الجمهورية الداخل مزدحم بالتوترات.. والتناقضات منهمكة بالبوانتاجات.. وترقُّب لاجتماع باريس

حوالي سنة فى ن ن أ

وطنية - كتبت "الجمهورية" تقول: الداخل مزدحم بكلّ ما يتسبّب في تيئيس اللبنانيين أكثر فأكثر، وبكل ما يدكّ ما تبقّى من أسس هشّة يرتكز عليها الهيكل اللبناني، ويقطع كل طرق الانفراج نهائيًا، الّا الطريق الجهنمي الذي يشهد مسارًا متسارعًا نحو الدخول الحتمي في نفق اللاعودة من الكارثة المفجعة.

طار الاقتصاد، طارت الاموال، طارت الليرة، طار الدولار، طارت الحصانة، طارت المناعة، طارت الدولة؛ وزنار النار يطوّق لبنان، ويشوي الشّعب بلهيب الغلاء والاسعار. مشهد يزداد رعباً وكوابيسه المخيفة تقض مضاجع الناس، فيما مكونات الانقسام السياسي مصرّة على هذا المسار. حسم الملف الرئاسي وانتخاب رئيس للجمهورية، خطوة أولى لتجنيب البلد الانهيار، ولكنّه ضاع، او بالأحرى ضُيّع في دهاليز الحقد، وتتجاذبه إرادات التعطيل المتصادمة ليل نهار، والمنخرطة جميعها في مسار خبيث مزدحم بعروض مسرحية صبيانية ومزايدات ومنافقات أعدمت سبل التلاقي، وسياسات نخرّها سوس الأنانية والشعبوية، رسمت على سطح المشهد اللبناني عنوانًا عريضًا ينذر بأن الآتي أعظم.

 

لا حسم رئاسيًا
في هذا الجو، لا صوت يعلو على التعطيل، ومؤشرات نضوج الملف الرئاسي ودخوله مدار الحسم بانتخاب رئيس للجمهورية، منعدمة تمامًا في الداخل، ولا تلوح من ايّ مكان في الخارج. فالداخل مصطدم بحائط مسدود، واما الخارج، فأقصى المتوقّع منه هو تجديد دعوة اللبنانيين إلى تحمّل مسؤولياتهم تجاه بلدهم، والتعجيل في انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة إجراءات وإصلاحات. ومحطة تجديد هذه الدعوة باتت على مسافة ايام قليلة مع انعقاد الاجتماع الخماسي الاميركي- الفرنسي- السعودي- القطري- المصري في باريس، الذي حدّدت وزارة الخارجية الفرنسية جدول اعماله، وكذلك نتيجته المسبقة بإشارتها إلى انّ الغاية من هذا الاجتماع هي التنسيق ومحاولة تشجيع السياسيين اللبنانيين على إيجاد مخرج للأزمة التي يتخبّط فيها بلدهم.
تبعًا لذلك، وكما تفيد الأجواء التحضيرية السابقة لهذا الاجتماع، فإنّه لا يُتوقع ان يخلص اجتماع باريس إلى خطوات أكثر نوعية مما سبق وصدر عن اطراف الاجتماع كل على حدة، لناحية التأكيد على الطبقة السياسية في لبنان العمل الدؤوب والحثيث لكسر الانسداد في الملف الرئاسي، كما لا يُتوقع بالتأكيد صدور أي قرارات ملزمة، او تبنّي أي مرشح لرئاسة الجمهورية، فالاميركيون والفرنسيون والسعوديون والقطريون والمصريون، اكّدوا في مناسبات متعددة، انّهم يحبذون توافق اللبنانيين على رئيس للجمهورية، ويشدّدون على مسارعة المجلس النيابي إلى ممارسة دوره في هذا المجال، وبالتالي لن يقرّروا عن اللبنانيين في أمر يعود لهم حصرًا، وخصوصًا لناحية اختيار الرئيس. فالاجتماع محطة دولية للقول للبنانيين، هذه فرصة جديدة تُمنح لكم لإنقاذ بلدكم.

 

فرصة ثمينة
وفي هذا السياق، قالت مصادر ديبلوماسية في العاصمة الفرنسية لـ»الجمهورية»: «الاجتماع هو في جوهره اشارة إلى اللبنانيين بأنّ لبنان لا يزال ضمن دائرة اهتمام اصدقائه، وحرصهم على إخراجه من أزمته المعقّدة، لكن الأهم في هذا السياق، هو انّ هذه الجدّية التي يبديها اصدقاء لبنان حياله، والتي تعكس في جوهرها اصرارًا على انّ انجاز الملف الرئاسي في لبنان على وجه السرعة، هو بمثابة فرصة جديدة وثمينة لأن ينخرط في مسار الاستقرار السياسي والانفراج الاقتصادي، ينبغي ان تُقابل بجدّية من الجانب اللبناني، وتوجّه صادق نحو التوافق على رئيس للجمهورية ايًا كان هذا الرئيس».
وردًا على سؤال عمّا يتردّد عن انّ اجتماع باريس يستبطن توجّهًا من الدول الخمس محاولة لتبنّي ترشيح قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، جزمت المصادر بأنّ «الاجتماع حدوده تقف عند ما اعلنته وزارة الخارجية الفرنسية لناحية تشجيع اللبنانيين على انتخاب رئيسهم، وكما سبق وقلت، ايًا كان هذا الرئيس، وبالتالي لن يدخل في عرض أي أسماء لأي من المرشحين لاستحقاق لبناني. فضلًا عن انّ الدول الخمس لا تعتبر نفسها انّها في موقع التقرير عن اللبنانيين».
وردًا على سؤال آخر، لم تستبعد المصادر الديبلوماسية من العاصمة الفرنسية، ان تلي اجتماع باريس زيارات لموفدين إلى لبنان، تندرج في ذات المسعى الدولي، وحمل القادة في لبنان على التفاعل الايجابي ما يقرّره الاجتماع. وقالت: «أزمة لبنان صارت بالغة الخطورة، والشعب اللبناني يائس وبائس، وأصدقاء لبنان كما هو واضح يقفون إلى جانب لبنان، ولن يتركوه، وعلى القادة اللبنانيين الّا يتركوه يغرق اكثر في معاناته الصعبة، وآن الأوان لكي يتحمّلوا مسؤوليتهم وينتخبوا رئيس الجمهورية».

 

ترقب داخلي
على انّ تأكيد انعقاد اجتماع باريس، أرخى في الداخل حالًا من الترقب لنتائجه، كما أثار العديد من علامات الاستفهام حول كيفية سريان ما سيصدر عنه في حقل التناقضات السياسية. وإذ رحّبت مصادر مسؤولة عبر «الجمهورية» بهذا الاجتماع، مكرّرة قولها «الخارج يثبت دائمًا انّه الأحرص على لبنان من اللبنانيين انفسهم»، الّا انّها أبدت خشيتها من ان «يصطدم اجتماع باريس بالحائط الداخلي المانع لأي فرصة توافق او تفاهم بين اللبنانيين». وقالت: «أي ايجابيات منتظرة من هذا الاجتماع، تبقى بلا أي معنى طالما انّ الواقع السياسي في لبنان صدامي إلى المدى البعيد، ومنعدمة فيه الأرضية الملائمة لترجمة ايجابيات اي حراكات خارجية».

 

بوانتاجات .. وجبهتان
وعشية اجتماع باريس، لم تبدر عن المشهد الداخلي أي اشارة ايجابية تلاقيه، ذلك انّ الجبهات السياسية على اختلافها، باتت مسلّمة بالافتراق الكامل عن بعضها البعض في الرؤى والتوجّهات، وباستحالة صياغة التوافق في ما بينها على أي شخصية لرئاسة الجمهورية، كما باتت مسلّمة بأنّ نادي المرشحين لرئاسة الجمهورية بات مقتصرًا فقط على مرشّحين اثنين جديّين: رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية وقائد الجيش العماد جوزف عون.
وتبعًا لذلك، بات الواقع الداخلي مفروزًا على جبهتين تخوض كل منهما محاولة لحشد اصوات الاكثرية النيابية لإيصال مرشحها. وعلى ما تؤشر الوقائع المرتبطة بهذا المسار، فإنّ هذه المحاولات لتجميع هذه الأكثرية ليست شديدة الصعوبة فحسب، بل هي من سابع المستحيلات. وبحسب معلومات «الجمهورية»، انّ كل «البوانتاجات» التي أُجريت، سواء من الفريق الداعم لفرنجية، او من الفريق الداعم لقائد الجيش، بعيدة جدًا عن الأكثرية المطلوبة، حيث انّ الأساس في هذه المحاولة ليس تحقيق الاكثرية المطلقة (65 نائبًا) لانتخاب الرئيس في دورة انتخاب ثانية إذا ما انعقدت الجلسة الانتخابية، بل انّ الأساس هو تحقيق نصاب انعقاد الجلسة أي نصاب الثلثين (86 نائبًا)، وانتخاب الرئيس بحضور الثلثين، حيث انّ طرفي الصراع الرئاسي يملك كل منهما الثلث المعطّل لانعقاد اي جلسة.

 

هل تعديل الدستور ممكن؟
يُضاف إلى ذلك، انّ هذه البوانتاجات غير مرتبطة فقط بالجانب الرئاسي، بل بالشق المتعلق بتعديل الدستور. فإذا كان الحائل دون وصول فرنجية هو مانع سياسي عبر تكتل قوى نيابية تزيد عن الثلث المعطّل، لمواجهته، الّا انّ مانعًا دستوريًا يواجه قائد الجيش في ما لو مال الاختيار عليه، حيث انّ تعديل الدستور يتطلب ثلثي أعضاء المجلس النيابي، وفي دورة انعقاد عادية.
وسألت «الجمهورية» مصادر قانونية عن إمكانية تعديل الدستور وسط هذه الاجواء، فقالت: «بصرف النظر عمّا اذا كان المجلس النيابي قادرًا على تعديل الدستور في هذه الفترة او لا، فهل يمكن تعديل الدستور في ظل حكومة تصريف الاعمال؟».
اضافت المصادر: «الدستور يحدّد آلية تعديله في مادتين، حيث تنص المادة 76 من الدستور على انّه «یمكن إعادة النظر في الدستور بناءً على اقتراح رئیس الجمهوریة، فتقدّم الحكومة مشروع القانون إلى مجلس النواب». وتعديل الدستور ربطًا بهذه المادة غير ممكن في غياب رئيس الجمهورية. واما المادة 77 من الدستور فتنص على انّه «يمكن أیضاً إعادة النظر في الدستور بناءً على طلب مجلس النواب في خلال عقد عادي، وبناءً على اقتراح عشرة من أعضائه على الأقل، على أن یبدّي اقتراحه بأكثریة الثلثین من مجموع الأعضاء الذین یتألف منهم المجلس قانونًا بإعادة النظر في الدستور. فيبلّغ رئیس المجلس ذلك الاقتراح إلى الحكومة طالباً إلیها أن تضع مشروع قانون في شأنه، فإذا وافقت الحكومة المجلس على اقتراحه بأكثریة الثلثین، وجب علیها أن تضع مشروع التعدیل وتطرحه على المجلس خلال أربعة أشهر، وإذا لم توافق فعلیها أن تعید القرار إلى المجلس لیدرسه ثانیة، فإذا أصرّ المجلس علیه بأكثریة ثلاثة أرباع مجموع الأعضاء الذین یتألف منهم المجلس قانوناً، فلرئیس الجمهوریة حینئذ أما إجابة المجلس إلى رغبته أو الطلب من مجلس الوزراء حلّه وإجراء انتخابات جدیدة في خلال ثلاثة اشهر، فإذا أصرّ المجلس الجدید على وجوب التعدیل وجب على الحكومة الانصیاع وطرح مشروع التعدیل في مدة أربعة اشهر».

وخلصت إلى القول: «هاتان المادتان تشترطان وجود حكومة، وكما انّ لمجلس النواب دوره، كذلك فإنّ هاتين المادتين تحدّدان للحكومة دورًا اساسًيا في طرح مشروع تعطيل الدستور. ولبنان اليوم في ظل حكومة تصريف اعمال صلاحياتها مقيّدة بنطاق ضيّق جدًا، فإذا كانت هذه الحكومة غير قادرة على الاتفاق على عقد جلسة لمجلس الوزراء ببنود اقل من عادية، فهل في إمكانها بوضعها غير مكتمل الصلاحيات، أن تطرح مشروع لتعديل الدستور.. أشك في ذلك؟».

 

مجلس وزراء الاثنين
في السياق الحكومي، رجحت مصادر حكومية عقد جلسة لمجلس الوزراء الاثنين المقبل، لدرس جدول اعمال من 26 بندًا. واستباقًا لهذه الجلسة، وزعت الأمانة العامة لمجلس الوزراء امس، جدول اعمال على الوزراء للإطلاع عليه قبل توجيه الدعوة رسميًا إلى انعقاد هذه الجلسة.

 

دريان
إلى ذلك، دعا مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان «القوى السياسية في البلد إلى تكثيف الحوار في ما بينهم لانتخاب رئيس للجمهورية بأسرع وقت ممكن، وهو يعني كل اللبنانيين، كما رئاسة مجلس النواب ورئاسة مجلس الوزراء»، معوّلًا على «حكمة رئيس مجلس النواب نبيه بري في إنجاز الاستحقاق الرئاسي»، وقال: «لن تقوم قائمة للبنان إلّا بانتخاب رئيس للجمهورية، وتعزيز هيبة الدولة وتفعيل مؤسساتها باتخاذ الإجراءات الإصلاحية المطلوبة».

 

الجميل: سنعطل
وفي كلمة له خلال انعقاد مؤتمر حزب «الكتائب» امس، قال رئيس الحزب النائب سامي الجميل: «هناك دولتان على أرض واحدة هما الجمهوريّة اللبنانيّة وجمهوريّة «حزب الله»، آسفاً كوننا «نختبئ وراء بعض الشّعارات للهروب من واقع أنّ هذه الجمهوريّة الإسلاميّة تُحاول القضاء على روح الجمهوريّة اللبنانيّة». وشدّد الجميّل على أنّ «لم يعد ممكناً أن نخضع لإرادة «حزب الله» في لبنان، وندعو جميع اللبنانيين لتحمّل مسؤولياتهم. فالحزب يقول لنا بوضوح «بدّي الطّلاق معكم» ونحن لن نخضع».
وأكّد أنّ «هناك من يحاول ان يخرجنا من المعادلات الاقتصادية والديبلوماسية والسياسية، الّا انّ إرادة الشعب اللبناني تمّ التعبير عنها في ثورة الارز وثورة 17 تشرين».
وعن انتخاب رئيس الجمهوريّة قال الجميّل: «سنعطّل الانتخابات إذا قرّرتم ايصال رئيس جديد يغطي سلاح «حزب الله» لمدة 6 سنوات». وأضاف: «لن ننجرّ إلى السلاح لأننا نعرف قيمة الحرب والشهداء، ونريد للجيش والقوى الأمنية أن تحمينا. لكن وطبعًا بيوتنا ليست نزهة».

 

في واشنطن
على صعيد آخر، عقد نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب، في إطار اللقاءات التي يواصلها في واشنطن، اجتماعًا في المكتب التنفيذي في البيت الأبيض، مع مستشار الامن القومي الاميركي جيك سوليفان ونائب مساعد الرئيس الأميركي ومنسق مجلس الامن القومي للشرق الأوسط وشمال افريقيا بريت ماكغورك والمنسق الرئاسي الخاص لأمن الطاقة اموس هوكشتاين والمساعد الخاص للرئيس والمدير الأول لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا العميد المتقاعد تاري وولف ومدير الأردن ولبنان في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض نادين زعتر.

 

وتناول الاجتماع أهمية إنجاز ترسيم الحدود البحرية والمرحلة التي تليها، وما يمكن ان يحققه لبنان من تعافٍ مالي واقتصادي، وفق خارطة طريق سبق وتمّت مناقشتها بين الطرفين، تتضمن محاربة فعلية للفساد وإقرار القوانين ذات الصلة.
وتطرّق النقاش إلى استحقاق انتخاب رئيس للجمهورية، وما يليه من تشكيل حكومة لمواكبة عملية الإنقاذ واستعادة ثقة المجتمع الدولي، مع ضرورة الحفاظ على السيادة اللبنانية. كما تمّ التطرق خلال اللقاء إلى اجتماع باريس المرتقب الاسبوع المقبل.
وتخلّل النقاش بحث بالاتفاقية مع صندوق النقد الدولي، حيث شرح بو صعب أهمية تعديل بعض القوانين المتصلة بها، لضمان حقوق المودعين وعملية اصلاح القطاع المصرفي ومحاسبة المرتكبين منهم. كما كان بحث في اتفاقية استجرار الغاز من مصر، حيث تمنّى بو صعب على الإدارة الاميركية المساعدة بالشراكة مع مبادرة الرئيس ماكرون ودعم بريطانيا والدول الصديقة، لإعادة تفعيل وتسريع ملف الغاز لتأمين الكهرباء للبنان من الغاز المصري والاستجرار من الاردن، حسب ما سبق وتمّ الاتفاق عليه.

شارك الخبر على