بيت المدى يحتفي برائد الأُغنية السياسيّة العراقيّة..مركب طالب غالي يحط شراعه فـي شارع المتنبّي

حوالي ٧ سنوات فى المدى

آثر العمل بصمت، فجعله يبوح بأجمل الألحان والكلمات، حيث خلف عن السكون أيقونات راقصة  وترك أثرهُ ملكاً للشعوب، تتغنى به متى وأنّى شاءت، فأصبحت أغنياته نشيداً يعبّر عن روح الانسان المتمرد، ابن المدينة العاشق الحالم، المتأمل.  وبث من روح ألحانه في جسد الكلمات فأحياها، جاعلاً إياها تشبه الربيع بنظارته ودفئه، لتُفرح القلوب تارة، وأخرى  تُشتي حزناً كقطارت مطر شتائي غزير، لم ترتدِ ألحانه ثوب الخريف، فالموسيقى الجميلة لاتهرم ولا تموت، وتبقى عالقة في ذاكرة المستمع، حتى وإن غفت على أرصفة مغتربة.
 وقد غاب طويلا عن المشهد الفني والثقافي، كما أن كل ما هو سام بات مستترا، يتطاير بارتقاء، غير آبهٍ بملاحظة المحيطين به له، خصوصا حين يكون القاع ممتلئا ببقايا الجمال، وبقايا التألق، نجده مُحافظاً على نقائها، وبهاء عطائها، من خلال الصمت المترفع عن ضحالة القاع، فنجد المبدع الحقيقي، يعمل بصمت مبتعداً تماما عمّا يتواجد في قاع المدينة من صخب وضجيج لا ينتج عنه سوى المهازل الثقافية والفنية والادبية، التي لاتمت بصلة للثقافة والفنون. فحين نتحدث عن الملحن والشاعر طالب غالي سنتحدث بهدوء السكينة، وعذوبة اللحن، وجمال الكلمة، وعمق الصوت، بعيداً عن الصخب الجاهل، قريبا من جمالية الأغنية المثقفة. فنٌّ كهذا جدير بالاستعادة، والاحتفاء، ليكون بيت المدى في شارع المتنبي مبادراً بالاحتفاء بالملحن والشاعر طالب غالي ضمن منهاجه الاسبوعي الخاص بالاحتفاء بالشخصيات الفكرية والثقافية والفنية العراقية، ورغم القطوعات التي شهدتها العاصمة بغداد صباح يوم الجمعة، بسبب التظاهرات الاسبوعية، ورغم الطقس الممطر الذي عاق المارة والطرقات، إلا ان محبة طالب غالي في قلوب جمهوره  كانت أكبر لتشهد الاحتفالية حضورا واسعاً لمحبي الاغنية الراقية والاصيلة واللحن الجنوبي الرصين. جيل السبعينيّات والثمانينيّاتطالب غالي أحد الاسماء الغنائية الرائعة والمهمة التي ظهرت في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، فيذكر الإذاعي لطيف جاسم قائلاً " أن طالب غالي صوت رائع جداً، كان له  أثر واضح في فترة السبعينيات والثمانينيات، في مجال الموسيقى، والغناء في مدينة البصرة على وجه الخصوص والعراق بشكل عام." ويذكر جاسم قائلاً " قد تكون ألحان طالب غالي مفصلة على خامة صوت الفنان فؤاد سالم، الذي لم يُقدم له غالي ألحاناً فحسب بل قدم له بعض القصائد ايضا."   ويشير الاذاعي لطيف جاسم إلى السر وراء ما يميز ألحان غالي قائلاً " إن الالحان التي يقدمها غالي مميزة لأنها سريعة الوصول الى المتلقي، فهي تدخل إلى قلب المستمع ،لأن طالب غالي يضع جزءاً كبيراً من روحيته في موسيقاه، فنجد ما ترددها الالسن وتسمعها الآذان سريعاً وهذا يدل على انها ألحان مؤثرة ،لهذا استمرت حتى الآن."   ورغم أن غالي سكن المهجر لفترة طويلة إلا أن هذا انعكس على موسيقاه فهو انعكاس إيجابي، حيث يذكر جاسم قائلا " أن المهجر والغربة أثرا كثيرا على طالب غالي، وألحانه ولكن وجود عناصر التكنولوجيا والسوشال ميديا كانت كفيلة بإيصال فنه وألحانه لكل محبيه."ألحانه مثقّفة حينما نستذكر الرموز ونبحث بما خلفوه لنا من إرث ثقافي لم تُدركه أجيالنا الحالية سنكون امام رسالة لابد من إيصالها لهم، لأن هذه الرسالة تمثل جزءاً من الدين الذي يقع على عاتقنا والذي يتوجب علينا أن نرده إلى رموزنا، جاءت كلمات الباحث الموسيقي حيدر شاكر الحيدر مُحملةً بالامتنان لتلك الأجيال الموسيقية التي وصلت على يدها الاغنية العراقية إلى قمة البهاء والرُقيّ. وأضاف الحيدر "  بدأ طالب غالي الفن  عام  1959 وكان مطرباً يغني في فرقة الموانئ ومعه نخبة من فناني البصرة الكبار."في ستينيات القرن الماضي انتقل غالي إلى بغداد لإكمال مشواره الفني، في الوقت الذي كانت الاولوية تُعطى لمطربي وملحني  المدينة، فيذكر الحيدر " أن طالب غالي جاء للمدينة متاثراً بالفولكلور البصري، وكذلك المدرسة المصرية، حيث غنى لعبد الحليم حافظ كثيرا وكان ذا صوت جميل جداً." أما عن بدايات غالي فيذكر الحيدر قائلاً " بدأ طالب غالي كعازف كمان وعود، إضافة لما كان يكتبه من الشعر، حتى أصبح له العديد من دواوين الشعر، التي قدمت بعض الدراسات عنها مؤخرا."مشواره مع الموسيقى والالحان بدأ مع الفنانة العراقية مائدة نزهة، كما قدم بعض الالحان للراحل رياض أحمد، وكذلك لفؤاد سالم، ويذكر الحيدر " أن لغالي  الكثير من الاوبريتات التي لحنها، كما قدم موسيقى لعدد من المسلسلات  وكذلك اشتغل موسيقى بعض برامج الاطفال والكارتونات مثل كارتون "بومبو" وبرنامج " افتح يا سمسم".."لم يكن طالب غالي وحده ذا حس موسيقي، فيذكر الحيدر أن بنات طالب غالي يمتلكن ذات الحس، وقد شاركن في برنامج الاطفال " افتح يا سمسم" وقدمن عدداً من الاغنيات.ويشير الحيدر " أن طالب غالي مدرسة موسيقية بحدّ ذاته، فهو موسيقي محترف على مستوى الوطن العربي، وخصوصا أنه لحن الكثير من القصائد التي لقيت شهرة عربية ومحلية، كصائد السياب والجواهري." مؤكداً " بسبب الوضع السياسي ودكتاتورية النظام السابق غادر طالب غالي البلد عام 1979 وهذا ما اشرت إليه في مقالاتي عنه حيث قسمت سيرة حياته الى اربعة مستويات، ولابد الاشارة إلى ان طالب غالي ملحن مثقف جداً حتى في الاغنيات الشعبية التي قدمها كانت ألحانه مثقفة." ألحانه وقصائد السيّاب البصرة تلد كثيراً من المبدعين، فهي بحسب ما يراها الموسيقي جمال السماوي مدينة العطاء ومدرسة الفن، الموسيقي والغنائي، فكيف لا وهي مدينة الفراهيدي وابو الحسن البصري وهي مدينة علي الاطرش وحميد البصري، والاخوين ذياب خليل وكريم خليل، وفؤاد سالم وغيرهم، بهذه المقدمة عن المدينة أسدل السماوي حروفه ليتحدث عن غالي قائلاً " أنه صديقي منذ عام 1976، ولم يبق لفترة طويلة معي بل هاجر البلد بسبب الوضع السياسي البائس عام 1978، ذاهبا إلى الكويت ليرسي مرساه الاخير حاليا في الدنمارك، وقد زار بغداد لعدة مرات بعد عام 2003."روح غالي أثرت كثيرا على ألحانه، فيؤكد السماوي" أن روحية غالي المتأثرة بالمدينة والجنوب والسلام تجسدت في ألحانه، فهو من الجيل  الاول لفرقة البصرة، حيث ظهر مع  مجيد علي، وحميد البصري، وطارق الشبلي، وقد احتضنتهم شركة الموانئ العراقية، التابعة لمزهر الشاوي الذي كان له الدور الاكبر في مساندة ومساعدة مثل هؤلاء المبدعين." وأكد السماوي " أن غالي يتصف بكل ميزات العلم والانسانية، فهو معلم وشاعر وملحن وانسان راقٍ." لحن غالي الكثير من البرامج اضافة الى الأغاني، ولم تخلُ حصة الاطفال من ألحان طالب غالي، حيث لحن افتح يا سمسم، وقامت بأداء الكثير من اغنياته بنات الفنان، ويذكر السماوي أن أسلوب طالب غالي " جنوبي يتميز بإيقاعات البصرة الذي يختلف تماما عن جيل بغداد الموسيقي." وقد سيطر غالي وبعض من ابناء جيله على المشهد الموسيقي في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، بعد أن كان المشهد الفني والموسيقي حكرا على ملحني بغداد لغاية عام 1969، حتى ظهر ملحنو الجنوب أمثال كوكب حمزة وطالب القره غولي، وطالب غالي وغيرهم، وقد التزم غالي بالتلحين لفؤاد سالم في أغلب اعماله، ويذكر السماوي " أن لغالي العديد من الالحان النادرة من بينها قصائد السياب التي لحنها التي عدت من اجمل اعماله، ولكن لم تظهر شركة توزيع جيدة لتقوم بتوزيع هذه الاعمال التي لم يظهر اي ملحن عراقي حتى الآن ليأتي بمثلها."أحد أركان الأُغنية السبعينيّةالبعض يعتبر ان طالب غالي رائد للاغنية السبعينية، فيذكر الباحث في الاغنية العراقية فلاح الخياط أن " طالب غالي يمثل احد اركان الاغنية السبعينية،  حيث بدأ مشواره الفني في اوبريت "بيادر خير" في السبعينيات، وبعدها اوبريت " المطرقة"."ومثل كل المبدعين الذين غُيبوا عن المشهد الفني او الثقافي او الادبي فقط لأنهم لم يخضعوا للترهيب، واجهروا رفضهم فقد أُبعد، وأُهمل فن طالب غالي، فيذكر الخياط" أن غالي حورب من قبل النظام السابق لأنه كان يميل للفكر اليساري، لهذا أُهمل من قبل النظام السابق وطواه النسيان."  كان طالب غالي  يسكن البصرة وهو من عائلة بسيطة، وشارك في كل المهرجانات التي اقيمت هناك، وقد كتب العديد من القصائد وقدم الكثير من الالحان .أُغنياتعدد كبير من اغنيات فؤاد سالم قام بتلحينها المحتفى به، التي استعيدت في هذه الجلسة بصوت المطرب مجدي حسين، بمساعدة فرقة أوروك التي قامت بتقديم ألحان الاغنيات، وذكر الفنان مجدي حسين " أني سعيد بتقديم بعض اغنيات الفنان الكبير الراحل فؤاد سالم على وجه الخصوص تلك التي قدمها الملحن الكبير طالب غالي." مؤكداً " أن ألحان طالب غالي تميزت بالخفة والعذوبة، وكانت ألحان طالب غالي تمتزج بصوت الراحل فؤاد سالم، ورغم صعوبة أداء هذه الاغنيات إلا اني سأعمل على تقديمها واتمنى ان تنال اعجاب الحاضرين، بالأخص وانا اتابع هذا الجمهور الكبير من الحضور أمر يشجعني على الاجادة بتقديم هذه الاغنيات."وأشار حسين أنه سيقدم عدداً من اغنيات فؤاد سالم بعضها التي لحنها طالب غالي، واخرى لملحنين آخرين، ذاكراً " سأقدّم أغنية " هلي" وأغنية " تعودت" و"كل يوم اشوفك" وغيرها من الاغنيات التي يفضل الجمهور سماعها ،لأنها تمثّل أصالة الطرب العراقي."

شارك الخبر على