«وظيفتك جنب بيتك».. مصانع صغيرة تنقذ شباب القليوبية

حوالي ٧ سنوات فى أخبار اليوم

تحقيق: وليد زيدان - محمد العراقي

البداية كانت من قرية طحلة.. قرية صغيرة بمحافظة القليوبية.. البساطة هي سمة طرقها..أصبحت بين ليلة وضحاها «بوصلة» لرجال الإعلام والدولة ونواب البرلمان، بعد أن تم اختيارها لتكون نقطة انطلاق المشروع القومي لتشغيل الشباب ومبادرة «وظيفتك جنب بيتك».

يتوسط أراضي تلك القرية الزراعية مصنعان ضمن 6 مصانع تمثل نواة انطلاق مصرية لتصنيع الملابس الجاهزة وتصديرها للعالم، ويبلغ نصيب المحافظة 12 مصنعا تتوزع بين قراها.. ما إن تدخل المصانع يستقبلك أفراد أمن ليتفحص هويتك.

بعد ذلك يستقبلك باب صغير بالكاد يسمح لشخص واحد للمرور، وعقب دخولك تبصر عيناك عشرات من الشباب والشابات يقمن بأعمالهم بمنتهى الجدية والدقة.. تستقبلك عند الدخول المرحلة الأخيرة من الإنتاج والتي يتم فيها تغليف الملابس بعد صناعتها.. وعلى بعد خطوات قليلة تجد على يمينك صفين من الشباب أمام أجهزة «كي الملابس».. يحتل وسط المصنع ساحة كبيرة تراصت فيها ماكينات الخياطة الحديثة.

7 صفوف تراصت بها الماكينات بطريقة رأسية يفصل بينها «طرقة» صغيرة يمر من خلالها مشرف الجودة والإنتاج. احتلت الشابات السواد الأعظم من قوة العمل على هذه الماكينات يشاركهم الشباب.

الدقة التي يقوم بها العاملون بخياطة الملابس تجعلك تشعر أنهم يمتلكون خبرات سابقة بصناعة الملابس؛ لكن المفاجأة عندما تكتشف أنهم منذ فترة صغيرة بدأت علاقتهم بتصنيع الملابس بعد أن قدموا بمبادرة وظيفتك جنب بيتك «التي يجرى تنفيذها في القليوبية تمهيدا لتعميمها على المحافظات تحت إشراف المجلس الرئاسي للتنمية الاقتصادية التابع لرئاسة الجمهورية، وتم تدريبهم من خلال منظمة العمل الدولية وكبرى المصانع المتخصصة في الملابس».

توفير الوقت

تقول شيرين حسنى، المدير التنفيذي لمجلس تصدير الملابس الجاهزة، إحدى الجهات المشاركة في المبادرة، إن الفكرة بدأ العمل عليها عام 2009 بغرض خلق فرص عمل في المناطق عالية البطالة وتوفير الوقت على الشباب وتسهيل فرصة العمل بإنشاء مصانع بجوار منازلهم تكون بذرة مصرية لزيادة الصادرات.

وتضيف أن هذه المصانع بدأت فعليا في العمل في أكتوبر الماضي وبدأت بالشغل المحلى وتعمل الآن على فتح خطوط تصدير للخارج موضحة أنه تم الانتهاء من 6 وحدات إنتاجية - مصانع - كاملة المرافق والمباني والماكينات من أصل 12 مصنعا تم تخصيصها للمرحلة الأولى بالقليوبية.

وتكمل شيرين حديثها قائلة إنه تم الاتفاق على أنه خلال الثلاث سنوات الأولى للمشروع ستحصل الـست مصانع على تشغيل خارجي كامل من قبل مصانع الملابس الجاهزة منها شركة» جيزة» للغزل والنسيج، وشركة» سمير للفانلات»، وشركة «دايس» للملابس الجاهزة وشركة «أليكس ابارليز»، بالإضافة لتواجد مشرف جودة تشغيل خارجي وتواجد فني صيانة للماكينات لمدة تتراوح بين 3-4 شهور مع تواجد الفني الإداري الخاص بكل وحدة بالمصنع حتى يتدرب على كيفية صيانة الماكينات بشكل عملي.

وتنوه إلى أنه هناك دراسة لأن تكون المراحل القادمة للصعيد والاستفادة من توجه الدولة بتنمية الصعيد، مضيفة أن كل مصنع يتملكها 4 أفراد «فني، مالي، إداري، تسويقي» تم اختيارهم وخضوعهم لتدريب مكثف لمدة شهر قبل أن يحصلوا على الوحدات بإيجار لمدة 10 سنوات ويكون الإيجار خلال الـ3 الأولى منها بمبلغ رمزي 1500 جنيه.

وتؤكد أن المشروع هو نواة لصناعة رجال أعمال جدد حيث بلغت طاقة إنتاجية العمل بالـ6 وحدات 60٪ بمعدل 000 60 - 000 70 قطعة/يومياً.

«الطلبيات كبيرة»

إعلان بأحد الجرائد بداية رحلة أحمد السحلي مع عالم رجال الأعمال..الإعلان كان عن مبادرة ل «وظيفتك جنب بيتك»..قدم بها وتم اختباره وتدريبه ليكون شريكا لـ4 شباب آخرين يملكون المصنع.. السحلى شاب في نهاية العشرينيات من عمره.. كان يملك أتليه للملابس..لم يصدق أنه بين عشية وضحاها سيصبح من صغار رجال الأعمال ويشارك في مصنع سيكون نسبته الأكبر للتصدير الخارجي، فالسعادة والرغبة والطموح سلاحه لتحقيق حلم الوصول للجودة العالمية بالملابس.

يقول السحلي إنه فور قراءة الإعلان قام بالتقديم بالمبادرة فهو لديه خبرة طويلة في الملابس لامتلاكه الأتيليه، ويضيف أنه بعد انتهاء الاختبارات وفترة التدريب قمت بالتعاقد مع المحافظة بإيجار المصنع لمدة 13 عاما بمبلغ 4 آلاف للعام الواحد ويوضح أنه في البداية واجه كثيرا من المشاكل تمثلت في ضعف الجودة لقلة خبرة العمال ولكنها الآن في تحسن بالإضافة إلى ضعف الكميات المطلوبة وانه تم الاتفاق مع شركة راعية في الإسكندرية تقوم بإمدادهم بـ «الطلبيات» الكبيرة ويشير برغم قلة المدة إلا أنه وزملاءه استطاعوا أن يفتحوا خط إنتاج للتصدير لأمريكا.

جهد مضاعف

أحمد سعيد عوض شاب مصري ارتوى بطينه الأرض.. برع في الملابس وعمل مشرفا للجودة بأحد المصانع الكبرى بالقاهرة..8 سنوات هي خبرته في مجال صناعة الملابس.

يقول أحمد إنه علم بالمشروع من أحد أقاربه وتقدم للاختبار ونجح في مراحل الاختبار، مضيفًا أنه لم يصدق حينها يسر الإجراءات حتى تحول حلمه إلى حقيقة، وأوضح أن قلة العمالة الماهرة والتعاقدات هي أبرز المشكلات التي واجهته في العمل.

وذكر عوض، مشرف جودة، أنه في البداية بذل جهدا كبيرا للحصول على عمل حتى ظهر هذا المشروع فتقدم للعمل به ليخرج من سجن البطالة المؤلم ويتحول إلى عنصر فعال في المجتمع، مضيفا أنه في الأيام الأخيرة بدأت تزيد وتيرة العمل بوصول «طلبيات» كثيرة مما زاد من حجم طموحاتهم.

وأوضح أنهم اقتصروا على تصنيع ملابس الأطفال و«القمصان» الرجالي بسبب ضعف الإمكانيات وأغلب العمال هنا في طور التدريب ومرتباتهم ضعيفة «والصنايعية» المتمرسين أجرتهم عالية «على حد قوله وينوه إلى أنهم أمامهم 4 شهور على الأقل ليتقن العمال الموديلات المختلفة وتصل نسبة الإنتاج للمطلوب والتصدير لأكثر من جهة

«غلاء الأسعار»

سامح صبري شاب في العقد العشرين من عمره.. بدأ مشواره في صناعة الذهب.. لم يجد عملا بقريته وذهب للعمل في القاهرة..نصف مرتبه كان يضيع في المواصلات.. أصاب الركود سوق الذهب مع غلاء الأسعار .. ما دفعه للبحث عن فرصة عمل جديدة.. علم بمبادرة اصنع نفسك وقدم بها.

ويقول سامح، مشرف إنتاج، إنه مع توقف سوق الذهب وتقدمه للمبادرة تم تدريبه في المصانع الكبرى للملابس برعاية منظمة العمل الدولية، مشيرا إلى انه بعد انتهاء فترة التدريب قاموا باختياره حتى أصبح مشرف إنتاج ويوضح انه فى المصنع هناك أكثر من مشرف إنتاج وانه مسئول عن جزء معين في الإنتاج ويرأسه مشرف آخر.

«مفيش خصومات»

عبد المنعم إبراهيم شاب يمتلك خبرة طويلة فى «كي» الملابس.. كان يعمل فى احدى كبريات الشركات المتمرسة بالملابس..علم صدفة من أخيه عن المبادرة..قام بالتقديم بها..تم اختباره..نجح فى مراحل الاختبار..سعادة كبيرة ملأت قلبه..عمله بجوار منزله..نصيبه من الخصومات سينعدم فلن يتأخر مرة أخرى يقول عبد المنعم إبراهيم، مكوجى، إنه كان يستيقظ من الساعة الـ5 حتى يستطيع الوصول لعمله فى الموعد المحدد، مضيفا أن نصف راتبه كان يضيع على المواصلات برغم انه لا يتعدى 1200 جنيه ويوضح إن المبادرة ساعدته كثيرا فى توفير الوقت حيث أصبح يستيقظ فى السابعة لأن وظيفته أصبحت بجوار المنزل ويختتم حديثه «الحمد الله مفيش خصومات تانى عشان مش هتأخر على الشغل».

سعادة غامرة

أحمد جودة شاب بلغ عامه الـ24.. تزوج منذ شهرين..عمل بمجال الخياطة بعد حصوله على دبلوم التجارة.. دخله الشهري لم يكن يتعدى 1000 جنيه ، رغبته في تأمين مستقبل أسرته جعلته يبحث عن فرصة عمل قريبة من منزله وبراتب مناسب.. عندما علم بالمبادرة عن طريق أحد أصدقائه أسرع بالتقدم بأوراقه..حالة من السعادة غمرته عندما تم اختياره للعمل بالوحدة.. حاصل على دبلوم تجارة، يقول جودة إن عدد ساعات العمل في المصنع 8 ساعات يوميا براتب 1600 جنيه مع الحصول على نسبة من العائد من المكسب»، مضيفا «قد يصل الراتب إلى 2000 جنيه « مع زيادة الإنتاج بمشيئة الله.

الترويج للمنتج

يؤكد اللواء عمرو عبد المنعم محافظ القليوبية السابق إن القليوبية هي أولى المحافظات المشاركة بالمشروع موضحا أن دور المحافظة هو الترويج للمنتج وتسويقه لدعم الشباب حتى يستطيع الشاب الوقوف على قدميه وخلق سوق تجارى لنفسه.

ويشير إلى أن الدولة تساعد جميع الشباب لإقامة المصانع التابعة لمشروع «وظيفتك جنب بيتك» عن طريق القروض الميسرة بفائدة 5٪ والتسويق والدعم الفني والتدريب.

شركات راعية

ومن جانبها، تقول د.عبلة عبد اللطيف رئيس المجلس التخصصي للتنمية الاقتصادية التابع لرئاسة الجمهورية إن الرئيس عبد الفتاح السيسي وجه بالاهتمام بالمشروع ويقوم دائما بمتابعة آخر التطورات وذلك لأهميته الاقتصادية

وأضافت أنها قامت بمشاركة اللواء عمرو عبد المنعم والنائب خالد يوسف، بعمل مقابلات شخصية لأكثر من 1200 متقدم للمشروع حيث تم اختيار 52 شابا منهم وتم إنشاء 6 مصانع بمحافظة القليوبية كبداية لنقل الفكرة إلى كل المحافظات والتوسع في المشروع لمشاركة أكبر عدد من الشباب.

وقال المستشار الاقتصادي لرئيس الجمهورية «هناك شركات راعية للمشروع تقوم بشراء المنتجات من الشباب»، مؤكدة أن الهدف من المشروع هو الاستفادة من قدرات الشباب والقضاء على البطالة

صديقة البيئة

يؤكد خالد يوسف، عضو مجلس النواب، أن المشروع سيتم تعميمه على جميع محافظات مصر وخاصة الصعيد، ويضيف النائب إن الصناعات لن تقتصر على صناعة الملابس وستتسع لتشمل الصناعات الغذائية وجميع الصناعات صديقة البيئة ويشير إلى أن راتب الشباب في المشروع 1500 جنيه والمشروع سيوفر على الشباب النفقات التي كانت تضيع على المواصلات والغذاء أثناء العمل لأن الوظيفة أصبحت بجوار المنزل.

 ويوضح يوسف أن الشباب الذين تقدموا للعمل بالمصنع خضعوا للتدريب المكثف والاختبار من منظمة العمل الدولية والهيئة العربية للتصنيع وبعض رجال الأعمال وتم التكفل بكافة المبالغ الخاصة بالتنقلات والتدريب، ويطالب عضو مجلس النواب المحافظين بسرعة البدء في تنفيذ المشروع بمحافظاتهم؛ لأن دراسة الجدوى جاهزة والمشروع خرج للنور.

تنقذ الشباب

ومن جانبه، يشير د.علاء رزق، رئيس المنتدى الاستراتيجي للأمن والسلامة، إلى أن نجاح المشروع يعود إلى إرادة الشباب وجهدهم لتحقيق المطلوب، مضيفا أن للمشروع مزايا عديدة أهمها الاقتصاد في الوقت والجهد الذي كان يبذله الشباب للوصول لأعمالهم بجانب توفير مصاريف المواصلات.

ويطالب الدولة بتسويق المشروع والمنتجات خارجيا وداخليا لفتح سوق خارجي؛ ما سيعود بالنفع على الاقتصاد القومي بالإضافة إلى تدريب الشباب وتشجيعهم.

وذكر الخبير الاقتصادي أن المبادرة ستقضى على البطالة والبلطجة وتشجيع الشباب على العمل، الأمر الذي سيؤدي إلى الاستقرار في حياة هذه الفئة الهامة من المجتمع.

الموارد المتاحة

يقول إيهاب الدسوقي رئيس قسم الاقتصاد بأكاديمية السادات، إن مشروع «وظيفتك جنب بيتك» ينهض بالاقتصاد القومي لأنه سيقضى نسبيا على البطالة كما انه سيزيد من الإنتاج القومي.

ويضيف أن الأهم من الفكرة هو كيفية تنفيذها ونجاحها فلابد أن تتناسب المشروعات مع الموارد المتاحة حتى لا يؤثر بالسلب على الاقتصاد.

شارك الخبر على