أميركا ومؤامراتها القاتلة

أكثر من ٣ سنوات فى تيار

في مشهد لم يكن متوقعًا هزّ انفجار هائل وسط مدينة ناشفيل تينيسي الأميركية. وأشارت المعلومات الأولية إلى "أنّ الإنفجار ناتج عن قنبلة موجودة في سيارة "كرفان" متوقفة على جنب الطريق".
مشهد غير اعتيادي عند الأميركيين، الذين لا يعرفون التفجيرات الإرهابية إلا عبر شاشاتهم المتلفزة، أو من خلال الشبكة العنكبوتية ووسائلها التواصلية. ولكن بالنسبة إلى المحلّلين، فالمشهد يشبه هجمات 11 أيلول 2001 الإنتحارية. صحيح أن لا تشابه بين المشهدين من حيث حجم الخسائر البشرية والمادية، ولا حتى من حيث الرمزية المكانية، لكنّ وجه الشبه يكمن في الرسالة الموجّهة والأهداف المرتقبة.
اعتادت الولايات المتحدة رسم مخططاتها لحثّ الرأي العام على تأييد قرار الكونغرس الأميركي بإعلان الحرب. لم تزل صورة "بيرل هاربير" تؤرق المواطن الأميركي، باستذكار العملية الكوميكازية للجيش الياباني في 7 أيلول 1941، على الأسطول الأميركي القابع في المحيط الهادىء في قاعدته بجزر هاواي. لقد غيّر هذا الحدث مجرى التاريخ، وأرغم الولايات المتحدة على دخول الحرب العالمية الثانية.
صحيح أنّ شهر أيلول يجمع بين الإعتداءين الإرهابيين على الأميركي، وأنّ الإعتداءين حصلا داخل أراضي الولايات المتحدة الأميركية وهي في حالة اللاحرب، إلّا أنهما كانا الدافع الرئيسي لتحرّك الجيش الأميركي لضرب التهديد المباشر للأمن القومي الأميركي. تستطيع الولايات المتحدة الأميركية تغيير العنوان الرئيسي للإرهاب وفقًا لمصالحها والظروف الراهنة؛ ففي الإعتداء الأول، كان الفكر الشمولي، المتمثّل بالإمبراطوري الياباني أو النازي الألماني، فهو، بحسب التقارير الأميركية، الإرهاب الذي يجب ردعه. أما في الإعتداء الثاني، فكانت القاعدة، الإرهاب الإسلامي، هو المهدد الرئيسي لمصالح الولايات المتحدة في العالم، لذا تحرّك الجيش الأميركي دون انتظار موافقة أميركية ليضرب عمق أفغانستان، التي كانت محكومة من القاعدة يومها.
تعتمد الولايات المتحدة على سياسة قلب الرأي العام الأميركي، عبر التركيز على الميثولوجية، تلك التي تجعل من العدو المجهول يهدّد أمن أميركا، وعلى جيشها الدفاع عنه. فقد جعلت الكثيرين من الأميركان يظنّون أنّ صدام حسين شخصية كاسرة، تمتلك أسلحة نووية وبيولوجية، سيضرب بها ولايات أميركية، لذا يجب القضاء عليه؛ ليتبيّن لاحقًا، وبعد حرب أبادت 5% من الشعب العراقي، فضلًا عن الإعاقات والهجرات، والتغيير الديمغرافي، أنّه لا يملك أي نوع من هذه الأسلحة.
إنّ صورة الأميركي المنقذ للبشرية من أعدائها، حتى الفضائيين، تكفّلت بزرعها في عقولنا السينما الهوليودية، التي أعطتنا الصورة النمطية للجيش الأميركي. لتأتي بعد ذلك الصورة السيكونية التي رسمها خروج الطائرة الأميركية من سفارتها في فيتنام، بعد الهزيمة التي لحقت بالجيش الأميركي إثر انغماسه في الوحول الفيتنامية. فالفيتنامي أوجد فكرة الإنتحاري، وراح يفجّر نفسه بالجيش الأميركي، بعد أن كان هذا الأخير ينظر إليه ككتلة لحم بشرية لا معنى لها. وهذا ما سمعه وزير الخارجية الأميركي السابق، هنري كسينجر، يوم زار فيتنام، من أحد الفيتنامين أنّ العملية الإنتحارية ترهب الجيش الأميركي وتجبره على الرحيل.
 
بالعودة إلى تفجير ناشفيل تينيسي الأميركية، فقد أكّدت تقارير الشرطة الفيدرالية بأنّ هناك بصمات إرهابية، تضع الولايات المتحدة الأميركية أمام سيناريوهات قد يكون البعض منها مأساويًا.
السيناريو الأول، هو الأكثر تطرفًا، بحيث يعتبر أنّ الربيع العربي الذي كان صنيعة الولايات المتحدة عبر سفاراتها، ومموّلًا من قبل منظماتها غير الحكومية، ربّما يكون قد انعكس خريفًا أميركيًا، ينذر بتدهور تلك الأعمال التخريبية، وانتقالها بالتالي إلى كافة الولايات. فالقبضة السوداء لم تزل على الأرض، بمظاهراتها وأعمالها التدميرية في شوارع الولايات. إضافة إلى نيّة الرئيس المنتهية ولايته، دونالد ترامب، التي باتت معلنة بعدم تقبّله نتائج الإنتخابات التي أوصلت جو بايدن إلى البيت الأبيض، ألا وهي استعداده لفعل أي شيء لعدم تسليم السلطة، حتى لو كان ذلك حربًا خارجية - والمرشحة الأبرز هي إيران- لتوريط إدارة بايدن وتوريثها إرثًا صعبًا.
السيناريو الثاني، قد يكون من عمل مخابراتي يسعى لفتح المجال أمام أعمال عسكرية خارجية، على أعداء الولايات المتحدة. فالهجوم السيبراني الذي استهدف الشركات والمؤسسات الحكومية في الولايات المتحدة وخارجها قد ألحق الضرر بأميركا، وأوقعها بخسائر كبيرة، وعلى الفور توجهت أصابع الإتهام إلى روسيا، في إشارة واضحة للتمهيد إلى حرب مفتوحة، قد افتعلها ترامب لإنقاذ عهده الذي أرهقه فيروس كورونا، وكان السبب المباشر لخسارته في ولاية ثانية.
أخيرًا، رغم كثرة السيناريوهات التي تؤكد خطورة الإنفجار كائنًا من كان مفتعله، لكنه بات واضحًا أنّ أميركا تمرّ بأسوأ أزماتها الإقتصادية عبر تاريخها، وإنّ الخروج منها، لن يكون إلّا بافتعال الحروب، وزجّ جيشها في اجتياح حدود دول أخرى. فكيف السبيل للتخلّص من ديونها -لا سيما للصين- التي تقدّر بترليونات الدولارات، إلا بافتعال حرب عليها؟ لذا، لن يكون ما بعد الإنفجار كما قبله، وما على العالم سوى انتظار المصير.
 
د.جيرار ديب

شارك الخبر على