقيقه في السابق، وهو إنشاء بنية تحتية للمسرح في ذلك الوقت.
ويضيف: دخلنا المعترك وكنا ننحت في الصخر بشكل لا يوصف عندما نعمل على مسرحية ما، فقد كنا نقوم بكل شيء من الألف إلى الياء، من قراءة النص وتمثيله وحتى لصق الإعلانات في الشوارع وكنس الصالة وتنظيفها، ولكنها كانت بمثابة معاناة جميلة تمهد لنا الدخول في معترك الحياة الفنية في البحرين التي لا تزال تعاني من المد والجزر، وكلمة “المعاناة” موجودة ومعلقة على الرف لسبب واحد وهو عدم وجود اهتمام والتفاته معنوية لدعم العمل الفني.
ويتابع قحطان:
للأسف الاهتمام بالفنان البحريني مفقود وتم إقصاؤه عن المشهد الحضاري للبلد، علما بأن الفن والثقافة ينقلون الصورة المثلى لأي بلد في العالم، فعلى سبيل المثال.. حينما انهار الاتحاد السوفيتي بجبروته وحجمه لم يبق منه شيء سوى أسماء عمالقة الفن والثقافة “كستنلافيسكي وجايكوفسكي وغيرهم”...هذا ما تركه الاتحاد السوفيتي، صناع الكلمة والفن.
نطمح بأن يكون هناك اهتمام فعلي بالفنان البحريني ودعمه، فأحيانا يقوم بعض الشباب بإرسال تجاربهم الفنية لإبداء الرأي والتقييم، سواء في السينما أو المسرح أو التأليف بحكم خبرتي الطويلة، بيد أن السؤال المهم .. لماذا لا تكون هناك جهة مسؤولة تحتضن هذه المواهب الشابة وتقدم لها النصيحة، فالطاقات موجودة، ولكن كما أسلفت لا توجد عندنا بنية تحتية وأساسيات للعمل الفني في البحرين؛ لكي تستفيد منها الأجيال القادمة ولا تضيع مثلنا.
جانب مهم آخر أود الإشارة إليه، وهو ضرورة الاستثمار في الفن والثقافة أسوة بدول الجوار، كما نستثمر في الرياضة والاقتصاد، وأيضا ضرورة وجود حلقة وصل بين الفنانين والجهات الرسمية.
وقبل أن ينهي حديثه ذكر قحطان حادثة نضع أمامها علامة استفهام كبيرة ولا نعرف إن كان الوضع قد تغير اليوم أم لا.. يقول:
أحلتُ إلى التقاعد من وزارة الإعلام العام 2006 بمسمى مستشار في الجواز.. ذهبت للجهات المعنية لتحويل الاسم وقلت لهم ضعوا لي اسم فنان، أو ممثل، أو منتج. أجابوني. لا يوجد مسمى لهذه المهن في السجل السكاني!
احمد جاسم العكبري:
عندما نتكلم عن معاناة الفنان البحريني ينبغي طرح السؤال التالي: هل هي معاناة مثل معاناة الوظائف الموجودة، على اعتبار أن العمل الفني في البحرين ليس احترافيا وإنما هواية. والشيء الآخر هو أننا نفتقد البنية التحتية الأساسية في البحرين كشركات ومؤسسات الإنتاج، وهذه الشركات بطبيعة الحال تحتاج إلى دعم كما هو موجود في دولة الكويت. أي أن الوزارات تقدم تسهيلات لتلك الشركات والمؤسسات بغية خلق بنية خصبة لتطوير واستمرارية الفنان.
وحسب خبرتي الطويلة في مجال الإنتاج، فإن الانتاج يحتاج إلى مقومات كثيرة وعديدة، وإذا لم تتوافر هذه المقومات لا يمكن أن نقدم عملا متكاملا ولن يستفيد الفنان في شيء، ونود أن نشير كذلك إلى وجود جهتين مناط بهما قضية دعم الفنان، فوزارة الإعلام هي الجهة المسؤولة عن الأعمال الدرامية، وهيئة البحرين للثقافة هي المسؤولة عن المسرح، ولابد من الجهة الرسمية أن تدعم أطراف الإنتاج من شركات ومؤسسات عبر تسهيل الكثير من الأمور التي يحتاجها الإنتاج.
وأضاف العكبري:
على أرض الواقع والملموس، فإن المسؤولين يخشون المجازفة في عملية الإنتاج ولا يتقبلون الأفكار الجديدة والجريئة، وهذا ما يسبب معاناة للفنان البحريني على المدى القريب والبعيد، كما أن البرلمان والشورى تنقصهما لجان تهتم بالفنانين والمبدعين، فاللجان في البرلمان والشورى موجودة لكل المجالات إلا الفن والثقافة، وهذا شيء محير فعلا بوجود شخصيات معروفة باهتمامها وتذوقها للفنون والثقافة.
وأخيرا أشار العكبري إلى الأجور المتواضعة التي يحصل عليها الفنان البحريني مقارنة بأجور إخوانه في دول الجوار الذين يحصلون على مبالغ طائلة وفي بعض الأحيان تصل للمليون نتيجة الاحتكار، كما أن هناك فنانين بحرينيين من دون وظائف، والبعض الآخر من دون راتب تقاعدي، وتزداد حجم المعاناة عند المرض والمرور بظروف حياتيه صعبة قاسية لا سمح الله.
محمد إبراهيم:
سأتكلم عن النشاط السينمائي في البحرين وهو النشاط الذي أعمل في حقله. الإنتاج السينمائي في البحرين وكما هو معروف يعاني من الشحة، ولا نستطيع لوم الدولة بشكل عام، والسينما تختلف عن المسارح التي تصرف لها ميزانية سنوية كافية لتقديم الأعمال، وأيضا المجال مفتوح لها للتعامل مع جهات تجارية للدعم. بمعني أن مجال المسرح أفضل حالا من السينما؛ لأنه في النهاية غير مكلف مثل السينما.
مجال الأفلام في البحرين يعتمد على الاجتهادات الشخصية، ونحن في نادي البحرين للسينما باعتباري في مجلس الإدارة نحاول قدر المستطاع أن نقدم الأفضل، ولكن في نطاق المتاح على حسب الميزانية. فلا نستطيع إنتاج الأفلام، ولكننا نستطيع تنظيم مهرجانات وفعاليات.
ويتابع محمد..
هيئة الثقافة تدعم أنشطتنا السينمائية معنويا وكل الشكر للشيخة مي بنت محمد آل خليفة، والشيخة هلا بنت محمد آل خليفة، بيد أننا في حاجة إلى خطة وطنية واسعة طالما نتحدث عن الدعم والتمويل، وأعني ضرورة وجود صناديق للدعم مثل الدول الأخرى التي شكلت الصناديق من قبل المهرجانات والهيئات، بحيث تقوم هذه الصناديق بدعم المشاريع الشبابية الفنية، مع وجود لجان تفرز الأعمال وتقيمها.
هيئة الثقافة قامت - مشكورة - العام 2014 بتأسيس صندوق دعم الأفلام البحرينية وأنا أحد المستفيدين من هذ الصندوق، ووصلت بفيلمي إلى اكثر من مهرجان وحققت جوائز أيضا.
كما أود التركيز على ورقة مهمة جدا في حقل الفن والثقافة، وهي ورقة القطاع الخاص تحديدا، فالقطاع الخاص لابد أن يكون شريكا مع الدولة في مسألة دعم الفنون والثقافة؛ لأن المجال الذي نعمل فيه يعتمد على المادة بشكل كبير، ولا يمكن مقارنته على سبيل المثل مع الفن التشكيلي أو النحت مع كامل مع تقديري للفنون الأخرى.
عادل شمس:
الحديث طويل وشائك، ولكنني سأختصر إجابتي بما يلي..
القضية برمتها تحتاج إلى تعاون مشترك وديمومة واستمرارية. أي استمرارية دعم الفنان واستمرارية الأعمال التي تقدم، فطالما الفنان يعيش في نشاط ويظهر في أعمال، فهذا يعني تطورا وتوسعا بما ينعكس على عموم الحركة الفنية في البحرين. بخلاف التوقف وشحة الأعمال التي تسبب الكثير من المعاناة والضيق للفنان.
وهناك قضية أخرى، وهي مؤسسات الإنتاج وسأقولها بكل صراحة.. شركات الإنتاج في البحرين مازالت غير قادرة على إنتاج مسلسل من 30 حلقة بمستوى راق ورفيع، ناهيك عن المشكلات التسويقية والتضارب والعمل في بقع منفردة.
واختتم شمس حديثه بالقول:
بالنسبة لي...أدعو إلى طاولة مفتوحة للحوار بين الجهات الرسمية وشركات الإنتاج؛ بغية التوصل إلى صيغ مشتركة تعود بالنفع على الفنان البحريني والساحة الفنية، وعلى الدولة أيضا أن تستثمر في الفن إن أرادت الوصول إلى على المراتب في هذا الحقل المهم والحيوي في حياة الشعوب.
الخلاصة
إن التوجه الجاد من قبل الجهات المعنية لدعم الفنان البحريني ومساندته ضروري للغاية، وكان ينبغي أن يبدأ به قبل سنين عديدة، ونحن في “البلاد” وعبر هذه الندوة ذات الأهمية الخاصة تناولنا بعضا من هموم ومشكلات الفنان البحريني وتركناها للمناقشة والاستنتاج وللبحث والتنقيب.