الفرق بين العرب والصين!!

أكثر من ٥ سنوات فى الشبيبة

علي ناجي الرعويكثيرون هم العرب الرسميون الذين زاروا العاصمة الصينية بكين من أجل كسب ود العملاق الآسيوي الذي يتحرك بثقة وثبات وبسرعة متناهية لأن يكون القوة القادرة على منافسة الولايات المتحدة الأمريكية في قيادة العالم والنظام الدولي الذي صار يبتعد كل يوم عن نظام القطب الواحد ويقترب من نظام متعدد القطبية يقوم على توازنات جديدة وصيغ غير مسبوقة أو معهودة.. لكن لا يبدو أن أحداً من أولئك الذين قطعوا آلاف الأميال للوصول إلى ذلك البلد الذي كان مجرد النظر إلى مستقبله من قبل بعض العرب هو مضيعة للوقت قد حاول أن يسأل نفسه: كيف استطاعت دولة كانت إلى ما قبل 35 عاماً عاجزة عن إشباع الجياع في داخلها أن تحقق هذه الطفرة الهائلة والكبيرة وأن تصبح القوة الاقتصادية العالمية الثانية وأن تتجاوز في وقت قياسي ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا وغيرها من الدول الغربية بينما لا يزال العرب يتحسسون مواطئ أقدامهم؟ بل كيف أمكن لبلد يصل تعداد سكانه إلى أكثر من بليون وأربعمائة مليون إنسان أن يغدو طرفاً في الصراع بين القوة القائدة والقوة المتطلعة للحلول مكانها مع أن هذا البلد كان إلى زمن غير بعيد يجهد في سبيل انتزاع الاعتراف العربي به في إطار معركته لاكتساب الشرعية الدولية ومواجهة القوى التي كانت تصر على أن تايوان هي الممثل الشرعي للصين؟.عجز هؤلاء عن السؤال لا يعود بالضرورة إلى جهل بالإجابة وإنما إلى عدم الاستعداد للاستفادة من التجربة الصينية الجديرة بالدراسة والتدقيق والتمحيص وكذا لعدم استعدادهم أيضا للبحث عن كلمة السر التي كانت وراء نهوض المارد الصيني الذي أخذ زمام المبادرة وامتلك الاستعداد الكافي للقفز على كل التحديات التي كانت تواجهه فيما اكتفى العرب بالمتابعة والفرجة ولذلك كان من الطبيعيأان تتسع الفجوة والهوة بين العرب والصين التي يفترض أنها من تصيغ علاقاتها على قاعدة المصالح المشتركة إلا أن الوطن العربي في ظل المعطيات الحالية والمشاكل القائمة في أكثر من بلد عربي يظهر بالنسبة للصين ليس أكثر من (ثقب أسود) فهو الذي يقف اليوم امام خيارات صعبة ومصيرية تستهدف للمرة الاولى الشعوب والحكام معا خصوصا بعد انكشف هذا المشهد العربي في شكله العام أو في علاقته بمجموع القوى الدولية الفاعلة منها أو الصاعدة ومن اخطر ما يهدد هذه المنظومة العربية حاليا هو استمرار تصدع التحالفات السياسية لصالح التحالفات المذهبية او الطائفية والناتجة عن فشل الرسميون العرب في بناء منظومة سياسية واقتصادية وفكرية تزرع الثقة في موطني بلدانهم وكذا إخفاقهم في استغلال كل الفرص التاريخية التي أتيحت لهم على مدى عصرين كان احدهما ثنائي القطبية حيث لم يحصد العرب فيهما سوى النكسات والنكبات والخسائر المتفاوتة.لقد تذكر بعض العرب في خضم احتدام المعارك الأخيرة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع الحلفاء والأصدقاء وتصاعد المواجهة بين واشنطن وبكين بانهم من وضعوا بيضهم في سلة واحدة وأن هذا الأمر قد تكون له أضراره مستقبلا لذلك سارعوا إلى الهرولة نحو الصين التي يتنامى حضورها وتأثيرها وطموحها التوسعي في ظل التحولات الدولية الراهنة وكان يمكن لمثل هذه الخطوة أن تكتسي الطابع الإيجابي لو أنه تم الإعداد لها بشكل جيد وتهيأ لها العرب الرسميون كما يجب وهو ما جعل من الاندفاع العربي صوب بكين يظهر وكأنه جزء من اللعب على التناقضات التي تتصاعد بين أمريكا والصين.لقنونا في صغرنا على أن رسولنا الكريم محمد بن عبدالله عليه أفضل الصلاة والتسليم حث صحابته على طلب العلم لو في الصين.. وفي جامعاتنا قيل لنا إن العلاقات بين العرب والصين تعود جذورها إلى أزمنة سحيقة وتحديدا إلى ما قبل أكثر من 2000 عام حين ربط طريق الحرير القديم الصين بالدول العربية برباط وثيق ترك تراثا نفيساً ومصالح ومنافع مشتركة ومتبادلة تجسدت فيها خصائص الحضارتين العربية والصينية.. وقرأنا بعد ذلك في كتابات ابي حيان التوحيدي والجاحظ والقزويني وغيرهم من المؤرخين والرحالة العرب مثل ابن بطوطة والغرناطي عن نظرة العرب إلى الصين وإعجابهم بتجاربها على صعيد بناء الدولة والاهتمام بالعلوم والصناعة بشتى أشكالها.. لكن كيف هي الآن علاقة العرب مع الصين؟ وما هي الاستراتيجية التي ينطلق منها العرب لتعزيز الشراكة مع هذا البلد التي تغلب فيه النزعة الوطنية على الفردية والتي قادت بدورها الى وضوح الرؤية و بناء دولة قوية هدفها إسعاد ورفاهية شعبها؟.قبل عدة أشهر كتبت مقالة عن مبادرة (بناء الحزام والطريق) التي أطلقتها الصين العام 2013 لإحياء طريق الحرير القديمة وطريق الحرير البحرية والتي تشغل المنطقة العربية حيزا مهما في تنفيذها وقلت في تلك المقالة إن هذه المبادرة تمثل فرصة مناسبة لتطوير العلاقات العربية – الصينية في إطار تنويع الشراكات بين العرب والقوى الصاعدة في العالم بدلاً من الاستمرار في الاعتماد المفرط على الغرب وحده الا ان ما كشفت عنه اللقاءات والزيارات المتبادلة بين الجانبين في الآونة الأخيرة هو أن العرب الذين تجالسوا مع الصين قد خرجوا من تلك الزيارات أو اللقاءات بخفي حنين إذ إنهم الذين عادوا الى بلدانهم من دون نتائج أو اتفاقات استراتيجية ترقى على الأقل إلى مستوى الشراكة بين الصين وباكستان او الاتفاق الذي عقدته إسرائيل مع الجانب الصيني والذي بموجبه ستضخ الصين بلايين الدولارات لبناء العديد من المشاريع الاقتصادية والمدن الصناعية والموانئ الحرة التي يمكن لها أن تسحب الكثير من الجاذبية التي تتمتع بها بعض الموانئ العربية والسبب في هذا الخلل يرجع مع الأسف إلى أن العرب لم يستوعبوا حتى الآن ما الذي يريدونه من الصين.شخصيا لا أتوقع مطلقا أننا سنصبح يوما مثل الصين بعد أن سيطرت علينا ثقافة الاتكالية والتي اصبحنا معها نفتقد للقدرة على التفكير والتخطيط ونفتقد أيضا لإرادة التنمية والتطوير والتحديث وها نحن بفعل هذه المسلكية نبدو اليوم مجرد أمة على هامش التاريخ نصفها أمي ونصفها الآخر فقير.. هذا ليس جلدا للذات بل هو الواقع فنحن أمة لا نتعلم ولا نقرأ ولا نفعل أي شيء من أجل أن نتقدم وكل ما نجيده هو أن نسخر من ضيق عيون الصينيين وحمق الأمريكيين ومثالية اليابانيين من دون أن نعرف أن عيون الصينيين الضيقة حولت الصين إلى قوة عظمى وأن مثالية اليابانيين ليست مثالية ساذجة كما نعتقد وإنما هي التي تخفي خلفها ذكاء مرعبا فيما نحن مستمرون في القفز والتآمر على بعضنا البعض وطالما نحن بهذه العقلية المأزومة فإن من المحال أن نصبح أمة ناهضة تتسابق مع الأمم الأخرى نحو الرقي والتقدم.كاتب يمني

شارك الخبر على