سوريا في ٢٠٢٠.. حرب ووباء واقتصاد منهار

أكثر من ٣ سنوات فى البلاد

دخلت سوريا العام الجديد على وقع حرب مُستعرة كانت تشنها قوات النظام السوري وبتغطية عسكرية وسياسية روسية على فصائل المعارضة السورية.

الحملة العسكرية وقتئذ كانت تُذكر بالسنوات الأقسى من الحرب السورية، حيث أن قُرابة نصف مليون نازح هُجروا من بلداهم وقراهم، في المناطق الشرقية من محافظة إدلب، وتمتنع تركيا عن استقبالهم، ليعيشوا في العراء خلال فصل الشتاء.

مراقبو المشهد السوري كانوا يقولون إن هدف العملية العسكرية تلك هو سيطرة قوات النظام السوري على طريقي M5 وM4 الدوليين، حيث يربط الأول مدن دمشق وحُمص بمدينة حلب الاستراتيجية، وبقي مُغلقاً لسنوات كثيرة، بسبب سيطرة فصائل المعارضة السورية على بلدة سراقب شرق محافظة إدلب، بينما يربط الثاني مدينة حلب بمناطق الساحل السوري، عبر محافظة إدلب.

نجح النظام السوري في تحقيق هدفه الأولى، مما اُعتبر مكسباً استراتيجياً له على حِساب معارضيه. بينما تدخلت تركيا سياسياً وعسكرياً بزخم استثنائي لمنع تحقق الهدف الثاني، الذي كان تحقيقه سيعني خروج تركيا من الملف السوري تماماً.

بعد جولات من المباحثات المكوكية بين الرئيسين التركي والروسي، وإدخال تركيا لقرابة عشرين ألفاً من قواتها المسلحة إلى داخل محافظة إدلب، وحدوث أكثر من مواجهة عسكرية بين جيش النظام السوري ونظيره التركي، توصلت الأطراف إلى اتفاق سياسي/عسكري سُمي "منطقة أردوغان-بوتن"، توقفت الحرب بموجبه، لكن مع احتفاظ النظام السوري بكامل المنطقة التي احتلها خلال الأسابيع الثلاثة من الحرب، والتي قُدرت بثُلث مساحة محافظة إدلب. كذلك فإن الاتفاق نص على أن يكون طريق M4 الدولي مفتوحاً لجميع الأطراف، وأن تُشرف عليه دوريات مشتركة من الجيشين التركي والروسي.

التحليلات اللاحقة لتلك الحرب، قالت إنها كانت تنفيذاً لـ"صفقة مسبقة" عقدتها كل من تركيا وروسيا قبل شهور قليلة. بحيث استجابت روسيا للمتطلبات التركية لاحتلال الشريط الحدودي بين بلدتي رأس العين وتل أبيض السوريتين، خلال الحرب التي خاضتها ضد قوات سوريا الديمقراطية في شهر أكتوبر من العام السابق، والسيطرة الأمنية المشتركة للطرفين على باقي الشريط الحدودي، مقابل السماح لروسيا وقوات النظام السوري باجتياح المناطق الشرقية والجنوبية من محافظة إدلب، وهو ما حدث.

بُعيد انتهاء تلك الحرب، التي غطت كامل الشهور الثلاثة الأولى من العام، هدأت الجبهات السورية عموماً، ولم تُخاض حروباً وتتغير حدود النفوذ بين القوى المهيمنة على المناطق الجُغرافية السورية لأكثر من 8 أشهر كاملة، وهي المرة الأولى التي تشهد فيها الحرب السورية نوعاً من الهدنة الطويلة غير المُعلنة، التي تخللتها بعض المناوشات وعمليات القصف المتبادلة، سواء بين قوات النظام السوري وفصائل المعارضة في منطقة إدلب، أو بين الفصائل الموالية لتركيا وقوات سوريا الديمقراطية في منطقة شرق الفرات.

في أواخر شهر مارس من هذا العام، أعلنت السلطات السورية الرسمية تسجيل أو حالة للإصابة بفيروس كورونا قادمة من لبنان. ما لبثت الحالات أن تراكمت وتضاعفت، حتى صارت مختلف المناطق السورية حالة وبائية شاملة، دون أن تتمكن السلطات والمؤسسات الصحية السورية من وضع أي تدابير واستراتيجيات للتصدي لانتشار الوباء، بحيث قُدرت أعداد الضحايا بالآلاف، دون أن تُعلن السلطات السورية عن أعدادهم الحقيقية. حتى صارت سوريا تُعتبر من أسوء بؤر انتشار الوباء على مستوى العالم، لانهيار شبكات الخدمات والمؤسسات الصحية على مستوى البلاد، بسبب الحرب الدائرة في البلاد.

في أواسط العام، تحديداً في 17 يونيو، دخل "قانون قيصر" للعقوبات الأميركية على النظام السوري حيز التنفيذ، مما أنذر بتفاقم تدهور الأحوال العام في البلاد، اقتصادياً بالذات.

القانون الذي تضمن حزمة كُبرى من العقوبات على أفراد ومؤسسات النظام السوري الاقتصادية، وما قد يناظرها من شركات وأفراد مرتبطين به أو متعاملين معه أو داعمين له، أراد هز البنية المركزية لعصب النظام السوري، عبر وضع قيود على حركة الأموال والأعمال الاقتصادية التي ييسرها أو يتبادلها النظام السوري لتأمين حاجاته الاقتصادية خلال الحرب.

القانون الذي جاء على "الاسم الحركي" للمنشق العسكري السوري، الذي سرب صوراً لجثث عشرات الآلاف من ضحايا النظام السوري، الذين تم تصفيتهم تحت التعذيب في سجون ومعتقلات النظام السوري، وقدم صوره وشهادته أمام الكونغرس الأميركي، (القانون) حقق ثلاثة فاعليات حديثة، شهدتها الأحوال السورية طوال الشهور الستة اللاحقة لدخول القرار حيز التنفيذ.

فقد خسرت العملة المحلية السورية مزيداً من قيمتها مقابل العملات العالمية، حتى صار الدولار الواحد يساوي تقريباً 3000 ليرة سوريا في أواسط شهر أكتوبر من العام الحالي، بعدما كانت قيمته ضعف ذلك أوائل العام. هذا التراجع في قيمة العملة السورية انعكس على حالة المعيشة في مناطق سيطرة النظام السوري. إذ فُقدت الكثير من المواد الأولية، وصارت طوابير الانتظار الطويلة أمام الأفران ومحطات الوقود معبراً عن الأحوال المعيشية في مناطق النفوذ السوري، التي قالت الإحصائيات بأن أكثر من 60 في المئة من المواطنين فيها يعيشون تحت خط الفقر.

كذلك انعكس الأمر على قدرات النظام السوري على تأمين السيولة الكافية لأجهزة الأمنية والعسكرية والحكومية، وكان ذلك واضحاً من خلال أشكال الاحتجاج التي ظهرت على وسائل التواصل الاجتماعي، لأفراد من المؤسسات العسكرية أو من ذوي ضحايا النظام السوري من العسكريين، حيث ظهرت علامات النقمة واضحة على موالي النظام من العسكريين، جراء ما يُقدم لهم.

الميزانية العمومية التي قدمتها حكومة النظام السوري كانت تعبيراً عن الضائقة المالية الشديدة التي يعانيها، حيث قاربت فقط ثلاثة مليارات دولار، وهي أضعف ميزانية عمومية نسبية في تاريخ البلاد.

سياسياً، كان "قانون قيصر" تأكيداً من قِبل الإدارة الأميركية بأن استراتيجيتها تجاه الملف السوري لن تقبل بإعادة تعويم النظام السوري، بالذات من خلال بوابة إعادة الإعمار، التي طرحتها روسيا وباقي القوى الإقليمية المساندة للنظام السوري لأن تكون أثناء عملية المفاوضات السورية، وليس بعد إنجاز الملف السياسي في البلاد.  فالقانون كان إشارة أميركية واضحة بأن تحولاً نوعياً واضحاً في سلوك وبنية النظام السوري، سيكون وحده مفتاحاً لإعادة التعامل معه والسماح بتلقيه لحزم من المساعدات الدولية التي ستعيد تشييد البنية التحتية التي دمرتها الحرب السورية.

خلال هذا العام أيضا، جرت الجولتان الثالثة والرابعة من مفاوضات اللجنة الدستورية السورية في مدينة جنيف السويسرية، في الـ 24 من شهر أغسطس والـ 30 من شهر نوفمبر على التوالي.

اللجنة الدستورية التي انبثقت عن مخرجات مؤتمر سوتشي للحوار السوري عام 2018، الذي كانت ترعاه روسيا وتريد له أن يكون بديلاً عن القرار الأممي 2254، لاقى زخماً روسياً خاصاً في أواسط العام، عقب انتهاء الحملة العسكرية المشتركة على منطقة إدلب. مما دفع المراقبين لاعتقاد بأنها قد تؤشر لنهاية الصراع المسلح حسب الرؤية الروسية، وانزياح روسيا لتكريس حلٍ سياسي في البلاد.

لكن طوال النصف الثاني من هذا العام، حيث عُقدت جولتان من المفاوضات بشأن اللجنة الدستورية، وتخللتها جولات مكوكية إقليمية ودولية للوسيط الأممي "غيير بيدرسون" بين المتفاوضين والقوى المؤثرة في الملف السوري، أظهرت ما هو عكس ذلك تماماً.

فطوال هذه المدة، نجح النظام السوري في إغراق المفاوضات بفيض من التفاصيل الشكلية، مثل مواعيد عقد الاجتماعات وأماكنها وجدول أعمالها وقائمة الحاضرين. ذلك لعدم الدخول في أي من المواضيع الجدية الخاصة بمهام اللجنة، ولكسب أكبر قدر ممكن من الوقت، بغية الوصول إلى موعد إجراء الانتخابات الرئاسية السورية، في شهر يونيو من العام القادم، وتنفيذها حسب الدستور الحالي، الذي أُقر عام 2012، ويمنع أي مراقبة دولية على العملية الانتخابية في البلاد.

جولتا المفاوضات بشأن العملية الدستورية أثبتت أيضاً إصراراً تاماً من قِبل النظام السوري على القبول بأي حلٍ سياسي لقضية البلاد، أياً كان مستوى الضغوط التي تُمارس عليه، وأياً كان مستوى تدهور الأحوال المعيشية والحياتية للمواطنين السوريين جراء الحرب.

مراقبون ومتابعون للملف السوري أكدوا أن الاستراتيجية الرئيسية للنظام السوري خلال هذا العام تمثلت بقبول واستمراء أقصى الضغوط من الإدارة الأميركية الحالية، والرهان على تغيرها، بحيث تكون الإدارة الجديدة أكثر تساهلاً مع النظام الإيراني، الأمر الذي قد يفتح مجالاً أمام إمكانية اعترافها بالنظام السوري من جديد، والدخول في مساومات معه، دون أن تدفعه لتقديم أية تنازلات سياسية واضحة في الداخل.

لا تظهر حتى الآن الملامح الأولية التي يمكن أن تسير عليه الإدارة الأميركية المنتخبة حديثاً تجاه الملف السوري، لكن المؤشرات الأولية من قِبل فريق السياسيات الخارجية، بالذات من وزير الخارجية المُعين أنطوني بلينكن، تُظهر بأنه لا أفق للنظام السوري في العام القادم.

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على